جهادى أم معتدل؟.. الصورة التى تصدرّها إسرائيل عن زعيم هيئة تحرير الشام

 كتب: أشرف التهامي

مقدمة

تساءل تقرير إسرائيلي مركز “ألما” البحثى الإسرائيلى، المقرب من دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، عن أحمد الشرع المشهور بـ“أبو محمد الجولاني” تحت عنوان: “من أنت؟”، وقرن السؤال فى عنوان التقرير بالجملة التالية: “أبو محمد الجولاني” الجهادي أم المعتدل أحمد حسين الشرع؟.

وأجاب تقرير مركز “ألما” على أسئلته عن زعيم وقائد “هيئة تحرير الشام” قائدة المليشيات المسلحة التى قادت الهجمة الأخيرة التى أطاحت بنظام بشار الأسد من حكم سوريا بالآتى:

نص ترجمة التقرير

ولد أحمد حسين الشرع، المعروف غالبًا باسم أبو محمد الجولاني، عام 1982، في العاصمة السعودية الرياض لأب عمل مستشارًا اقتصاديًا في قطاع النفط في السبعينيات والثمانينيات، وأم كانت تدرّس الجغرافيا.

عاد إلى دمشق مع عائلته عام 1989، عندما كان في السابعة من عمره.
في مقابلة عام 2021 مع محطة البث العامة الأمريكية PBS، ذكر أن أصول عائلته في مرتفعات الجولان ألهمت لقبه “أبو محمد الجولاني”. ويزعم أن جده فر من مرتفعات الجولان عام 1967 (أثناء حرب الأيام الستة).
في دمشق، التحق بالمدرسة الابتدائية والثانوية، وبعد تخرجه فى المدرسة الثانوية، التحق بالجامعة في قسم الاتصالات.

ووفقًا لبعض القصص، بدأ التدريب ليصبح طبيبًا قبل أن يتركه بعد حوالي عامين. في عام 2003 ترك الدراسة وانضم إلى التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العراق، وانضم إلى كتائب المجاهدين في الموصل وأعلن ولاءه لأبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق وأحد مؤسسي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

بين عامي 2004 و2010، أسر الأمريكيون الجولاني وسجنوه في معسكر بوتشا، ثم انضم إلى دولة العراق الإسلامية.

تأسيس جبهة النصرة وانفصال الجولاني عن البغدادي (داعش)

في منتصف عام 2011 وصل أبو محمد الجولاني من العراق إلى مدينة بنش في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، برفقة أبو محمد العدناني (الناطق الرسمي باسم دولة العراق الإسلامية آنذاك)، كممثلين لزعيم دولة العراق الإسلامية آنذاك أبو بكر البغدادي.
اتصل الاثنان بشيوخ المدينة وأخبروهم أنهما جاءا للمساعدة في الانتفاضة ضد النظام، وفي نهاية عام 2011، أسس الجولاني والعدناني ما يسمى بجبهة النصرة (جبهة العون) للسوريين – ضد النظام.
بدأت جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني العمل في سوريا ضد نظام الأسد وجيشه، بمساعدة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وتلقى الجولاني دعماً كبيراً باعتباره زعيماً لفصيل قوي ومتماسك ضد النظام السوري.
ظلت جبهة النصرة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق بقيادة أبو بكر البغدادي، حتى قرر الأخير في عام 2013 دمج التنظيمين في كيان جديد يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي سيطلق عليه فيما بعد اسم داعش.

وأعلن الجولاني في تسجيل صوتي أنه بايع أيمن الظواهري وانفصل تماما عن داعش.
ومنذ انفصال الجولاني عن داعش تزايدت الخلافات بين التنظيمين وخاضا صراعات في أكثر من منطقة، وزاد نفوذ جبهة النصرة، وتعتبر المنظمة منظمة متماسكة وقوية للغاية.
وفي عام 2013 صنفت وزارة الخارجية الأميركية أبو محمد الجولاني إرهابيا عالميا، وعرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه، وصنفت جبهة النصرة منظمة إرهابية.

انفصال الجولاني عن الظواهري (القاعدة) وتغيير اسم التنظيم (مرتين) والاعتدال (؟)

في قرار مفاجئ في يوليو 2016، أعلن الجولاني فك ارتباط تنظيمه بتنظيم القاعدة، وتغيير اسمه إلى جبهة فتح الشام، وقال في أول ظهور علني له أمام الكاميرات، بعد أن ظل شخصية غامضة ومخفية لسنوات إن: “القرار نابع من “عدم إعطاء الأعذار للمجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا وروسيا، لقصف واقتلاع كل المسلمين في بلاد الشام بحجة المساس بجبهة النصرة التابعة للقاعدة”.
وفي عام 2017، حاول التنظيم دمج عدة فصائل معارضة تحت اسم جديد، هيئة تحرير الشام، إلا أن الفصائل انسحبت بسرعة، ما دفع تنظيم الجولاني الرئيسي إلى تبني الاسم الجديد والتوسع إلى شمال غرب سوريا، وخاصة في مدينة إدلب.
هناك نجح في استبعاد وطرد فصائل مختلفة من المعارضة السورية، بما في ذلك الكتائب التابعة للجيش السوري الحر، وجبهة ثوار سوريا، وحتى تنظيم الدولة الإسلامية نفسه.
كما طرد الفصائل المسلحة مثل جند الأقصى، وهو فرع من جبهة النصرة، وحراس الدين، التابع لتنظيم القاعدة.

وبذلك سيطر الجولاني على عدة مناطق وفرض نفسه كأحد أقوى أطراف الصراع في سوريا.
ومنذ سيطرته على إدلب، بدأ أبو محمد الجولاني تدريجيا وبسرعة في تغيير سياسته القاسية، فألغى لجان تعزيز النزاهة ومنع الفساد التي كانت تتدخل في شؤون المواطنين.
كما وجه نداء إلى الرأي العام الغربي، ولذلك أجرى عدة مقابلات مع صحف غربية، عبر فيها عن انفتاحه على التغيير.
ولنتذكر هنا أن الجولاني أثناء ظهوره الإعلامي الأول عام 2013 مع قناة الجزيرة، كان يقف وظهره للكاميرا، مغطياً بغطاء أسود يخفي رأسه ووجهه.

ودعا إلى تشكيل حكومة في سوريا على أساس الشريعة الإسلامية.
وبعد ثماني سنوات تقريباً، شارك في مقابلة مع برنامج “فرونت لاين” على قناة بي بي إس، وظهر أمام الكاميرا مرتدياً قميصاً وسترة. وأكد في ذلك الوقت أنه من الظلم تصنيفه كإرهابي، وأنه يدين قتل الأبرياء، مؤكداً أن جماعته لم تعرض الغرب للخطر قط.
وصف أولئك الذين التقوا بأبي محمد الجولاني في ذلك الوقت شخصيته المثيرة للجدل بأنها طموحة وصارمة، ولكنها ديناميكية وعملية. وتمكن من إقامة علاقات وثيقة مع مجموعة واسعة من البيئات المحافظة في محافظة إدلب، وكذلك مع شخصيات وفصائل مختلفة في المحافظة وخارجها.
كما حافظ الجولاني على علاقات إيجابية مع المنظمات الإسلامية التي تقودها حركة أحرار الشام، مشيراً إلى أعضائها بـ “أخوه في الفكرة”.

نشاط جبهة النصرة في جنوب سوريا

احتلّت المنطقة الجنوبية السورية مكانة مركزية في سياق الحرب الأهلية بسبب أهميتها الاستراتيجية.

أنشأ جيش الفتح (جيش التحرير) غرفة عمليات في عام 2015، لتكون بمثابة مقر تنسيق للمنظمات الجهادية السنية.
بادرت جبهة النصرة، بقيادة أبو محمد الجولاني، إلى إنشاء هذا المقر، وانضمت إليها لاحقًا منظمات مثل فيلق الشام (كتيبة الشام) وأحرار الشام (حرية الشام) ومجموعات جهادية صغيرة أخرى.
حافظت جبهة النصرة على حضور قوي ومؤثر بشكل ملحوظ في محافظة درعا، حيث امتدت عملياتها لاحقًا إلى محافظة القنيطرة ومنطقة الغوطة.

في ذروتها (جبهة النصرة) كان التنظيم يضم حوالي 2400 مقاتل؛ لكن بعد المواجهات العنيفة مع النظام السوري وأنصاره، لم يبق سوى نحو 700 ناشط، معظمهم من درعا.
في صيف عام 2016، انتقل معظم عناصر جبهة النصرة من محافظة درعا إلى شمال غرب سوريا إلى إدلب كجزء من اتفاق سري مع النظام السوري.

وبعد الانتقال، اختارت مجموعة صغيرة من عناصر جبهة النصرة البقاء في مجتمعاتهم في جنوب سوريا.

من حكومة إنقاذ جيب إدلب إلى حكومة الإنقاذ السورية بعد سقوط الأسد

في نوفمبر 2017، أنشأت هيئة تحرير الشام “حكومة الإنقاذ” في إدلب. وبالتزامن مع بناء قوتها العسكرية، أدارت المنظمة نوعًا من الدولة بكل ما في الكلمة من معنى في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتتعامل مع التعليم والصحة والأمن الداخلي والخدمات العامة.
مع بدء الهجوم الكبير ضد النظام السوري في 27 نوفمبر 2024، ودخول الثوار إلى مدينة حلب، ظهر الجولاني في مقطع فيديو يوزع فيه الأوامر عبر الهاتف، ويذكر المقاتلين بالتعليمات لحماية الناس وتجنب دخول المنازل، وينقل رسائل طمأنة للأقليات في سوريا التي تخشى الجماعات المسلحة.
وفي تصريح آخر، دعا الجولاني أيضاً الطائفة العلوية (طائفة عائلة الأسد) في سوريا إلى النأي بنفسها عن الحكومة وأن تكون جزءاً من “سوريا المستقبل” التي “لا تعترف بالطائفية”.
وفي رسالة إلى المسيحيين بعد الاستيلاء على حلب، قال الجولاني إنهم “في أمان وممتلكاتهم مصانة”، وحثهم على البقاء في منازلهم، رافضاً “الحرب النفسية” والترهيب الذي يشنه النظام السوري.
وتجدر الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام، على النقيض من نهجها السابق، اعتمدت شعارات المعارضة المدنية السورية، سواء من خلال اعتماد علم الاستقلال السوري علماً لها أو من خلال استخدام الرموز على زي أعضائها.
وفي الأيام الأخيرة، بدأ الجولاني في نشر بيانات موقعة باسمه الحقيقي أحمد الشرع، في إطار محاولاته لإظهار أنه “جرد” من شخصيته السابقة كزعيم لمنظمة مسلحة وبدأ يميل أكثر فأكثر نحو “مشروع وطني سوري”.
وفي مقابلة أجراها الجولاني مع شبكة “سي إن إن” في مكان غير معلوم في سوريا في السابع من ديسمبر 2007، تحدث الجولاني عن خطط لإنشاء حكومة مؤسساتية و “مجلس ينتخبه الشعب”.

وخلال المقابلة، سعى الجولاني إلى طمأنة الأقليات والطوائف غير المسلمة في سوريا، مؤكداً أنهم سيعيشون بسلام وأمان تحت حكم فصائل المعارضة، قائلاً: “لا يحق لأحد أن يمحو طائفة أو ديناً آخر، لأن هذه الطوائف الدينية تعايشت في المنطقة منذ مئات السنين، ولا يحق لأحد أن يقضي عليها”.
وأكد الجولاني أن سوريا تستحق نظام حكم يقوم على المؤسسات وليس على الحكم الفردي، في إشارة إلى الأسد، مضيفاً: “نحن نتحدث عن مشروع أكبر، نتحدث عن بناء سوريا”.
لكن هناك من يشكك في هذه النوايا والتصريحات، ويرى المشككون أن المرونة والتطلع إلى التغيير ما هي إلا حيلة يسعى الجولاني من خلالها إلى تقديم نفسه وتنظيمه كحزب مقبول لدى المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، ومن ناحية أخرى إلى كسب ود وثقة المجتمع السوري المتنوع على تنوعه الديني والعرقي والإثني.
الزمن كفيل بإثبات ذلك…

……………………………………………………………………………………

المصدر :

Who are you? “Abu Muhammad Al-Julani” the Jihadist or the Moderate Ahmed Hussein Al-Shara?

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى