محمد أنور يكتب: الأسد وسوريا
بيان
كان عمر بشار الأسد خمس سنوات حين استلم والده السلطة في سوريا، وعلى عكس إخوته باسل وماهر وشقيقته بشرى لم يهتم بشار قبل أن يصبح رئيسا لسوريا بالسياسة، ولم يكن يتحدث بالسياسة، إنما أقتنع من أبناء جيله بأن ما فعله والده هو عين الصواب وإن السلطة قدره، ولم يكن عنده نزعة السلطة الاستعراضية، بدأ ظهوره في الحياة العامة عندما أصبح رئيسا للجمعية المعلوماتية التى فتحت للشباب السوري عالم الإنترنت وتحكمت به.
ولد بشار الأسد في مدينة دمشق ونشأ فيها على خلاف والده الذي جاء من قرية، وصعد في فترة سقطت فيها أنظمة الحزب الواحد في أوربا الشرقية وأثرت على عدد من الأنظمة العربية.
وعلى خلاف البداية العسكرية لوالده حافظ الأسد، بدأ بشار مدنيا حيث درس الطب في جامعة دمشق وتخرج طبيبا، ولم يكن ناشطا في المنظمات المدنية التابعة للحزب، ولم يعرف الانقلابات المضاده التى عاشها أو شارك فيها والده، وعلى عكس ذلك عرف بشار التجربة الديمقراطية من خلال دراسته في لندن وزواجه من إنجليزية سورية الأصل.
تلقى بشار أول إشارة للسلطة حين كان في الثامنة والعشرين من عمره وهو في لندن، ففي الساعة السابعة من مساء يوم 27 كانون الثاني 1994رن التليفون في شقته وتلقى خبر مقتل شقيقه باسل في حادث بسيارته في طريق المطار الغارق في الضباب، ونقل إليه من أبلغه الخبر أمر من والده إحضر فورا.
بدأ حافظ الأسد يستنسخ الابن الثاني بشار على صورته وهو يعده خليفة له، وأدخله أكاديمية حمص العسكرية، ولكى يصبح معروفا للناس عمل كمستشار لوالده، وتم إنشاء مكتبا خاصا له لمتابعة شكاوى المواطنين وقاد أول حملة ضد الفساد، وكانت لبنان هى المدرسة التي تعلم فيها السياسية، وتعلم كيف يقتل القتيل ويسير في جنازته.
وحين استلم ملف لبنان وجد أمامه قياديين سوريين مثل عبد الحليم خدام الذي كان يحرك السياسية من أعلى، والثاني هو على دوبه الذي كان يحرك الأمن من خلال تمويل قوى خفية تنفذ الاغتيالات، فبدأ بشار ينقلب على الكبار ويزيحهم واحدا بعد آخر، وتخلص من رئيس المخابرات العسكرية على دوبه، ثم من رئيس الأركان حكمت الشهابى بحجة تقدمه في السن، ومن رئيس أركان الطيران محمد خولى، وطبق شعارات الإصلاح بالتخلص من كل من تحفظ عليه، وبدأ فى جمع حرس خاص حوله ودعما له ولطموحاته.
رحل حافظ الأسد عام 2000 وحل فى الشارع السوري فزع غريب من احتمالات الصراع بين الحرس القديم في الحزب، وبين الحرس في الجيش السوري، وبين الأبناء والعم رفعت الأسد الذي كان يستعد للعودة موقظا سرايا الدفاع المخفية، ولم يدم الأمر طويلا، فقد رتبت الأمور قبل رحيل الأب وبحضور الشبحى المهيمن واستلم بشار الأسد قيادة الحزب والجيش، ولم ينقلب بشار على أحد إنما انقلب على الدستور الذي كان يشترط أن يكون الحد الأدنى لعمر الرئيس 40 عاما حين صوت مجلس الشعب في جلسة الرعب على تغيير الدستور بنسبة 97.2% وبذلك دشن بشار وهو في 34 من عمره أول تجربة وراثة في الأنظمة الجمهورية العربية.
ركز بشار على الديمقراطية وازاح الكثير من صور وتماثيل والده، وكان أول خطاب له ملئ بمفردات جديدة عن الحرية وقوى الشباب المبدعة والحداثة والإصلاح كأداة لتطوير الحياة في سوريا نحو الأحسن، ولم يدرك أن هذه الكلمات ستفتح باب السجن للحراك الديمقراطى مع انطلاق ربيع دمشق على يد 99 مثقفا سوريا تحولوا بسرعة إلى ألف وطالبوا الرئيس الجديد برفع حالة الطوارئ وتحرير المعتقلين السياسيين واحترام الحريات العامة.
أراد بشار في أول الأمر أن يبدو مختلفا عن والده ولكنه وجد نفسه محاطا ببطانة والده مع الحرس القديم الذين ينظرون له كشاب غر وحالم، ولابد من إعادته إلى الطريق الصواب، أى طريق الأب، حتى جاء رد بشار بفرض قوانين على المنتديات التى تتحكم في حق التجمع في الأماكن العامة ورفع حصانة النائب سيف مأمون الحمصي والحكم بالسجن خمس سنوات، وسجن النائب علي عارف دليلة عشر سنوات، وإقالة رئيس تحرير جريدة تشرين محمود سلام من منصبه الاعلامى، وعادت الاعتقالات إلى سجون أكثر حداثة، وانتشرت اخبار القتل الجماعي والعثور على جثث جماعية عليها آثار التعذيب وسط مدينة إدلب، وإعدام 14 شخصا في كرم الزيتون على يد الأمن والشبيحة، واستهداف المتظاهرين بالقنابل، والقصف العنيف على عين لازور في إدلب، وتتصاعد الارقام ما بين قتيل وجريح، وكان وراء كل قتيل أو جريح حكاية أم وأبناء، كيف لهذا الشاب الذي تعلم في أفضل الجامعات أن يتمرن على القتل والموت ويراه مجرد ارقام، وكان التمرين الأول في لبنان في ذلك التفجير المروع الذي أودى بحياة الحريرى، وبعدها انتحر المدبر والمسؤول الأمنى عن ملف لبنان غازى كنعان بالتعبير السورى الساخر بست طلقات في الظهر!!!
وكيف هرب الآن وباع القضية كلها ولماذا ؟؟!!.