طارق صلاح الدين يكتب: من الرابح حماس أم إسرائيل؟
بيان
بمجرد دخول صفقة تبادل الأسرى حيز التنفيذ وإقرار هدنة مؤقتة تُفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار، نجد هذا السؤال يقفز إلى كل الأذهان سؤال: من الرابح؟
ولتحديد هذا الرابح وحجم ربحه، لابد من طرح ما أعلنه كل طرف في هذه العملية التي اختلفت مسمياتها هنا وهناك؛ فأطلقت عليها الفصائل الفلسطينية مسمى “طوفان الأقصى”، بينما أطلقت عليها إسرائيل مسمى “السيوف الحديدية”.
الفصائل الفلسطينية:
نبدأ بالفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، باعتبارها صاحبة ضربة البداية في هذه الحرب، والتي صدق فيها قول الحكماء: “أنت تستطيع بدء الحرب، لكن لا تستطيع أبدًا وضع نهاية لها”.
وقد هاجم الكثيرون حماس واتهموها بالتسبب في دمار قطاع غزة ومصرع قرابة خمسة وأربعين ألف شهيد، وجرح أكثر من مائة وعشرين ألف شخص.
وبعد ما يقرب من ١١٠ أيام على اندلاع هذه الحرب، أصدرت حماس وثيقتها بعنوان “هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى”، مؤكدة أن هجمات السابع من أكتوبر كانت خطوة ضرورية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وحصاره لقطاع غزة منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. كما هدفت إلى مواجهة الاعتداءات المتتالية على المسجد الأقصى والقدس الشرقية، ووقف قطار تطبيع إسرائيل مع الدول العربية، وأبرزها المملكة العربية السعودية، التي كانت على وشك توقيع الاتفاق.
وأعلنت حماس عقب هجمات السابع من أكتوبر أن هدفها الرئيس هو تبييض السجون الإسرائيلية وإطلاق سراح كافة المعتقلين الفلسطينيين، وكذلك رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات العالم بعد أن توارت إلى زاوية النسيان.
بالطبع، مع تطورات الحرب واجتياح إسرائيل لقطاع غزة، تغيرت الأهداف إلى: الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، رفع الحصار، عودة سكان شمال غزة إلى منازلهم، تدفق المساعدات، وصفقة تبادل متوازنة للأسرى.
لكن هذا التغيير شكَّل تراجعًا عن الهدف الأصلي بتبييض السجون وإطلاق سراح كافة المعتقلين الفلسطينيين.
دخلت حماس، نيابة عن باقي الفصائل الفلسطينية، سلسلة طويلة من المفاوضات تحت إشراف الوسطاء الأمريكيين والقطريين والمصريين، واحتفظت طوال الوقت بثوابت مطالبها، خاصة بعد ارتفاع فاتورة الشهداء والمصابين، مما شكّل ضغطًا إضافيًا على المفاوض الفلسطيني الذي نظر إلى أي تراجع على أنه خيانة للدم الفلسطيني.
الجانب الإسرائيلي:
أما إسرائيل، فقد أعلنت بعد هجمات السابع من أكتوبر أن أهدافها شملت: القضاء التام على حركة حماس، تدمير قدراتها العسكرية وبنيتها التحتية، استعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة، عودة سكان الشمال إلى منازلهم، وضمان عدم حدوث هجمات مشابهة.
- الهدف الأول: القضاء التام على حماس
فشل هذا الهدف رغم الضربات القوية التي وُجّهت لحماس، حيث أعادت الحركة بناء قدراتها القتالية في شمال ووسط قطاع غزة.
وقد أكد دانيال هاجاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن القضاء على حماس أشبه بـ”ذر الرماد في العيون”، مشيرًا إلى أن الحركة ليست مجرد منظمة، بل فكرة راسخة في قلوب سكان غزة والضفة الغربية.
كما أشار وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلى أن القضاء على حماس أمر مستحيل، داعيًا إلى تقديم بدائل أفضل لمواجهتها. - الهدف الثاني: استعادة الأسرى بالقوة
فشل هذا الهدف أيضًا، حيث اضطرت إسرائيل لقبول صفقة تبادل حررت ٨١ رهينة من النساء والأطفال، بالإضافة إلى ٢٤ مواطنًا أجنبيًا. ولا يزال هناك ١٠١ رهينة محتجزين، مما دفع إسرائيل للقبول بصفقة جديدة لإطلاق سراحهم. - الهدف الثالث: عودة سكان الشمال إلى منازلهم
رغم الضربات القاسية التي وُجّهت لحزب الله، فشل هذا الهدف أيضًا، حيث رفض سكان مستوطنات الشمال العودة إلى منازلهم قبل وقف إطلاق النار. - الهدف الرابع: ضمان عدم قصف الفصائل الفلسطينية لإسرائيل
فشل هذا الهدف كذلك، حيث استمرت حماس في قصف إسرائيل حتى أيام قليلة ماضية، من منصات في شمال غزة، رغم إعلان إسرائيل مرارًا أنها قامت بتمشيطه.
نتائج الحرب:
- نجاح نتنياهو الوحيد: تدمير قطاع غزة بالكامل، وسفك دماء ١٦٠ ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، واغتيال قيادات بارزة في حماس مثل إسماعيل هنية، يحيى السنوار، وصالح العاروري.
- خسائر حماس: دفعت الحركة ثمنًا باهظًا بدماء مقاتليها وقياداتها العسكرية والسياسية، وفقدت السيطرة الحاكمة على القطاع. كما دفعت الشعب الفلسطيني إلى تضحيات كبيرة.
ومع ذلك، يُحسب لحماس تمسكها بثوابت مثل الانسحاب الإسرائيلي من غزة ورفع الحصار، وإعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام الدولي.
الخاتمة: صفقة تبادل الأسرى وهدنة وقف إطلاق النار ليست نهاية المطاف، بل هي حلقة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لن ينتهي إلا بالقضاء على أحد الطرفين. الحرب بين العرب وإسرائيل هي حرب وجودية، وليست مجرد نزاع حدودي.
في مقالات قادمة، سنتناول بالتحليل أبعاد عملية “طوفان الأقصى” على الجبهات اللبنانية واليمنية.