أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٧)

بيان

إذا نظرت إلى الجانب المشرق من الجدال فإنه يبدو تدريبًا رائعًا لرئتي الشخص! بينما الجانب السلبي، قد يكون مزعجًا ومنهكًا لك كوالد.

عندما يجادل الناس يتركّز حديثهم حول اتجاهين متناقضين “أنت دائمًا تفعل أو تقول كذا وكذا” أو “أنت لا تفعل ولا تقول كذا وكذا أبدًا” وهذا ما “يُعِدّ” – التنافسية – ذهابًا وإيابًا.
ولقد استخدمت كلمة “يُعِدّ” لأنها ما أقصده بالضبط، فالكثير من الجدالات مع المراهقين مُعدَّة، وابنتك العزيزة تتلاعب بك ببساطة، وهي بارعة في ذلك.

ما الذي تقوله ابنتكِ المراهقة فعليًّا عندما تجادل؟ “لا يعجبني ما حدث وأريد أن أتشاجر لأنني أشعر بذلك” فالجدال يحتاج اثنان – لذا إذا أبعدتِ أشرعتكِ عن رياح ابنتكِ، وخرجتِ بأمان إلى الغرفة الأخرى، أو أبقيتِ فمكِ مغلقًا – لن يستمر الجدال، وهذا إن لم تكوني أنتِ كأم (كأب) تأججين النيران!

وكما قالت “دارلين” ذات الإحدى عشر عامًا لصديقتها “أنا لا أتجادل مع أمي، فهذا الأمر لا ينجح”،، لقد فهمت الأمر.

عندما يبدأ الأولاد في جدالهم، يكون أمامك خياران: إما أن تردّ عليهم بطريقة قتالية، أو تعمل على تهدئة الموقف؟

ماذا لو عوضًا عن قولكِ: “لقد سئمت من جدالك، توقفي الآن أيتها الشابة”، أن تقولين: “واو، إنها وجهة نظر مثيرة للاهتمام، أخبريني المزيد عنها”، ومن ثم تحققي من تلك النظرة المعبرة العميقة في عيني ابنتكِ، لأنها تعكس تمامًا ما سترينه، لقد أوقفتِها في مساراتها؛ أوقفتِ الجدال، وعادت النقطة هنا مرة أخرى إلى السلوك الهادف – إذا لم ينجح سلوكها بتحقيق النتائج التي تريدها بالقتال التدريجي للخروج من حافة يومها السييء في المدرسة،، عندئذِِ لن تستمر في استخدامه.

ولكن بالنسبة للأولاد المتجاوبين الذين يقولون ببساطة “قد تكون محقَّا، ولما لا أفكر في الأمر؟” والذي تلقى دعوتك بالقول “أخبرني المزيد عن الأمر” استجابة واضحة منهم، من ثم تتحقق المعجزات في علاقتك بهم.

فإذا كان ابنك أو ابنتك غاضبًا وينفس عما في داخله يمكنك أن تقول :” أراهن على أنّ هناك طنًّا من الأسباب التي تزعجك”، ثم اجلس واستمع له، دعه ينفّس قليلاً، طالما أنه/ أنها لا يهاجمك بطريقة شخصية، ولكن حافظ على الموضوع ضمن نطاق السيطرة.

الطريقة الأخرى لكبح الجدال هي الحفاظ على الصمت والانتظار، وعاجلًا أو آجلاَ سيأتي إليكِ ابنك أو ابنتك ليسألك عما يحدث؟.

فتجيبين أنتِ:” سأخبرك ما الذي يحدث.. أمك ليست سعيدة”، ثم تخرجين من الغرفة، والاحتمال هنا أن يلاحقكِ الفتى ويسألكِ والاضطراب ظاهر على وجهه “لماذا؟” وعند هذه المرحلة سيكون أمامكِ الفرصة لتعلميه: ” لأنني لست معجبة بالطريقة التي خاطبتني بها من قبل. فقد كان اسلوبك غير محترم ووقحًا”.

وإليكِ هنا الجزء الصارم أيتها الأم. عندما تغيرّ ابنتكِ وجهها وتعكس ذلك الوجه الطفولي وتقول: “أنا آسفة يا أمي”. تقبلي اعتذارها – ولكن لا تتراجعي تحت أيّة ظروف، عندما تقول ابنتكِ المراهقة “إذًا يمكنني الخروج مع صديقاتي الآن؟” تجيبينها: “سنجتاز هذه الليلة أولًا” – بكلمات أخرى – لا تدعي ابنتكِ تعتقد بأنّ ذلك الاعتذار البسيط سيصلح جميع الأمور ويعيد الحياة إلى شكلها الطبيعي، فلا تزال هناك عواقب لأفعالها، وهذا يعني أنه لا يمكنها الخروج مع أصدقائها هذه الليلة،، إذا تمسكتِ بأسلحتكِ الآن، على الأرجح لن تحاول استخدام ذات التكتيكات مرة أخرى، لأنها لا تنجح.

لذلك لا تغيري موقفكِ وتمسكي بكلمة “لا” عند قولها، وحافظي على كلمة “نعم” عندما تقولينها. فعندما تراوغين بالكلام، تدفعينها بذلك للجدال، فهي تعلم أنها إذا تجادلت معكِ لمدة طويلة، ستغيّرين رأيك.. ببساطة: تتوقف الجدالات عندما لا تتجاوب بالجدال.

انتهى الاقتباس

من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” لعالم النفس الشهير د. (كيفن ليمان).

والمستفاد عزيزي القاريء أنه يجب تحويل الأرض الجدالية القاسية المتعرجة التي لا تصلح للسير المأمون مع أبنائنا، إلى أرض مستوية ومريحة للنفس، أجوائها تبشر بنهاية هادفة للطرفين، بالتحاور والتشاور المرن، والحاسم في نفس الوقت، وترسيخ قاعدة أراها من أهم أدبيات وطقوس الجدال الراقية، وهي: “إذا تجادلت في رأي – فلتجعل إحدى أذنيك تنصت للطرف الآخر، والأخرى تكون عقلك الثاني، لإتقان التدبر”، كما أنه على الوالدين وضع حجر الأساس لهذا المبدأ منذ نعومة أظافر صغارهم، ليكون هو نقطة الوصل بين الجميع في حالة وجود رأي جدلي من جهة، ومن جهة أخرى أن يعرفوا بأن الجدال في حد ذاته ما هو إلا اختلاف في الرأي، لا يفسد للود قضية، ولن يفرض أمرًا واقعًا في يوم من الأيام على الآباء والأمهات.

كذلك فإن الجدال الأسري يجب أن ينعطف للسير في اتجاهين صحيين للنقاش، الأول هو فهم توجهات الأبناء وطموحاتهم المشروعة، وأيضًا المشوشة لضبط إيقاعها، والوجه الآخر هو – تدريبهم على الصبر – لأن جدالهم غالبًا ما يدور حول احتياجات يومية وميول فطرية بحكم مراحلهم السنية المختلفة، وبصفة خاصة مرحلة المراهقة. بعض من تلك الاحتياجات قد تكون غير قابلة للتنفيذ من الأساس، أو مؤجلة  لارتباطها بضغوط مادية مرهقة للأسرة، لذا يفرض الجدال نفسه بين الطرفين لشرح كل طرف وجهة نظره.. ولتحقيق المعادلة الصعبة بتقبل أبنائنا لظروفنا المحيطة، وصبرهم عليها، من الضروري إشراكهم في الرأي باستمرار، وإطلاعهم على ما حققناه وما أخفقنا في تحقيقه، لقدر يعلمه الله وحده، بعد سعي دؤوب أمامهم دون تأخير أو تكاسل، لأننا بالنسبة لهم قدوتهم ومثلهم الأعلى.

وللحيلولة دون تحول الجدال لاستراتيجية تنافسية وندية بغيضة وباطلة، لا تصح بيننا وبين أبنائنا، يجب تحذيرهم من استخدام الوجه القبيح للجدال كإسلوب إقناعي أو نفعي عقيم، وتذكيرهم بأن الله سبحانه وتعالى حرمه في أحد أركان الإسلام الخمس، حيث قال جل شأنه بسورة البقرة، بسم الله الرحمن الرحيم  ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ صدق الله العظيم، والمقصود ضمن حكمة نهي الحجاج عن الجدال أثناء آداء المناسك، هو الإشارة إلى أنه عادة مذمومة وغير مستحبة في العموم، إذا بلغت ذروتها بين المتجادلين نفث الشيطان سمومه بينهم، فجلب لهم الطمع والبغض والهجر.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى