عاطف عبد الغنى يكتب: الإعلان الثانى لدولة اليهود.. سوريا أحد الفصول
بيان
لم يجانب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الصواب حين أطلق (اليوم 7 ديسمبر 2024) تحذيرا من استغلال دول (لم يسمها)، للمعارضة السورية المصنفة كجماعات إرهابية لأغراض جيوسياسية، واصفًا “هيئة تحرير الشام” بأنها منظمة إرهابية تشكل تهديدًا خطيرًا على سوريا والمنطقة.
مصطلح “جيوسياسى/ة” تواتر كثيرا على ألسنة المحللين، والسياسيين منذ أصاب السعار آلة الحرب الإسرائيلية، المدعومة دعما أعمى من الأنظمة الحاكمة فى الغرب، التى شجعت إسرائيل – نتنياهو وبن جافير وسموترتش – فراحت تعربد فى المنطقة وتعيد حرثها لتؤسس لواقع جديد فى الشرق الأوسط، يتم فيه تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية تحديدا، حسب الرؤية الصهيونية.. كيف؟.. ولماذا؟.
قبل أن نجيب على كل الأسئلة التى صارت تطن فى آذاننا طنين ذباب نهار صيفى “رذل” فى “زريبة بهائم”، دعونا نلفت إلى ملحوظة عابرة وهى أن نفس النقائص والأدواء التى يرمون العرب بها، هم – أنفسهم – فى الغرب مصابون بها بدرجات أكثر خطورة.
هم مثلا يرون أن دول المنطقة العربية تحكمها أنظمة مرتهنة لحكامها الديكتاتوريين، ولا يرون أن أمريكا وأوروبا، يحكمها ساسة وأنظمة مرتهنة لأحذية اليهود أينما وحيثما وجدوا، (ومن فضلك لا تقل صهيونى ويهودى، فكل اليهود صهاينة وإذا لم تكن تصدقنى ارجع لكتبهم المقدسة).
ونعود إلى تصريح “لافاروف” نحاول أن نفسر، ماذا يقصد بتوظيف دول (عدوة لسوريا) لهيئة تحرير الشام وباقى فصائل المعارضة الإرهابية – التى تعمل على تقويض الدولة السورية الآن – لأغراض جيوسياسية؟.
نقول أولا إنه بالبحث فى أحد تعريفات “الذكاء الاصطناعى” لمصطلح “الجيوسياسية” أفاد بأنها: “العلاقة بين الجغرافيا والسياسة، وكيفية تأثير هذه العلاقة على العلاقات الدولية وسلوك الدول”.
والآن ندخل فى الموضوع: غزة ثم لبنان فسوريا، ماذا تمثل جغرافيتها بالنسبة لإسرائيل؟.. بشكل مباشر تمثل خطوط التماس الحدودية التى تستغلها إيران (البعيدة جغرافيا) فى حربها ضد إسرائيل، التى تخشى أن تمتلك إيران سلاحا نوويا يهددها وجوديا، ومن خلال المليشيات التابعة لها ترد إيران العداء، وتحارب إسرائيل بالوكالة.
نفس السيناريو تقريبا نفذته تركيا حين وظفت هيئة تحرير الشام، وباقى فصائل المعارضة لتحارب بشار الأسد، الذى يسبب لها قلقا، بإصراره على أن تتخلى تركيا عن الأراضى السورية التى تحتلها فى الشمال السورى، وتنهب ثرواتها، واتفقت مصالحها فى ذلك مع إسرائيل التى لم يتبق لها من دول فى المنطقة العربية، تعصى على الاعتراف، والإقرار، والمهادنة، والسلام معها، وتركها تتمدد، وتنتشر؛ غير سوريا.
ليس هذا فقط ولكنها أيضا تسهل لأسلحة إيران ودعمها اللوجيستى بالمرور عبر أراضيها ليصل إلى فصائل المقاومة فى لبنان وفلسطين (نقصد تحديدا حزب الله وحماس وباقى الفصائل المقاومة لإسرائيل والقوات الأمريكية فى العراق وسوريا).
وهكذا بقيت سوريا (الدولة)، وبشار (النظام الحاكم) شوكة حقيقية فى خاصرة إسرائيل، بغض النظر عن أى رؤى أو تخرصات أخرى، أو دعايات مضادة نصفها كاذب، ونصفها الأخر مُهندس فى معامل حروب الجيل الرابع لصالح الأهداف الصهيونية، تماما مثلما تم هندست داعش، وجبهة النصرة، ووريثتها هيئة تحرير الشام، وغيرها من مليشيات مولّدة من رحم الإخوان الإرهابية، ضد “معنى ومبنى” الدولة الوطنية فى المنطقة العربية لإسقاطها (المعنى، والدولة)، فأدارت هذه المليشيات (المتأسلمة) ظهرها لأعداء الإسلام والعرب الحقيقيين، ووجهت خنجرها لقلب الشعوب التى تدعى أنها تنافح وتدافع عنها وعن حقوقها.
حدث هذا خلال المائة عام الأخيرة، ومنذ ظهور تنظيم الإخوان الإرهابى، الذى بدأ نشاطه المسلح فى مصر باغتيال الأفراد من خلال (الجناح العسكري للجماعة).
وللغرابة الشديدة فقد تطور هذا التنظيم بدعم من الغرب وأمريكا تحديدا، مرة لحرب الروس فى أفغانستان، من خلال تنظيم القاعدة (قبل أن يتفلت من يد أمريكا)، ومرات بخلق ودعم مليشيات مثل “داعش” لينتهى إلى حرب الدول التى تمارسها هذه المليشيات، منذ عقدين من الزمن على الأقل، ومع ضرب الفوضى الخلاقة للمنطقة، لخلق واقع جيوسياسى جديد، تمهيدا للإعلان الثانى لدولة اليهود (مملكة الرب العنصرية)، وتأتى – الآن – سوريا كأحد الفصول فى هذا السيناريو الشيطانى.