عاطف عبد الغنى يكتب: الدولة بين الديكتاتورية والرخاوة.. الحالة السورية (2 من 2)
بيان
الديكتاتورية هي نظام حكم يتسم بتركُّيز السلطة في يد فرد واحد ( الديكتاتور ) أو مجموعة صغيرة من الأشخاص، دون قيود قانونية أو مؤسساتية فعّالة تمنع إساءة استخدام السلطة، وفي النظم الديكتاتورية، تغيب و (تُغيب) عن عمد الإرادة الشعبية، ويتم قمع الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير ، الصحافة ، التجمع، المعارضة السياسية، إلي آخره.
وفي المقابل تُوصف الدولة بالرخاوة عندما تفتقد القدرة علي فرض سلطتها بفعالية علي أراضيها أو تعجز عن ممارسة وظائفها الأساسية بشكل كافٍ، ما يؤدي إلي ضعف مؤسساتها وغياب سيطرتها علي النظام العام.
وهناك عدة مظاهر لرخاوة الدول، منها: ضعف مؤسساتها، انتشار الفساد، ضعف السيطرة علي أراضيها، وعدم القدرة علي فرض سلطتها في مناطق معينة، وانعدام سيادة القانون أو تهاون السلطات في تطبيقه، وانتشار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وتحقق بعض ما سبق أو كله، لابد أن يؤدي إلي زيادة الضغط علي النظام السياسي الحاكم فيلجأ – غالبا إلي قمع شعبه خشية فقد سيطرته عليه.
ولأنه بالأساس نظام ضعيف فغالبا ما يلجأ في ذات الوقت إلي الاستعانة بقوي خارجية تقويه علي شعبه، وهنا تتعقد الأمور أكثر، وقد تدخل الدولة في حرب أهلية، تفقد فيها سلطتها المركزية، فتتحول إلي دولة فاشلة وهي حال أسوأ من حال الرخاوة.
وتقريبا هذا بالضبط ما حدث في سوريا فترة حكم نظام حافظ الأسد ووريثه (ابنه) بشار ، خلال حقبة امتدت من عام 1971 حتي العام 2024، وكانت تلك الحقبة قد بدأت بانقلاب عسكري تزعمه حافظ الأسد، وكان آنذك يشغل منصب الأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث السوري، ورحب الشعب السوري بهذه الخطوة أملًا في تصحيح الأوضاع في البلاد، وإنهاء حقبة الانقلابات والصراعات الداخلية فيها.
وانتخب الشعب الأسد الأب رئيسا للجمهورية، وشأن أي حكم يأتي بعد اضطرابات، سعي النظام الحاكم إلي تعزيز سلطة الدولة وترسيخ نفوذها، وهنا لابد أن نؤكد أنه شتان ما بين تعزيز قوة الدولة من خلال دعم وتقوية سلطاتها الدستورية ومؤسساتها، والانزلاق إلي الديكتاتورية، عبر إضعاف السلطات الدستورية لحساب حكم الفرد الديكتاتور، خاصة في البلاد التي تفتقر إلي الرشادة، وتعاني من الانقلابات والخيانات، وهي مظاهر كانت سائدة بشدة في دول الشام خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
ومن هنا سعي نظام الأسد منذ البداية إلي تركُّيز السلطة في يد الأسد ومجموعة الأفراد الذين يتصفون بالولاء، وغالبهم من حزب البعث وعائلة الحاكم، وفى ذات الوقت تم تغييب القيود القانونية والمؤسساتية الفعّالة التي يمكن أن تمنع إساءة استخدام السلطة، وقمع الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير، الصحافة، التجمع، المعارضة السياسية.
وفي مثالنا السوري غابت الإرادة الشعبية، وتعمقت هيمنة الطائفة العلوية التي ينتمي لها آل الأسد، مع انتشار أفرادها في أروقة الحكم واحتكار المناصب القيادية، ما أثار مزيدا من الاستياء بين الطوائف الأخري في المجتمع السوري، خاصة الأغلبية السُنّية، التي شعرت بالتهميش في المجال السياسي والاقتصادي.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تعمقت الطائفية، وبرزت أكثر وضوحا – بفعل فاعل – وانقسم السوريون علي أساس المواقف السياسية لكل طائفة، مع زيادة العمل بنظرية أعداء الخارج “فرق تسد”، حيث استغلت بعض القوي الإقليمية والدولية المعادية نقطة الضعف هذه، وسعت إلي تأجيج أكثر للطائفية (الدينية والعرقية)، واستخدمت الجماعات المتشددة كأداة لتجنيد الأفراد وتعزيز نفوذها، خصما من قوة ونفوذ الدولة السورية.
ونجح الأعداء وبعض الطوائف، في تقطيع أطراف الدولة السورية واحتلال أراضيها وإجبارها علي التخلي عن سلطتها عليها.
ومع لجؤ نظام بشار الأسد إلي طلب مزيد من الدعم والمساندة، من قوي الخارج، كان لابد أن تدفع سوريا الثمن، خصما من رصيد سلطة الدولة ومقدراتها.
وهذا ما كان وما أدي في النهاية إلي انهيار النظام، وسقوط الأسد الابن، الذي انتزعت أنيابه بفعل المولاة قبل المعارضين، وتفرق دم نظامه بين اللاعبين، ومنح أكبر أعداء سوريا والعرب فرصة ما كانوا يحلمون بها لتحطيم قوة دولة عربية أخري تنضم لسابقاتها.