أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (6)

بيان

لا يبدو حَبِّ الشباب أمرًا هائلًا لمعظم الأهل، ولكن بالنسبة للسواد الأعظم من المراهقين إنها مسألة ضخمة جدًا.. فهناك ما يكفي من الأمور الغريبة التي تحدث لهم خلال هذه السنوات – النمو، تغير الصوت، الجسد الطويل الذي يبدو أحيانًا غير متناسق كما ترغب به أن يكون، وهرمونات مشتعلة تجعلك تشعر وكأنك على سفينة دوّارة، لكن بعد كل هذه الضغوط – يطفح وجهك بحبِّ الشباب، ويقرر الأولاد المساعدون في المدرسة أن يلقبونك بوجه البيتزا.

تكون الندبات العاطفية لدى الأولاد الذين كبروا ويمتلأ وجههم بالكثير من حَبِّ الشباب، لها مدى أعمق وأعظم تأثيرًا على المستوى النفسي من آثار الندبات الجسدية المتبقية، لذا من المفترض ألاّ يتعامل الأهل مع مسألة البثور باستخفاف.

دعينا نقول بأن ابنتكِ البالغة من العمر اثنتى عشر سنة تقضي ساعات أمام المرآة، وهي ترثي نفسها على وجود تلك البثور في وجهها. إذا قلتِ لها: “لا تقلقي فالبثور تظهر لدى جميع المراهقين، حتى أنا كان لديَّ مثلها في وجهي عندما كنت مراهقة” – لن تساعديها بذلك – فالمراهق يعيش في هذه اللحظة. وهذه اللحظة الحالية هي الأمر الهام لها ولراحتها النفسية.

أيها الوالد هذا هو الوقت المناسب لتتحمل فيه المسؤولية، وتتطوّع كحلّال للمشاكل أمام طفلتك التي بدأت تقول بأنها لا تريد الذهاب إلى المدرسة، بسبب وجود بثرة كبيرة على ذقنها، والجميع سينظرون إليها.

نعم ستبقى البثور دائمًا محيطة بعالم المراهق، ولكن الأخبار السارة أنه تمّ القيام بجميع الخطوات الرائعة في مجال الأمراض الجلدية – من أدوية معينة إلى الغسول الموضعية، والعقاقير التي تقلص حجمها… إلخ، إخبري ابنتك قائلة: ” أعلم أنكِ قلقة بشأن البثور، لذا دعينا نتعامل معها بأفضل الطرق المتاحة لدينا، سنذهب إلى أكبر صيدلية موجودة، وأنا متأكدة بأنّ خبير الجلدية سيتمكن من مساعدتنا”.

وعندئذِِ يمكنكِ الانطلاق، حددي استشاري الجلدية أو الصيدلاني ودعيه يقدم لابنتكِ المراهقة التعليمات حول طريقة غسل وجهها- بلطف وباستخدام نوع قماش معين – وكيفية استخدام الأدوية التي تقلِّص البثور، ودعي ابنتك تقرر بين عدة أشياء يمكن إحضارها وتجربتها في المنزل.

بالنسبة للأهل الذين يتوقون لأن يصبحوا أصدقاء لأطفالهم بناءً على وجهة نظر نفسية،، تُعتبر هذه طريقة عملية لتكون بها صديق لطفلك، حيث ستفسر ابنتكِ أفعالكِ بأن “أمي تفهم ما أواجهه”. وبكل تأكيد إنّ الولد الذي يعزل نفسه عن شخص يحاول تقديم المساعدة. لن يتوجه إلى غرفته بعد المدرسة، ويصفع الباب غير مكترث بذلك الوالد.

انتهى الاقتباس.

من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” لعالم النفس الأمريكي د. كيفن ليمان.

والشاهد من الاقتباس السابق عزيزي القاريء، أنه لا توجد نقطة تماس أو تلاقي عشوائية أو فطرية، تفرض نفسها بيننا وبين أبنائنا المراهقين صدفة – بل إن حميمية تلك العلاقة ستضرب بجذورها في الأعماق نتيجة تدخلات وتفاعلات فارقة، نحدثها نحن كآباء وأمهات بخبرتنا وحكمتنا، ليشعروا على أثرها بقيمة وجودنا إلى جوارهم، نساندهم ونخفف من وطأة صدماتهم الأولى في الحياة، الغير متوقعة أحيانًا بالنسبة لهم، والدليل على ذلك قصة مثل قصة حَبِّ الشباب التي ذكرها د. “ليمان”، كمثال حي يشير لأهمية دعمنا المستمر لأبنائنا بتلك المرحلة الحرجة من العمر، وعدم السماح لأشخاص آخرين مثل أصدقاء السوء بالولوج إلى عالمهم الخاص، وبث سموم فتاكة من شأنها تدميرهم، أو تدمير قناعتهم الداخلية بأهمية دورنا على الأقل.

ومما لا شك فيه أن إشباع “الرغبة الملحة” في تجربة الأشياء التي يكتشفها المراهق من حوله، تدفعه لخوض غمارها بمفرده في غياب التوعية والنصيحة السديدة من الأهل، مثل تعاطي المواد “المخدرة” عطفًا على ما يسمعه عن قدراتها ( الوهمية ) في إسعاده، أو هروبه من فقدان الإحساس بشغف الحياة، والفراغ الكبير وتعمق الفجوة الاجتماعية بينه وبين جميع أفراد الأسرة،، تلك البيئة الغير حاضنة والمستوعبة لمراهقة صغارنا وأنماط شخصياتهم المختلفة، ينتج عنها أجيال جامدة وحاقدة وغير واعية، تفتقد للإنتماء أو الإندماج بإيجابية.

من المشاهد المتكررة أمامي على مدار حياتي ولا تمحى من ذاكرتي أبدًا، تلك المشاعر المختلطة لبنات صغيرات وسيدات، كنت أسمع أصواتهن بالريف والحضر ينتحبن بعد وصول جثمان رب أسرتهن استعدادًا لدفنه، يرثينه بأبلغ الكلمات وأصدقها، ويذكرنَ مواقفه وتصرفاته وتأثرهن به، كدليل على الحب الجارف والحنان المتدفق من القوارير، مع أن تلك العادة غير مستحبة دينيًا ومجتمعيًا على المقابر وبالقرب من الجثامين، وربما أن معظم أصحابها من النساء اللائي تجدهن لا يتحدثن كثيرًا، أو حتى يظهرنَ في مناسبات عامة لطبيعتهن الخجولة – إلا أنهن في لحظة فراق أعز الناس، لم يستطيعوا كبت مشاعرهن، فأعلنوا وأفصحوا عنها ببساطة وعفوية – وهي تظل محفورة في وجدانهن، وستورث لأجيال وأجيال – بدلًا من الهجر والجفاء واللامبالاة.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى