محمد أنور يكتب: المسيح وامه السيدة مريم.. سلام الله عليهما
بيان
بسم الله الرحمن الرحيم “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا[سورة مريم:16-21].
طهر الله تعالى السيدة مريم واصطفاها على نساء العالمين، فلقد نشأت في بيت دين وتقى، لأب عالم شيخ من كبار بنى إسرائيل، ولما حملت بها أمها نذرت لله أن تهب ما في بطنها لخدمة الهيكل.
مات أباها عمران وهى صغيرة، فأختلف القوم فيمن يكفلها، والقوا على ذلك أقلامهم فكلفلها زكريا زوج خالتها، وامضت مريم صباها في المحراب عابدة خادمة، وفاء بنذر أمها، حتى إذا اختارها الله تعالى من دون النساء جميعا ليودعها سره الأكبر، بعث إليها في خلوتها من يبشرها”إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)”.
فما كادت تسمع البشرى حتى أخذ الروع منها أعنف ما أخذ، ثم رفعت وجهها إلى السماء ضارعت”قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)”
“قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)”
استسلمت لأمر الله المقضى، حتى أحست الجنين يتقلب في احشائها، وياله من إحساس تعانيه عذراء طاهرة نقية السمعة!
فانتبذت بحملها مكانا قصيا، واقامت في واد للرعاة هجره رعاته بمواشيهم التماسا للكلأ، فلما جاءها المخاض اتكأت إلى جذع نخلة هناك، ووضعت وليدها في مذور للماشية، “فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)”
ثم كان من الأمر مالابد أن يكون”﴿ فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا ﴾ [ مريم: 27] لم يشفع لها ما عرف القوم من عفتها وطهرها، ولا أنقذها من لعنتهم ما بدا من ولدها في المهد آيات اصطفاء، بل رموها بالإثم وقالوا عليها بهتانا عظيما، فتلقت اللعنة صابرة، وكابدت المحنة متجلدة صابرة لقضاء الله فيها وقدره، راضية بما هو أقسى من الموت في سبيل ولدها الموعود بالمجد العظيم، وخافت عليه قومها فهاجرت إلى مصر لكى تنجو به من الأذى.
فأقامت بمصر اثنتى عشرة سنة، تغزل الكتان، وتلتقط السنبل في أثر الحصادين، وكانت تفعل ذلك والمهد في أحد منكبيها، والوعاء الذي فيه السنبل في منكبها الآخر.
نقل الرواه ماكان من عنايتها بتعليمه، ويصفون كيف أخذته صغيرا ، وجاءت به إلى الكتاب واقعدته بين يدى المؤدب حتى أذن الله لها، فعادت به إلى أورشليم ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى عليه السلام.
سجل لها إنجيل برنابا في الفصل العاشر أنه لما بلغ يسوع ثلاثين سنة من العمر، صعد إلى جبل الزيتون مع أمه ليجنى زيتونا، وهنالك تجلت له الرؤيا وعلم أنه مرسل إلى بنى إسرائيل فكاشف مريم أمه بكل ذلك قائلا لها ” إنه يترتب عليه احتمال اضطهاد عظيم لمجد الله، وأنه – أى عيسى عليه السلام – لا يقدر فيما بعد أن يقيم معها ويؤدى ما عليه من دين لها بخدمتها.
ومن ذلك اليوم أنصرف يسوع عن أمه ليمارس وظيفته الدينية، أنصرف عنها ولكنهما خلدا معا على الايام، اية من آيات الله”وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما ، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء: وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين ، لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَما لنا وحجة ، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله ، وعلى عظيم قدرته، وتأتي” آمنة بنت وهب” في ختام هذا الموكب المهيب لأمهات الأنبياء لتكون أم اليتيم الهاشمى المبعوث رحمة للعالمين بختام رسالات الدين.