محمد أنور يكتب: إبراهيم الخليل والبلاء المبين
بيان
ابتلى الله خليله ونبيه ورسوله إبراهيم عليه السلام ببلاء مبين، بسبب حبه الشديد لابنه إسماعيل عليه السلام، وفى هذا قال تعالى:
“وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدينِ (99) رَبِّ هَبْ لي مِنَ الصَّالِحينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَليمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إِنْ شاءَ اللّه مِنَ الصَّابِرينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنينَ (111)” {الصافات 99-111}.
هذا وحى من الله تعالى أن يذبح ولده الوحيد، ولم يسأل إبراهيم عليه السلام لماذا أو لأى سبب ؟ لا يسأل المحب لماذا ؟ وإبراهيم سيد العاشقين، فكر إبراهيم في ولده، ماذا يقول عنه إذا ارقده على الأرض ليذبحه، أهون عليه من أن يأخذه قهرا، فأنظر إلى تلفظه في إبلاغ ولده، وانظر إلى رد الإبن الكريم في ذلك، هذا أمر يا أبى فأسرع و بادر بتنفيذه.
هذا هو الاسلام الحقيقي، تعطى كل شئ فلا يتبقى لك منك شئ، وانتهى إختبار إبراهيم، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم، وصار اليوم عيد لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون.
وعاد إبراهيم يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده، ومرت الايام، وكان إبراهيم قد هاجر من أرض العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية، ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن اخبار لوط عليه السلام مع قومه، وكان لوط عليه السلام أول من آمن به، وقد اثابه الله بأن بعثه نبيا الى قوما من الفاجرين العصاه.
يقترب الوقت من الظهيرة، وابراهيم عليه السلام يجلس خارج خيمته، يفكر في ولده إسماعيل وقصة الرؤيا، وفداء الله له بذبح عظيم، قلبه يمتلئ بالخشوع والحب، تفيض عيناه نيابة عنه في الشكر، وتذكر ابتعاد إسماعيل عليه السلام عنه وشوقه إليه، في نفس هذه اللحظة، هبط على الأرض أقدم ثلاثة من الملائكة: جبريل واسرافيل و ميكائيل، يتشكلون في صور بشرية، مهمتهم مزدوجة المرور على إبراهيم وتبشيره، ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم، صار الملائكة الثلاثة قليلا، ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم، رفع إبراهيم رأسه، تأمل وجوههم، لا يعرف احد فيهم، بادروه بالتحية قالوا: سلام. قال: سلام.
نهض إبراهيم ورحب بهم، وادخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء، ليست معهم دواب، اجلسهم واطمأن أنهم قد اطمئنوا، ثم استأذن وخرج، راغ إلى أهله، وأمر إبراهيم زوجته بذبح عجلا سمينا لأنهم ضيوف وغرباء، وربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء، وبدأ إبراهيم شواء العجل، فأعدت المائدة، ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام، واوقف زوجته في خدمتهم زيادة في الاكرام والحفاوة، ووضع العجل المشوى أمام الضيوف، وأشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل ليشجعهم.
كان ابراهيم عليه السلام كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء ، وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل.
راح إبراهيم عليه السلام يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون، لاحظ أن لا أحد يمد يده إلى الطعام، قرب الطعام إليهم وقال: الا تأكلون؟ وعندئذ خاف منهم لأن في تقاليد البادية التي عاش فيها ابراهيم علية السلام، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت، وكان الملائكة يقرءون افكاره التي تدور في نفسه، وقال احد الملائكة لا تخف، وابتسم وقال نحن لا نأكل يا إبراهيم ، نحن ملائكة الله، وقد أرسلنا الله إلى قوم لوط.
ضحكت زوجة إبراهيم، كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم، فضحكت التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحق، وتعجبت العجوز” قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)” سورة هود
عاد احد الملائكة يقول لها
” فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ”(71) ،هزت هذه البشارة قلب إبراهيم وزوجته هزا عميقا،”قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ “(73)
لم يكن لابراهيم غير ولد واحد هو إسماعيل، تركه هناك بعيدا في الجزيرة العربية، ولم تكن زوجته سارة قد انجبت خلال عشرتها الطويلة لابراهيم، وكان حنينها الى الولد عظيما، ثم ها هي فى مغيب العمر تتلقى البشارة؛ ستلد غلاما، قالت الملائكة غلام عليم، ليس هذا فحسب، وبشرتها الملائكة بأن أبنها سيكون له ولد تشهد مولده وتشهد حياته.