أول ظهوره كان فى “الحواديت”.. طارق صلاح الدين يروي تجربته مع عبد الناصر والناصريين

بيان

على سبيل التقديم

السطور التالية ليست فقط تحمل رؤية كاتب ومحلل وباحث، لشخصية وتاريخ وحقبة الزعيم  رئيس جمهورية مصر العربية، الأسبق، جمال عبد الناصر، ولكنها رواية قصيرة لقصة حقيقية تكشف عن تحد خاضه صاحبها طارق صلاح الدين، فى التصدى للتحريف والافتراء على سيرة الرجل عبد الناصر، وفترة حكمه بكل ما تحمله، من تفاصيل تستحق أن تروى، ونتوقف عندها لله وللوطن وللتاريخ.

الكاتب خاض التجربة ليس فقط لأجل الدفاع عن عبد الناصر، أو “ناصر” كما اشتهر فى الشرق والغرب، ولكن لأجل الدفاع عن تجربة حكم، وطنية، ثورية، تحررية، تمت محاربتها بشراسة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث للعالم، لدحرها وتعطيل عملها، ليس فقط فى الداخل المصرى، ولكن فى الوطن العربى، والأقليم (الشرق الأوسط) والقارة (أفريقيا) والعالم كله، وعزلها عن الشعوب التواقة للحرية، الساعية للبحث عن خلاصها وعن هويتها وثرواتها أمام استعمار مسعور كان هدفه الأول التخلص من المثال والرمز والمحارب، ناصر.

لا أرغب فى الإطالة، نولكن كان لابد أن نقول هذه الكلمة قبل أن نترككم لسردية طارق صلاح الدين، وتجربته الثرية، التى يرويها للقارىء فى التالى من سطور:

عاطف عبد الغنى  

طارق صلاح الدين يكتب:

الكاتب طارق صلاح الدين
الكاتب طارق صلاح الدين

تمثلت بدايتي مع اسم جمال عبد الناصر من خلال أمي – رحمها الله تعالى – التي كانت تتمتع بشخصية واعية وعقلية مثقفة. كانت تساعدني على النوم سريعًا في طفولتي من خلال حكايات ما قبل النوم، ككل الأمهات، ولكن حكايات أمي كانت مختلفة تمامًا عن حكايات باقي الأمهات.

كانت حكاياتها عن أبطال حقيقيين، وليس عن أساطير أو أبطال من صنع الخيال. تجسدت هذه الحكايات في شخصيات مثل أحمد عرابي، ومصطفى كامل (الذي كان جدي لأمي عضوًا في حزبه الوطني)، بالإضافة إلى شخصيات وطنية مثل إبراهيم الورداني، والعيسوي، وعمر شاهين، وغيرهم.

سردت لي أمي بالتفصيل قصة إبراهيم الورداني مع بطرس غالي. ولك عزيزي القارئ أن تتخيل طفلًا في المرحلة الابتدائية يتشكل وعيه على وطنية وبطولة إبراهيم الورداني. كانت قصص مصطفى كامل وكفاحه ضد الاحتلال البريطاني تحتل الجانب الأكبر من وجداني.

كانت أمي تمر سريعًا على سيرة سعد زغلول ولا تتوقف عندها طويلًا، كما بالكاد كانت تذكر مصطفى النحاس. أما البطل الشعبي الرئيس الذي احتل المساحة العظمى من حواديت أمي، فقد كان جمال عبد الناصر.

كانت أمي تسرد لي قصة “جمال عبد الناصر ومصر” بسلاسة، وكأنها قصة الشاطر حسن وست الحسن. وركزت على نقطة غاية في الأهمية: أن عبد الناصر غيّر مسار أسر عديدة من الشعب المصري إلى الأفضل، وأتاح للفقراء دخول الجامعة، مما غيّر وجه الشعب المصري تمامًا، وخلق طبقة مثقفة متوسطة.

احتلت إنجازات عبد الناصر، مثل طرد الإنجليز من مصر، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، الجزء الأكبر من حكايات أمي. وشغلت جماعة الإخوان المسلمين مساحة لا بأس بها من هذه الحكايات، حيث حرصت أمي بشدة على توضيح حقيقتهم لي، وأنهم سيحاولون اقتحام حياتي في مراحل مختلفة، وأن عليّ الانتباه لذلك.

حكت لي بإيجاز عن حسن البنا وسيد قطب، وكان خيالي الصغير يقع في الحيرة حين أقارن حديث أمي عن الإخوان المسلمين وحرصها الشديد على أداء الصلاة في أوقاتها. تعلمت في هذه السن المبكرة الفصل بين العبادة والسياسة، وأن الإخوان تجار سياسة لا أكثر.

كان حديث أمي عن جمال عبد الناصر كفيلًا بغرس حب القراءة عنه ومعرفة كل ما يتعلق به. في المرحلة الإعدادية، قرأت لأول مرة كتاب “فلسفة الثورة”. وبدأت أسمع قصصًا غريبة يصعب استيعابها، مثل أن عبد الناصر صهر الذهب وسلمه لقبائل اليمن. حين أخبرت أمي، ابتسمت وكذبت هذا الخبر، وأكدت أن هذه إشاعات ستسمعها كثيرًا.

في المرحلة الثانوية، قرأت مقتطفات من كتاب “خريف الغضب” لمحمد حسنين هيكل. وفي الجامعة، أمدني أحد الأصدقاء بكتاب “لعبة الأمم” لمايلز كوبلاند، ولم أقتنع بما فيه من معلومات. كما قرأت “رأس المال” لكارل ماركس، وكتب هيكل، مثل “حديث المبادرة” و*”ملفات السويس”*.

كان لكتاب “لمصر لا لعبد الناصر” دور كبير، بجانب تحذيرات أمي، في تنبيهي إلى الحملة المسعورة ضد عبد الناصر. كذلك، أثرت كتابات أحمد بهاء الدين، مثل “محاوراتي مع السادات”.

مررت أيضًا بمذكرات خالد محيي الدين بعنوان “والآن أتكلم”. وقرأت كتبًا أخرى، منها “البحث عن الذات” للسادات، ومذكرات عبد اللطيف البغدادي، وموسوعة عبد الرحمن الرافعي، وكتب عبد الرحمن الجبرتي، وكتابات الكتاب الناصريين، مثل عبد الله إمام وحسنين كروم ومحمد عودة.

خرجت من هذه التجربة بعدة استنتاجات:

  • لا يمكن التحدث عن عبد الناصر وتاريخه إلا بعد قراءات مستفيضة.
  • الحملة الظالمة ضده شاركت فيها أطراف عديدة مصرية وعربية ودولية.
  • الناصريون مثقفون وقراء متابعون لكل ما يجري حولهم.
  • أعداء عبد الناصر غالبًا لم يقرأوا مرجعًا تاريخيًا واحدًا.

قررت استكمال رحلة الدفاع عن عبد الناصر بإصدارات مدعومة بوثائق، وتشمل موسوعة من سبعة أجزاء.

بدأت مع دار “يسطرون”، وأصدرت حتى الآن خمسة أجزاء.

أستعد حاليًا لكتابة الجزئين السادس والسابع، وأتمنى أن تكون الموسوعة أول عمل شامل يناقش ويفند كل الاتهامات الكاذبة الموجهة لعبد الناصر وعصره.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى