“ماري”.. مسيحيو العالم يحتفلون بأعياد الميلاد والصهيونية تغتال سيرة العذراء

كتب: عاطف عبد الغنى

بينما يحتفل مسيحيو العالم بأعياد الميلاد، يغتال الفكر الصهيونى، والصهيونية العالمية سيرة سيدة نساء العالمين، السيدة مريم أم المسيح عيسى سلام الله عليهما من خلال عمل درامى أنتجته شركة «نتفليكس»، التى تحمل الجنسية الأمريكية، والتى يسيطر على أعمالها الفكر الصهيونى، وتواصل عبر أعمالها الدرامية مخططها فى تدمير الأخلاق، والعقائد الدينية السماوية، وتمرر الفكار الصهيونية بخبث ودهاء شديدين.

ويأتى عمل «نتفليكس» الدرامى الجديد، هذه المرة فى فيلم يحمل عنوان “مريم”، وتم عرضه الأول، فى 6 ديسمبر الجارى، ومنذ أن طرح أثار فيلم “مريم” الجديد من إنتاج “نتفليكس”، ليثير كثير من الجدل ليس فقط على أساس دينى، ولكن أيضا على أساس سياسى، وبداية من اختيار طاقم العمل، وعلى رأسه بطلة الفيلم، الإسرائيلية نوح كوهين، التى جسدت دور السيدة مريم (سلام الله عليها)، والممثل الذى قاسمها البطولة الإسرائيلي آيدو تاكودور الذى جسد دور يوسف النجار، خطيب السيدة العذراء، والداعم الأول لها فى رحلة الهروب من فلسطين، والنجاة بحياة المسيح طفلا من الموت على يد الحاكم الرومانى “هيرودوس”.

اختيار بطل وبطلة الفيلم إسرائيليين بالطبع لم يأت مصادفة، وفى هذا التوقيت بالذات، لكنه – على عكس المتوقع من صناّع الفيلم جاء ليزيد من حساسية استقباله، وينقص من الهدف المقصود بالسلب، بسبب الظرف الحالى الذى تمارس فيه إسرائيل أعمال البطش والعربدة بالفلسطنيين والعرب، من المسلمين والمسحيين، فى الأراضى المحتلة وغزة ولبنان وأخيرا فى سوريا، فيما أراد العمل أن يذكّر العالم المسيحى أن مريم وابنها يسوع المسيح (سلام الله عليهما) ولدا يهوديين.. وإسقاطا على الحاضر يجسدهما على الشاشة إسرائيليين.

بطل وبطلة إسرائليين

وفي ظل الجدل الدائر حول توجهات “شريط سينمائى” حرص صانعوه على التجويد والإبداع، فقد نسوا – عن عمد – فى ظل توجهاتهم تلك أن العمل يجمل اسم واحدة من أكثر نساء الأرض قداسة ألا وهى “مريم العذراء”، أم أحد أعظم الرجال فى تاريخ البشرية، النبى عيسى عليه السلام، ولا تسأل هنا عن علاقة “النص السينمائى” بالسرد التاريخي والديني لقصة مريم العذراء، هذا هلى الرغم من أن مخرج الفيلم “الكاثوليكي” دي جي كاروسو، استعان بأسقف لوس أنجلوس ديفيد جي أوكونيل كمستشار روحي للفيلم، وقيل أنه لجأ – أيضا – لاستشارة علماء دين مسلمين، ورجال دين يهود ومسيحيين.

لقطة للممثلة التى قامت بدور مريم العذراء والممثل الذى قام بدور يوسف النجار
لقطة للممثلة التى قامت بدور مريم العذراء والممثل الذى قام بدور يوسف النجار

جدل سياسى

وقبل أن نخوض فى الجدل “الدينى” الذى أثاره العمل، نشير إلى بعض التصريحات الإعلامية التى صدرت عن مخرج الفيلم كاروسو، قال فيها إنه “بعد انتهاء التصوير في المغرب، وجد نفسه بشكل غير متوقع محاصرًا في سيل من الانتقادات (وصفها بـ السامة) عبر الإنترنت حول اختياره لبطلة وبطل الفيلم، تاكو وكوهين كونهما إسرائيليين”، وذلك حسب كلامه لموقع “OSV News”.

وأضاف كارسو: “كان الموضوع الرئيسي للانتقادات – على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تتفاقم الكراهية في جميع أنحاء العالم – هو الاتهام بأن يوسف النجار، وخطيبته مريم فلسطينيين في الواقع”.
ويحاول المخرج أن يدفع عن نفسه هذه التهمة، وفى ذات الوقت يؤكد انتماءه للمعسكر العنصرى فيقول: “هذه كذبة سخيفة، يمكن أن تُعزى قوتها إلى قرون من معاداة السامية”، لكنه يعود ليمسك العصا من المنتصف فيقول: “ومع ذلك، فقد أعطيت للواقع حياة جديدة بسبب الألم الناتج عن حرب إسرائيل في غزة”.

ويحاول المخرج الكاثوليكى تأصيل كلامه على أساس دينى عقائدى فيقول: “ومع ذلك، يمكن دحض هذه الفكرة بسهولة، فهناك اثنين من الأناجيل ترجع نسب يسوع إلى إبراهيم، من خلال إسحق ويعقوب، في حين يضيف إنجيل لوقا أن يوسف كان من بيت داود”، مضيفا: “علاوة على ذلك، أن والدي يسوع، كانا يذهبان إلى القدس للاحتفال بعيد الفصح، كل عام كما يخبرنا الإنجيلين”.. “لا توجد وثيقة قديمة موثوقة تشير إلى أن يوسف ومريم لم يكونا يهوديين”.

لكن المخرج المهتز يعود أدراجه ويقول: “لا يمكنك التحكم في ما يعتقده الآخرون أو يؤمنون به”، ويدافع عن اختياره إسرائيلية لتجسد دور مريم، ولم يختار مسيحية، فيقول إن قصده كان الأصالة، ويشرح ما سبق بمعنى أخر فيقول إنه اختار نوا كوهين، وهى عارضة أزياء سابقة تبلغ من العمر 22 عامًا، لأن هدفه كان تقديم أصالة ثقافية ودينية للقصة، وأن اختياره لكوهين، ما كان إلا ليعكس صلة جغرافية وثقافية بالمكان الذي وقعت فيه الأحداث الأصلية.

ويعود مارسو المهتز فيقول إنه لا يمكنه التحكم في الطريقة التي يتلقى بها الجمهور الفيلم أو يفسره.

تغريدة

وعلى منصة “أكس” نشر أحد رواد التواصل تغريدة بدأها بالسؤال: “هل سمعت عن فيلم مريم الجديد من Netflix؟”، وأجاب المغرد عن سؤاله بالتالى: “إنه فيلم جريء عن قصة مريم أم يسوع، لكنه بعيد كل البعد عما كنت أتوقعه ولنكن صادقين، الحريات الإبداعية التي تبتعد كثيرًا عن السرد الكتابي”.
وواصل: “على سبيل المثال في الكتاب المقدس، أُخبر كل من مريم ويوسف بشكل مستقل أن اسمه سيكون يسوع (متى 1: 31 ولوقا 1: 21).

ولا تكمن المشكلة في أنه تم إخبار ماري في الفيلم ولكن لم يتم إخبار يوسف، وأن هذا جزء من موضوع ثابت في الفيلم عن الرجال الذين يفقدون فاعليتهم ومثال على أحد الأشياء القليلة التي نعرف أنها صحيحة وهي خاطئة أيضًا الفيلم”.

.. وجدل دينى

الرأى السابق ينقلنا مباشرة إلى الجدل الدينى الذى أثاره الشريط السينمائى، بداية من الاعتماد على مصادر غير تقليدية، حيث اعتمد الفيلم بالأساس على نص إنجيل يعقوب الأولي، وهو نص يعود إلى القرن الثاني الميلادى، لكنه غير معترف به كواحد من الأسفار القانونية (المعترف بها من الكنيسة)، وعلى الرغم من عدم اعتراف الكنيسة به كنص موحى، فإن إنجيل يعقوب الأولي يركز على مريم وغني بالتفاصيل، وذلك حسب مراجعة نقدية عن الفيلم منشورة فى صحيفة “كاثوليك ستاندرد للكاتبة كيرت جنسين KURT JENSEN.
وتقول الكاتبة إن “نص إنجيل يعقوب الأولي، يتعامل مع حياة العذراء حتى قبل الحمل بها – والتي يصفها “إنجيل يعقوب” بأنها معجزة – ويقدم لقرائه والديها المسنين، القديس يواكيم (حسب الكتاب المقدس وعمران الثانى حسب العقيدة الإسلامية، ويجسده فى الفيلم أوري فيفر) وامها القديسة حنة (وتجسدها هيلا فيدور) اللذين كرسا ابنتهما لله، وكطفلة (جسدتها ميلا هاريس)، غادرت المنزل لتعيش في الهيكل في القدس.

ومع نمو مريم ( جسدتها فى شبابها الممثلة نوح كوهين)، يزداد تفانيها لله بشكل مطرد وينضج كبير.

 مارى فى الفيلم
مارى فى الفيلم

وتستطرد كاتبة المقال متهمة مخرج الفيلم ومؤلفه فتقول: “ومع ذلك، فقد منحا كاروسو وهايز (المخرج والمنتج الفنى) نفسيهما حرية تغيير هذه المادة المصدرية (تقصد نص إنجيل يعقوب الأولي).

وفى الإنجيل المشار إليه أن ملاكا (لم يسمه الإنجيل) يخبر أم مريم (حنة)، أن دعائها إلى الله لتصبح أماً قد استُجيب، أما فى الفيلم فيتم تحديد هذا الملاك على أنه رئيس الملائكة جبرائيل الذى جسد دوره الممثل دودلي أوشونيسي.

ويصبح حضور الملاك جبرائيل مستمرًا في حياة مريم – وطول الفيلم – وبالتالى يظهر فى مشاهد كثيرة قبل وبعد البشارة، وفي مرحلة ما يواجه جبرائيل، الشيطان (جسده إيمون فارين) بشكل مباشر ليسبغ حمايته على مريم.

والملاك جبرائيل – الذي يتم رسم صورته عادةً كشخص مجنح فى ملابس بيضاء – يظهر في الفيلم، في ثوب أزرق، بدون أجنحة، حسب تصورات مخرج الفيلم كارسو الذى قال فى تصريحاته لـ “OSV News” إن تغيير الملابس كان فكرته، ودافع عنها بالقول: “إن بعض اللوحات الرمزية الشهيرة التي تم رسمها عبر التاريخ صورت جبرائيل باللون الأزرق”.

وأضاف: “شعرت أن جبرائيل سيظهر بصريًا باللون الأزرق – على النقيض من بعض الفوضى المحيطة بالعذراء مريم.”

ودافع كارسو أيضا عن مشهد دخول الملاك ميخائيل فى معركة مع الشيطان بالقول: “تم رسم رئيس الملائكة ميخائيل يهزم الشيطان” في عام 1635 بواسطة جويدو ريني، وقد استلهمت هذه الصورة”.

وفى مشاهد إبداعية أخرى نرى القديسة مريم في شبابها منجذبة إلى الفراشات ومحاطة بها، ويرمى مخرج الفيلم ومؤلفه من وراء هذه المشاهد إلى أن الفراشات تمثل الحياة الجديدة التي منحتها المعمودية لـ “مريم”.

وحسب ما ورد فى إنجيل يعقوب الأولي، فأن القديس يوسف النجار كان أكبر عمرا بكثير من خطيبته “مريم”، لكن صناّع العمل الدرامى قرروا أن يكونا (فى الفيلم) في العشرين تقريبا من عمريهما، عندما التقيا لأول مرة – في لقاء رتّبه رئيس الملائكة “جبرائيل”.

رأى إنجيلي بروتستانتي

وإذا كانت الملاحظات السابقة قد أقلقت بعض النقاد على أساس دينى، فأن الملاحظات التالية ناتجة عن انزعاج رجل دين  إنجيلي بروتستانتي رأى أن الفيلم كعمل درامى، قد انحرف كثيرا عن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
وفى هذا الصدد يقول لورين مور وهو دارس متخصص فى المريمية، “ماريولوجي” إنه على الرغم من أن الفيلم صادر عن أسقف وأخرجه كاثوليكي، إلا أن هناك جوانب عديدة في هذا الفيلم من المرجح أن تزعج الروم الكاثوليك.

ويضيف مور فى مقال منشور على موقع “Reformanda Initiative”: “بصفتي بروتستانتيًا إنجيليًا، فإنني مندهش أكثر من انزعاجي من هذه الجوانب، نظرًا لأن الفيلم تمت صناعته إلى حد كبير من قبل الكاثوليك ولصالحهم.

ويواصل الكاتب مقدما تأصيله للأحداث، فى رأى مبنى على التعاليم والتقاليد المسيحية الأصولية فيقول:

1- تعلمنا عقيدة عذرية مريم الدائمة، وأن مريم ظلت عذراء قبل وأثناء عام الحمل، وبعد ولادة يسوع، وبالتالي، كان يوسف كذلك (عذرى)، لكن تشير المشاهد الرومانسية بينهما في الفيلم إلى أن زواجهما كان أكثر من مجرد زواج أفلاطوني.

إن مشهد ولادة يسوع يشكل مشكلة للكاثوليك أيضًا، بنفس الطريقة التي فعلتها حلقة عيد الميلاد في فيلم “The Chosen”، من خلال تصوير مريم وهى في آلام الولادة.

إن الألم في الولادة هو نتيجة للخطيئة الأصلية (سفر التكوين 3: 16) وتعلن عقيدة “الحمل بلا دنس لمريم” أن مريم ولدت بدون وصمة الخطيئة الأصلية.

2. بدون الخطيئة الأصلية، يجب أن تفلت من عواقبها (كل من الموت والألم في الولادة)، ومع ذلك، يصور فيلم مريم مشهد مخاض وولادة طبيعية ومؤلمة، وبهذا المعنى، في حين لا يرفض الفيلم تمامًا عقائد العذرية الدائمة والحمل بلا دنس، فإنه لا يلتزم بدقة بهذه التعاليم الكاثوليكية الواردة فى (تكوين 3: 16 )، ولا عقيدة الحمل بلا دنس لمريم تعلن أن مريم ولدت بلا وصمة الخطيئة الأصلية.

3. وعلى الرغم من أنه يتبع إلى حد ما إنجيل يعقوب الأولي، إلا أنه يلتقط أيضًا عناصر تاريخية، مثل جنون العظمة لدى الملك هيرودس، وبمقتضى الإبداع الدرامى يشير الفيلم إلى أن الأخير رأى مريم (في الهيكل الذي بناه) فوقع فى غرامها وأصابه هوسًا جنونيًا بها،  وما سبق يصلح لقصص أفلام الإثارة الحديثة.

فتاة صغيرة بريئة “مريم” وطفلها يهربان من قبضة ملك عنيف ومهووس، دراما مثل جميع أفلام الإثارة، ويجب أن يكون هناك مشاهد على مستوى من البطولة.

ويضيف لورين مور: “كان بعض المتشككين عبر الإنترنت لديهم قلق من أن الفيلم سيتخذ نغمة “سيدة الفتيات” النسوية، ويصور مريم المحاربة التي تقهر مضطهدها الأجنبي بقوة المرأة الصرفة، وبينما كانت هناك تلميحات إلى هذا، إلا أنها لم تكن الرسالة المركزية للفيلم”.

الأسئلة الكاشفة

والآن نسأل مع اللاهوتى البروتستانتى، ما هى الرسائل التى أراد الفيلم توصيلها للجمهور إسقاطا على قصة القديسة “مريم العذراء”؟!.. الإجابة فى التالى:

بؤكد رجل الدين الإنجيلي البروتستانتي إن الفيلم علماني للغاية، أو كما يقول : “هنا تكمن خدعة الفيلم: فهو علماني إلى حد كبير، فقد اتبع بعضًا من سرد التقاليد الكاثوليكية، في حين لم يعلن رسالة كاثوليكية بالكامل، وكان به تلميحات إلى النسوية، في حين لم يدفع بأجندة نسوية بالكامل، وكان به قليل من رسالة “ثق بنفسك”، لكنه لم يذهب إلى أبعد من ذلك، وكان به كل مقومات الدراما الملحمية، مزيج من لعبة العروش وحكاية الخادمة، مع الحفاظ على نغمة البراءة والجمال.

ويقول – أيضا – رجل الدين لورين مور : “كان الفيلم حريصًا على عدم التدين بشكل مفرط، باستخدام “الله” العام إلى حد ما بدلاً من الإشارة إلى مصطلحات مثل الروح القدس، أو أدوناي اليهودي، ويحاول اللعب بأمان، ربما لكسب جمهور أوسع وإيرادات أكبر”.

رجال لاهوت كاثوليك ينصحون: لاتشاهدوا الفيلم
رجال لاهوت كاثوليك ينصحون: لاتشاهدوا الفيلم

.. والرسالة الأخيرة

ومن جانبنا نحن نقول إن الشركة المنتجة للفيلم لديها ما تريد أن تمرره من أفكار وتوجهات فى كل أعمالها الدراميه، وليس هذا الفيلم فقط، وتتماهى هذه التوجهات مع أفكار وعقائد الصهيونية العالمية، وما تسمى الـ “نيو ليبرالية” أو الليبرالية الجديدة، من أفكار مثل النسوية، والجندرية، اللتان تقودان إلى المثلية والمثليين، وعلى مستوى السياسة، إعلاء العنصرية “السامية” المتمثلة فى عقيدة شعب الله المختار، الشعب النقى عرقيا، أكبر أكذوبة عرفتها البشرية على مر التاريخ.

طالع المزيد:

د. ناجح إبراهيم يكتب: شيخ الأزهر والإفلاس العلماني

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى