“قل شكوتك”.. ابتسامات مشروطة
كتبت: أسماء خليل
ربما يكون بعض الناس في حاجة ماسة للعطاء، لأنهم لا يشعرون بالسعادة الحقيقية إلا حينما يمنحون من حولهم سواءً عطاءً معنويًّا أو ماديًّا.. حقًّا من يعطي لا ينتظر المقابل، ولكن قد يجد هؤلاء أنفسهم حينًا في انتظار شيء ما!.. شيء لا يفهمونه في البداية؛ ليتيقنوا بعد مرور الزمن.. أنه المقابل!.
الشكوى
أنا ” ب. د” زوج في أواخر العقد الرابع من عمري ولديَّ ثلاث أبناء، أعيش بإحدى قرى محافظات الدلتا، حاصل على بكالوريوس تجارة وأعمل بإحدى شركات القطاع الخاص.
لم أكن من ذوي الأملاك أو ميسوري الحال قبل الزواج؛ فوالدي مُزارع بسيط ممن يعيشون يومًا ويحملون هم الآخر.. زوجتي من نفس قريتنا، تحمل مؤهلًا متوسطًا وتصغرني بخمس أعوام.
اختارتها لي أمي لأدبها وجمالها، ولا أخفيكم سرًّا فالجميع يعلم أن والدتها ربتها بحزم وشدة فكانت تعاقبها إذا أخطأت ربما على أتفه الأشياء، حتى ولو أمام الجميع وربما تضربها، فشعرتُ أنها ستكون زوجة مطيعة على قدر عالٍ من التربية؛ مما حملني للموافقة على الزواج منها، وخاصةً أن أسرتها بسيطة الحال مثلنا، فوالدها مزارع مثل والدي.
تمت خطبتنا في أجواء من السعادة، وكنا بفترة الخطوبة نعيش بجو أسري هادئ، استأجرتُ شقة في نفس القرية وتم تأسيسها من قِبَلي وقِبَل أهل خطيبتي بما هو مُتاح.
أتممنا عامًا ثم كان زفافُنا. عشنا العامين الأولين من حياتنا في أحوالٍ شبه مستقرة ورزقنا الله بوليدنا الأول، ولم يؤرقني سوى طلبات زوجتي التي كانت فوق طاقتي، فكانت تأخذ كل راتبي ولم تترك لي سوى الفُتات، لم أكن أعترض لحبي لها.
تبدأ مشكلتي حينما قامت الشركة ـ التي كنت أعمل – بها بالتقليل من العمالة نظرًا لمرور صاحبها بضائقة مالية، وتم إعطائي مبلغًا من المال كنهاية للخدمة.
بدأنا نقتاتُ من ذلك المبلغ وأنا أبحث عن عمل آخر، ولكن زوجتي صرفته في أسرع وقت ومابرحت المشاكل تلاحقني من كل اتجاه، وما أرَّق عليَّ حياتي هو عبوسها الدائم وعدم التخفيف عني بأى شكل، بالإضافة إلى النقد المستمر والتهكم منها ذهابًا وإيابًا؛ مما أثقل كاهلي وجعلني لا أقوى على البحث عن عمل.
ذَهَبَتْ زوجتي إلى بيت أبيها هي وابني وظللنا كذلك شهرين حتى رزقني الله بعمل آخر؛ فوجدتها عادت من تلقاء نفسها مبتسمة الوجه تحاول إرضائي، فتغلب شوقي لها على مُعاتبتي إياها وعادت الأحوال كما كانت، ظلت تأخذ كل راتبي وتنفقه ولا يتبقى معنا شيء وتستغل حبي لها.
و مرورًا بذلك أنجبنا ابننا الثاني.. كم كانت تقابلنا عثرات مثل تأخر راتبي لبضع أيام وهذا يعني تأففها وضيقها ومقاطعتي حتى أتسلمه وأعطيه لها.
مرت بضع سنوات تخللها تركي للعمل في بعض حين؛ بسبب ظروف القطاع الخاص حتى أبحث عن عمل آخر، وتلك الشهور التي أبحث بها عن عمل تكون هي الأسوء حالًا لأن زوجتي تمرِّر العيشة.
حَمَلَت زوجتي بابننا الثالث وكانت تريد إجهاض نفسها بدون علمي حتى علمت ونهرتها وعنفتها لأول مرة في حياتي.
لقد اكتشفتُ وبعد كل تلك السنوات أن زوجتي لا تحبني لشخصي.. إن أعطيتها ما تريد تبادلني المشاعر الرقيقة، وإن توقفت الأموال توقف المدد من تجاهها.
لقد بتُّ أنظر إليها متأملًا في حيرة سائلًا نفسي: من تلك المرأة التي تزوجتها؟!.. وفجأةً وبعد كل ذلك الحب، وجدتني لا أطيقها، بل والأكثر أريد أن أتركها وأعيش بمفردي سواءً طلقتها أم لا.. لا أعلم ماذا أفعل، إنَّني لا أستطيع النوم من كثرة التفكير.. ماذا أفعل سيدتي بحق الله؟!
الحـــــل
عزيزي “ب. د” كان الله بالعون أُثْنِي عليكَ رقة قلبكَ وحبك ومعاملتك الطيبة لزوجتك، ولكن كان عليك أن تضع الأمور في نصابها الحقيقي.
فليس معنى أننا نطالب بحقوق المرأة أن يتخلى الرجل عن مكانته ودوره في ريادة الأسرة، فلك دور في حسم الأمور والبت في المهام التي يترتب عليها استقرار أسرتك وكذلك احتواء زوجتك بالحنو والعطف.
إنك لم تحقق سوى طرف واحد من المعادلة وتركت الآخر، فلم يكن هناك بأس من أن تنفق على بيتك جزءً من راتبك في أيام اليسرى وتدخر جزءً لأيام العُسرى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”اخشَوْشِنُوا فإن النعمة لا تدوم” صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخرجه بن أبي شيبة.
إنَّ ما أعجبك أمس بزوجتك هو نفسه سبب ألمك اليوم، فقد ذكرت أن والدتها كانت تعاقبها بالضرب أمام الآخرين لو أخطأت، وكثير من التصرفات التي نقشت في روحها آلامًا؛ مما يدل على أن زوجتك تربت على القهر والشدة والتعنيف؛ وهذا بدوره جديرٌ بأن يقدم للمجتمع أبناءً نرجسيين.
عزيزي، إن زوجتك ـ على الراجح- مُصابة بإحد الاعتلالات النفسية وهو النرجسية ويعالجه المختصون بالتعديل السلوكي وربما بأدوية مضادات الاكتئاب.
وما عليك فعله الآن- بادئ ذي بدء – هو تقبلها كإنسانة وتحمد الله على الجانب الجيد الذي بها وهو أنها تشعرك بالسعادة طالما أن هناك استقرارًا ماديًّا.
لا بأس من محاولتك الوقوف بجانبها وتعويضها عن الحنان الذي افتقده في صغرها حتى نسيته، ثم بعد ذلك اجلس وتحاور معها ووازن بين العطف والحزم.. أنت من تدير أمور بيتك باعتبارك القائد لتلك الأسرة.
اعطها مبلغًا من المال فقط هو ما بوسعك ليكون مصروفًا شهريًا، والباقي عليك ادخاره لأيام عدم العمل، وأيضًا حاول جاهدًا أن تفتح محل صغير بجوار عملك ليكون مصدر رزق دائم.
ثم ابدأ بعلاجها سلوكيًا، فصاحب القلب المحب بوسعه أن يقوم بعمل المستحيل من أجل محبوبه.. وجهها إلى جوانب التغيير نحو مساعدتك في تحمل مسؤولية الحياة معك، وحاول أن تجعلها تكوِّن علاقات شخصيّة حقيقية وعلاقات يسودها التعاون مع واحدة أو اثنتين من جيرانكما أو إخوتك لتكتسب مهارات التواصل الجيدة من الآخرين.
قدِّرها وقر بكفاءتها وقدراتها الحقيقيّة وقبولها بحيث يتسنّى لها تحمّل الانتقادات والإخفاقات، حاول أن تجعلها تفهم تأثير ما تفعله معك على إصابتك بمشكلات متعلقة بعملك ونفسيتك.. حاول أن ترشدها دائمًا لتقبَّل ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه.
عزيزي، إذا كانت الحياة ستصبح أسعد بالانفراد والعزلة وعدم مواجهة مشكلاتها بما في ذلك تحقيق السعادة حين التغلب على بعض تلك العثرات؛ لقلتُ لك طلقها وعِش منفردًا، ولكن تذكر في كل وقت.. أن الحياة دائمًا اثنان.
منحكِ الله السعادة وراحة البال.
…………………………………………………………………………………………………..
راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.
اقرأ أيضا فى هذه السلسلة: