دكتور هاني الجمل يكتب: سوريا والذئاب
بيان
ليس هذا عنواناً لقصة تحكى للأطفال، بل هو ترجمة حقيقية للواقع الجديد الذي تعيشه سوريا حالياً. فدخول فصائل المعارضة خاصة ما يعرف بهيئة تحرير الشام إلى حلب والاستيلاء عليها بسهولة، لم يكن أمراً مفاجئاً في ضوء الضعف الذي تعاني منه حالياً الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، خاصة حزب الله.
ولا يمكن قراءة المشهد الحالي في سوريا، بمعزل عن الأطماع الإقليمية، التي تحيط بهذا البلد العربي، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع النظام الحاكم فيه، والذي يدفع حالياً ثمن ارتمائه الكبير في حضن العباءة الإيرانية.
وإذا كان الاستقرار السوري مطلب عربي، فإن تحقيق ذلك ليس بالأمر الهين، في ظل أطماع واضحة للدول المجاورة لها، والبعيدة عنها في آن واحد، وفي ظل الدعم الكبير الذي تقدمه إسرائيل والولايات المتحدة، بل والعواصم الغربية للمعارضة السورية والمقاتلين مجهولي الهوية.
فلتركيا أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها، مستغلة استيلاء المسلحين على حلب وفي مقدمتها – كما قال الخبير العسكري والجنرال السابق في سلاح الجو التركي أردوغان كاراكوش _ عودة ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري في تركيا إلى وطنهم، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من وطأة الأمر على أردوغان، فيما يتعلق بالسياسة الداخلية في تركيا. أمّا ثاني الأهداف التركية فهو تمكن المسلحين الموالين لتركيا، من طرد مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية من غرب الفرات على طول الحدود التركية، باعتبارها “فرعا من حزب العمال الكردستاني المحظور”. وفي السياق ذاته جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدال، الذي أعلن عقب اجتماعه مع نظيره الإيراني في أنقرة ” أن التطورات في سوريا، تظهر ضرورة التوصل إلى تسوية بين الحكومة والمعارضة، وأن على النظام بدمشق الجلوس والاستماع للمعارضة”.
وفي السياق ذاته يقول كادار بيري، مدير مؤسسة “كرد بلا حدود”، “ما نراه اليوم هو استمرار لسياسة الاحتلال التركي، حيث تتحرك التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة، وفقاً لتوجيهات أنقرة التي تسعى لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في شمال سوريا، تحت مظلة ما يُعرف ” بولاية 82 “، وهو مصطلح يعكس أطماعها في ضم أجزاء من الأراضي السورية”.
أمّا إيران التي تعاني حالياً من ضعف أذرعها في سوريا، والتي احتلت ساحتها موقعاً بالغَ الأهمية في برنامجها وخططها الاستراتيجية، فإن وزير خارجيتها الذي زار دمشق وأنقرة، أقّر عقب اجتماعه مع نظيره التركي،” بوجود خلافات مع الجانب التركي بشأن سوريا، وقال سنتشاور من أجل الوصول لحلول”.
وفي السياق ذاته يبدو الموقف الروسي أكثر ضعفاً بسبب انشغال بوتين بالحرب الأوكرانية، وبالتالي فإن مساندته القوية لنظام بشار الأسد تبدو بعيدة. أمّا الأطماع الإسرائيلية في سوريا فهي معروفة، ولا تحتاج إلى توضيح، خاصة في ظل دعم أمريكي غير محدود لنتنياهو.
وإذا كانت تلك هي خارطة الذئاب الطامعين في القطر العربي السوري، فإنه من المحزن أن تسعى بعض القوى الإقليمية لإيجاد حل للصراع في هذا البلد، دون أن تكون بينهم دولة عربية واحدة، وهو ما يدل على حجم التدهور الذي أصاب منظومة العمل العربي المشترك.
خلاصة القول.. لا خيار أمام أمتنا العربية وقادتها، سوى أن تبقى سوريا آمنه ومستقرة بغض النظر عن نظام الحكم فيها، وبالتالي لا بدَّ من حلّ سياسي يعزل المجموعات الإرهابية، ويفتح نافذة الأمل لعودة اللاجئين السوريين الموزعين على أطراف بلادهم، ويطلق عمليةَ إعادةِ الإعمار مستفيداً من الاحتضان العربي.