أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٨)

بيان
ثق بي، عندما ترى الأولاد راغبين في إغضاب غيرهم، لابد وأنّ هناك سببًا وراء ذلك، فكل شخص يطوِّر “فكرة عن الحياة” بوقت مبكّر من حياته، وهناك مراهقون شعارهم الرئيسي “أنا ضحية.. والحياة ظالمة معي باستمرار، أنا مظلوم دائمًا”، وهم يشعرون بالإهانة والإهمال سواء بسبب أخطاء حقيقية أو مُتصوّرة.

إذا كان ابنك المراهق مُستغلًّا، ستجده يحمل الكثير من الإساءة والتشوّه على كتفيه، ويتصرف من منطلق أغنية قديمة تقول “أنت دائمًا تجرح الشخص الذي تحبه”، والنتائج النفسية تعيث فسادًا في العائلات بجميع أنحاء البلاد، فعندما يشعر ابنك أنّ الحياة ظالمة وأنه مجروح، يفكر غالبًا في (( اللاوعي )) “يحقّ لي أن أؤذي الآخرين”.

وعندما يفعل ذلك، هو يوجّه إساءاته إلى الغرباء؟، وليس هذا الأمر العادي، إذ لا يملك الحرية الكافية للوصول إليهم.. وعوضًا عن ذلك، يوجّه ضرباته لأقرب الناس إليه – عائلته.

والحقيقة التي لا تقبل الشك، أنّ هناك بعض الأولاد الذين تضرّروا من الحياة، ومجرد فرك هذا الكتاب على رؤوسهم كأنه مصباح سحري، لن يمنحهم الحلّ التلقائي بالطبع، وربما لا يكون ابنك محبوبًا كثيرًا – لكن كشخص كبير ومسؤول عنه في هذا الموقف، عليك القيام بما في وسعك لتحبّ غير المحبوب.. أو مثلما تقول أغنية قديمة ” ما يحتاجه العالم الآن هو الحب، الحبّ اللطيف”.

إعلم أنك لن تصل إلى أي مكان مع الولد المستاء الذي يرغب في إغضاب غيره عن طريق فرك أنفه، والتحدث إليه بموقف تسلطي قائلًا: “من الأفضل يا صديقي أن تتخلص من هذه الحالة التي أنت فيها” – بل عوضًا عن ذلك، يمكن أن تقول: “أنا قلق بشأنك” “تبدو مستاءًا” أو “تبدو غاضبًا”، وبهذه الطريقة يكون الحوار افتتاحًا لبدء استعادة العلاقة بينكما.

في بعض الأحيان مجرد إخباره “لو كنت مكانك، كنت سأغضب أيضًا”، سيوطد المساواة، بل ويضعك في المكان الآمن. فأنت لم تتجاوز ما وصل إليه ابنك – ولكنك تتماثل معه، علاوة على ذلك، أضف لما قلته: “استنادًا إلى ما حدث معك في السنوات القليلة الماضية، أنا مزهوٌ مما وصلت إليه بأقصى الإمكانيات التي لديك، أخبرني بما يمكنني مساعدتك؟”.

راقب النقاش المفتوح على مصراعيه. ومن ثم ابق هادئًا واستمع إليه، حتى يخرج كل كلماته وينتهي.

انتهى الاقتباس، من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” لعالم النفس المبدع بروفيسور د. كيفن ليمان.

وما لفت نظري عزيزي القاريء في الاقتباس الماضي من كتاب العالم الفذ دكتور ” ليمان”، هي رؤيته الفلسفية التي ألهمتني حقًا، وتجسدت بقوله: (ربما لا يكون ابنك محبوبًا كثيرًا – ولكن كشخص كبير في هذا الموقف عليك القيام بما في وسعك لتحبّ غير المحبوب).. وهنا وصف دقيق لمشاعر حميمية لا توصف بين الأب رب الأسرة، وابنه المراهق قليل الخبرات، حيث تقمص خلالها الأول دور الطبيب النفسي الذي يطبب ويربت على نفسية أعز ما يملك، وهو ولده، إدراكًا منه وتقديرًا كقائد، لحجم الضغوطات والمعاناة الكبيرة التي يعانيها صغيره، لافتقاده “كاريزما” القبول بين الناس، مقارنة بالكثير من الأصدقاء أو الزملاء الذين يتمتعون بها، مما ينعكس على تخبط تصرفاته وتشوش ردود أفعاله بمحيطهم، فأصبح ينفث ضغوطه المفرطة على أفراد عائلته، مما زاد بموجبها آلامه المكبوتة والخفية.

وهذا الدور الذي يقوم به الأب الواعي، لا يقتصر على مجرد التدخل لحل مشكلات ابنه المراهق فقط، ببيئتهم التي يعيشون فيها – بل ويمتد إلى فهم طبيعة تلك الصراعات ومعطياتها، وفك شفراتها وطلاسمها المعقدة، فهي عند بعض الأبناء قد ترتبط بظواهر اتصالية مارقة فُرضت عليهم، مثل “التنمر”، سواء بالشكل أو الموروث الاجتماعي أو طريقة حديثم مع الآخرين،، وما إلى ذلك،،، عطفًا على ما سبق من أزمة – ضعف الثقة بالنفس – قد تجد بعض المراهقين ينخرطون في التقليد الأعمى لمن يرونهم من وجهة نظرهم المحدودة “أصحاب تريند الجاذبية”، سواء من أنصاف الفنانين، أو “اليوتيوبرز أو التيكتوكرز” المتسكعين في سماء الشبكة العنكبوتية، وهم بذلك يفتقدون هويتهم وبوصلتهم الصحيحة بالتدريج، ولن يصلوا لنقطة التصالح مع نفس، وقبول ذاتهم وهيئتهم التي خلقوا عليها، وإيمانهم بأنه دائمًا يأتي جوهر المرء قبل مظهره، وأن عليه ترتيب أوراقه حسب المرحلة التي يعيشها، ثم التي تليها، وصولًا للنجاح المأمول والمنتظر.

الدوافع الإيجابية السابقة لن يتم زرعها في الأشبال الصغار عن بعد، أو بالتمني، وإنما بالتقرب المستمر منهم، ولمس آلامهم، والتوجع بسببها، لإحداث حالة من التضامن العاطفي معهم، ثم تمرير حلول سحرية بجعبتنا، حسب كل موقف وما يستدعيه من تصرف حكيم ومسؤول،، والتأكيد على أنها عصارة خبرات ممتدة على مدار السنين،، ويا حبذا لو سردنا قصص معاناة مماثلة، وكيفية  تصرف وتعامل أبطالها، وما هي الدروس المستفادة من ورائها.. كل ذلك لخلق استراتيجية إقناعية مؤثرة وملهمة لفلذات أكبادنا.

وللحديث بقية.

طالع المزيد:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى