أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٥)

بيان

منذ حوالي شهر تلقيت اتصالًا هاتفيًا من والدين أخبراني أن ابنهما ذو التسعة عشر عامًا قد دمر سيارتين مستعملتين – لكنهما ينتميان لفئة حديثة.

وبالطبع لم يكن هو المسؤول عما حدث، ففي المرة الأولى كان يكتب رسالة نصية على هاتفه الشخصي أثناء القيادة، وفي المرة الثانية يتصارع بإصبعه مع صديقه الذي يجلس إلى جواره، ولم يرى السيارة الأخرى القادمة.

المحزن أنّ والديه هما من اشتريا له كلتا السيارتين – أو تحديدًا والدته، حيث كان الأب معارضًا منذ البداية، داعيًا بأنه يجب أن يشتري ابنه سيارته بنفسه، وبعد الحادثة الثانية أصرت الأم على شراء سيارة أخرى لأبنها.

سألها الأب “ما الذي دهاكِ؟”
أجابته بطريقة دفاعية: كيف سيصل لعمله دون سيارة.

علمًا بأن الولد يعمل ويحصل بالكاد على أدنى حد من الأجور، ولا يملك مالًا كافيًا لدفع التأمين – حتى أنه ينفق ما يتكسبه على البنزين – ولكن أرادت الأم أن تؤمن له السيارة الثالثة، في حين لم يُظهر الولد أي مستوى من المسؤولية؟.

لقد اتفقت مع الأب: “ما الذي دهاكِ؟!”.

وحسب الشواهد أمامي فإن الأم هي المسؤولة عن هذه العائلة، وعن الضرر الذي تم إلحاقه بالولد وحياته السهلة التي جعلته يفكر في نفسه فقط،، وقناعته الراسخة بداخله أنه: إذا حطمت سيارة ستجلب لي والدتي أفضل منها. ما المشكلة في هذا؟ كما كانت الأم ضحية الشعار القائل “يجب أن أكون صديقة لابني”.

وإليك هنا الحقيقة الأسوأ،،، عندما تحدثت مع الأم، وجدتها حاقدة جدًا على الأب، ودائمًا تقول: “إنه لا يفعل هذا ولا يقوم بذلك” – لكني أعرف ذلك الأب تمام المعرفة، وأعلم بأنه شخص يتحمل المسؤولية ويعمل بجد ومحبوب من أقرانه، ويتسم بالنزاهة. لكنه واحد من أولئك الذين يعتقدون بأنك يجب أن تنضبط في حياتك وتعمل بجدّ مقابل ما تشتريه.

من ناحية أخرى، تعتبر الأم مثالًا نموذجيًا لإحباط وهزيمة من ينشد الكمال. عندما تحدثت إليها أكثر، اكتشفت أنها ترعرعت مع أبِِ ناقد، لم تتمكن من إرضاءه أبدًا. وهكذا قررت في اللاوعي بأن تتلاعب به وتضغط عليه كي تحصل على ما تريده ( وهكذا أصبحت مشابهة لوالدها كثيرًا ) – وماذا عن ابنها؟ – حسنًا، لم يكن لدى الأم أشقاء، لذا أرادت أن تحظى “بصديق” لها. فإذا كان ابنها سعيدًا يكون عالمها جيدًا، ويُشكر على ذلك، فلا عجب أن يكون ابنها مخلوقًا كسولًا لم يساعد في أي شيء بالمنزل، ومنحسر في ذاته، ومستمر في طريقه للحصول على السيارة الثالثة، التي استخدمها لسنة واحدة فقط.

الأفدح والأمر من كل ما سبق – تخيل من كان يراقب الفشل الذريع المعلن؟ الأخ والأخت الأصغر.. صدقني لقد كانا يتعلمان أنماط العلاقات التي سيتعاملان بها مع والديهم عندما يصبحان في سن المراهقة.

“د. كيفن ليمان” عالم النفس الأمريكي الشهير.

انتهى الاقتباس.

وعلى طريقة “الفلاش باك”، هل تتذكر عزيزي القاريء شخصية “هاني” صديق شلة الأُنس بفيلم “على باب الوزير” بطولة عادل إمام، والتي جسدها باقتدار الفنان المبدع قيس عبدالفتاح،، عندما شرح الشاب المدلل لأصدقاءه، استراتيجيته النفعية في الحصول على كل ما يريده – باستغلال الخلافات المستمرة بين أبيه وأمه، مؤكدًا بأنه كلما اشتعلت الصراعات بينهما كلما تمكن من الظفر بطلباته التي لا تنتهي، لأن كل منهما يكون حينها متيمًا بنيل رضا ابنه، والاستحواذ عليه وتقريبه من قلبه أكثر، والنتيجة أن ملخص المنافع الشخصية لهاني، كانت تدور حول الإنفاق ببذخ على نفسه وأصدقاءه بالملاهي الليلية، وشرب الخمر والأهداف التافهة، وعدم الاكتراث بحالة التفكك الأسري التي كان يعيشها داخل رواق أسرته الصغيرة.

وما بين شخصية بطل قصة د. “ليمان” ووالدته من جهة، وكذلك أبننا “هاني” بفيلم على باب الوزير من جهة أخرى، نلاحظ أن ثمة أمور هامة يجب الانتباه إليها بشدة كأولياء أمور، خصوصًا أثناء مرحلة المراهقة المرهقة وتشكل البنية النفسية والاجتماعية لفلذات أكبادنا، منها أنه لابد أن نفصل تمامًا بين السلبيات التي قد يفرضها شريط بعض ذكرياتنا الصعبة، ببيوت آبائنا وأمهاتنا، وتذكر رؤية أحد الوالدين يتسم بالأنانية المقنعة، أو الاستحواذ السلبي علينا، بالإغداق العاطفي أو حتى المادي، لكسب ودنا، على حساب سيادة المباديء بصفة عامة، مثلما كانت تفعل “الأم” التي أشار إليها عالم النفس د. “كيفن ليمان”، وما يجب أن نكون عليه بعد أن أصبحنا مسؤولين عن أبناء في عمر الزهور، لهم كل الحق في أن يعيشوا باستواء، دون التأثر بأي إسقاطات نفسية كامنة في اللاشعور لدينا، ولا ذنب لهم في تورثها منا وتوريثها بالتبعية لأجيال وأجيال قادمة.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى