مصرى عائد من سوريا يحكى تجربته بين القصف و الخطف واللا حدود (1من3) ليلة سقوط حلب

بيان

أشرف التهامى
أشرف التهامى

العودة من سوريا بعد أيام قليلة من سيطرة الميليشيات المسلحة، وسقوط نظام بشار، رحلة ليست فقط محفوفة بالمخاطر، ولكنها أشبه بمحاولة انتحار ، أن تعبر بين القصف و الخطف واللا حدود.

هذه هى تجربة مراسلنا أشرف التهامى، المصرى الذى عاش سنوات طويلة فى سوريا، واقترب كثيرا من أجهزة الأمن، ودوائر صنع القرارفيها إبان النظام السابق، ونترك له المساحة التالية ليسرد فيها بحرية تامة تفاصيل العودة والرحلة، فقط طلبنا منه أن يقسمها على 3 أجزاء أولا بسبب كثرة عدد الكلمات، وثانيا حتى نستوعبها على مهل.. وفى التالى نقدم لكم الجزء الأول من رحلة أشرف التهامى.. تفضلوا:

رئيس التحرير

ليلة سقوط حلب                                                                      

البداية كانت مساء الجمعة 26 نوفمبر، ليلة سقوط حلب في أيدي هيئة تحرير الشام التي كانت تُلقب بالإرهابية وقتها، قبل أن تسيطر على كافة الأراضي السورية – إلا قليلاً – وتصبح سلطة الأمر الواقع بحسب وكالات الأنباء العالمية، وسلطة سوريا الجديدة بحسب ما يروق لمشغّليها وداعميها. هؤلاء الذين أوصلوا قادتها إلى سدة الحكم دون أي مقاومة من قوات الجيش العربي السوري، التي تم شراء قادتها من قِبَل القيادة العثمانية في تركيا وبأموال دولة قطر، بناءً على الأوامر الأمريكية وخذلان الحليف الروسي.

كان المشهد دراماتيكيًا بسرعة الضوء دون أي مبالغة. فما حدث في ذلك المساء لا يمكن أن يصدقه عاقل، ولا يستطيع أن يهرتل به مجنون. صدرت الأوامر للمعارضة المسلحة، التي تبناها التركي لعقد ونصف من الزمان، بالسيطرة على منطقة خفض التصعيد التي سيطرت عليها القوات الإيرانية لحساب قوات الجيش العربي السوري عام 2019. شمل ذلك أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية، ومن ثم الدخول في مفاوضات مع الأسد لإجباره على الجلوس مع رجب طيب أردوغان وقبول التطبيع مع تركيا، دون خروج القوات التركية والفصائل الموالية لها من سوريا.

بمساعدة الخلايا النائمة التي كانت تعشّش في أحياء حلب منذ نهاية 2016، وقت خروج الفصائل المسلحة من حلب إلى إدلب بالباصات الخضراء، وخيانة بعض قيادات الجيش العربي السوري بالتخلي عن الاستبسال في الخطوط الأمامية لمدينة حلب، صدرت الأوامر لكل الأفرع الأمنية والعسكرية وقيادة الشرطة وأقسامها بحلب للتوجه سريعًا منسحبين نحو السفيرة شرق حلب. وبذلك، لم تلقَ فصائل المعارضة المسلحة التابعة لهيئة تحرير الشام أي مقاومة تُذكر في السيطرة على مدينة حلب.

بكل سهولة، اختفى وتلاشى أي تواجد لقوات وأجهزة أمن الدولة السورية، وانتشرت عناصر هيئة تحرير الشام في كل أحياء وشوارع وأزقة حلب انتشار النار في الهشيم.

قرار الخروج

كانت ليلة طويلة وسوداء ومميتة لكل أنصار الدولة السورية ورافضي هيئة تحرير الشام وفصائلها. وفي الصباح، أخبرني أحد أصدقائي، الذي يعلم مدى مقتي لأيديولوجية هيئة تحرير الشام، بضرورة الخروج من حلب وبأقصى سرعة، وخاصة أن من كان ينازعني في ملكية محلاتي بسوق حلب القديمة، ممن يدّعون أنهم من فصائل هيئة تحرير الشام، بدأوا بملاحقتي. هؤلاء كانوا من أعتى شبيحة (بلطجية) الأفرع الأمنية بحلب قبل 2011، وانضموا للفصائل المسلحة ضد حكومة الأسد لحماية ممتلكاتهم والاستفادة من الفوضى، فعاثوا فسادًا وطغيانًا باسم الفصائل.

بحكم المنطق والخوف من ضبابية المشهد وتسارع الأحداث، وجدت نفسي أجمع أشيائي الضرورية التي قد أحتاجها، متجهًا إلى بلدة السفيرة التي كانت وقتها تحت سيطرة الجيش العربي السوري، حيث كانت ملاذًا لكل من يخاف بطش فصائل هيئة تحرير الشام. كانت البلدة تعج بمئات الأسر، خاصة ذوي عناصر وأفراد الجيش العربي السوري الذين فرّوا هاربين من الجحيم الذي كان ينتظرهم إذا وقعوا في أيدي هيئة تحرير الشام.

ودعت أسرتى

ودّعت أسرتي التي كانت تدعو لي بالنجاة والخروج بأمان للوصول إلى أبعد مكان عن أيدي تلك الفصائل المسلحة. كانت الرحلة شاقة والطريق طويلًا في ظل انتشار الفصائل المسلحة على طول طريق الخروج من حلب، وعدم توفر وسائل النقل واستغلال بعض السائقين للمواطنين الراغبين في الهروب إلى السفيرة. بجهد جهيد ومشقة مفرطة، تمكنت من إقناع أحد السائقين بإيصالي بعد طلب مبلغ مائة دولار، رغم أن تكلفة المواصلات في الظروف العادية لا تتعدى خمس دولارات. لكن لم يكن لدي بديل سوى القبول بما طلبه.

في الطريق من حلب إلى السفيرة، كان الزحام شديدًا، وأعداد الناس الذين يمشون على الأقدام كثيرة لعدم قدرتهم على تحمل تكلفة النقل. كانت عناصر الجيش العربي السوري تهرب من مواقعها، وفصائل هيئة تحرير الشام تسحب دبابات ومركبات عسكرية غنمتها من مطار كويرس والمخابرات الجوية هناك. كان مشهدًا مخزيًا ومخيفًا ينبئ بمجهول قادم لا يمكن تصوره.

حين وصلت إلى بلدة السفيرة، كانت الصدمة كبيرة. آلاف الفارين، من شيوخ ونساء وأطفال وعناصر الجيش العربي السوري، كانوا يحاولون النجاة. لم تكن هناك وسيلة نقل كافية للوصول إلى بقية المدن السورية، سوى مركبات الجيش العربي السوري ودباباته المنسحبة باتجاه خناصر وأثريا، بينما المئات من سيارات المدنيين تحاول الخروج في نفس الاتجاه.

وللمشوار بقية:

طالع المزيد:

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى