لمى المفتي تكتب: النداء الأخير للعائدين إلى الوطن

بيان

لحظات.. ويحين اللقاء
حقائب وساعة انتظار قد تمر على العائدين إلى سوريا كأنها سنة أو بضع سنوات، عبروا فيها عوالم الغربة واللجوء بكل معانيها… وتأتي اللحظة المنتظرة التي كانت تخطف القلوب بمجرد التفكير بها.
هي لحظة تساوي عقدًا من الزمان،
هي اللحظة التي سوف تنقلهم ويتخطون بها آلام الفراق واللجوء،
هي اللحظة التي يعودون فيها إلى أحضان الوطن.
هي لحظة يزدهر فيها الأمل ويبعث فيها الشعور بالحياة كما لو أنها ولادة جديدة.

الجميع يتلهف إلى هذا اللقاء، لقاء النفس التي أودعوها بين الشوارع والبيوت والأشجار والأحجار وكل حبة تراب من هذا الوطن، الذي بقي بحبه حاضرًا في نفوسهم في كل لحظة مهما طالت بهم الغربة. يبقى هذا التعلق هو الشعور الكاسح، وبرغم كل الفرص التي مُنحت لهم، إلا أن فرحة العودة واللقاء لا توازي بقيمتها كل كنوز الدنيا.

هي لحظة استثنائية بالمشاعر، تتسارع فيها دقات القلب وينبض فيها الحنين. وقد تختلط المشاعر بين فرح وامتنان وقلق، ولكنها تبقى اللحظة المرتقبة، فهي تحمل معاني أعمق من اللقاء والعودة إلى الأهل ومدرج الطفولة ومواطن الذكريات… هي عودة إلى الأصل، إلى الجذور، إلى الهوية التي ربما كانت مهددة بالضياع لو استمرت بهم الغربة.

فهذا الحنين للشوارع والأهل لم يكن هو الدافع الوحيد للعودة؛ فمعانقة الأحبة، وتحية الأهل والأصدقاء، وزيارة الأماكن، وكل هذه الأصوات الباقية في الذاكرة ستصبح جزءًا من قصة يرويها الأجيال القادمة، ويتحدثون عن سوريا المستقبلية التي يحلمون بها هم وآباؤهم منذ أول يوم خرجوا فيه خارج حدود الوطن.

لكن هذه الغربة قدمت لهم أهم المزايا، برغم كل الصعوبات والتحديات، إذ باتت منحة من الله لتصقل خبراتهم وتزيدهم علمًا ومعرفة.
فالسوريون العائدون محملون بالأفكار الجديدة والتجارب المتنوعة الناجحة والإرادة والعزيمة، وستكون كلها أدوات لبناء مستقبل أفضل. فهذه العودة ليست مجرد استعادة حياة سابقة، وإنما هي وقفة ونظرة بعيدة المدى لمستقبل أفضل لوطنهم، وهي خطط لبناء وإعمار وتنمية يحتاج إليها كل شبر من سوريا للنهوض بها مجددًا، واقفة بكل قوة وشموخ كما عرفها التاريخ… مهدًا للحضارة.

فهذه العودة هي تكليف لتنفيذ كل ما تعلموه من مهارات في ريادة الأعمال والتعليم والصناعة والطب من أجل تحسين جودة العمل، واستخدام كل الأساليب والتقنيات المتاحة من أجل إعمار سوريا الغد.

إعمار سوريا لن يقتصر على بناء المصانع والمدارس والجامعات والخدمات، إنما هو إعادة بناء هذا النسيج الاجتماعي المشترك، وإرساء وترسيخ قيم التسامح والتعايش والمصالحة من أجل مصلحة الوطن واستقراره.

فالوطن ليس مجرد قطعة أرض نعيش عليها،
إنما هو ذاك الأب الذي يمنح اسمه لأبنائه، وهو ذاك الحضن الذي يجمعنا على المحبة والانتماء.
هو ليس فقط غلة الأيام وحصيد الذكريات، هو أيضًا ذاك الحلم الكبير، والأمل الذي يتجدد كل يوم وكل ساعة وكل لحظة… ليبقى في أعين كل السوريين مزدهرًا يعمه الخير والسلام.

اقرأ أيضا للكاتبة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى