مصرى عائد من سوريا يحكى تجربته بين القصف و الخطف واللا حدود (2 من 3).. حلاوة الروح
بيان
فى التالى نقدم الجزء الثانى فى حكاية المصرى العائد من سوريا، بعد أيام قليلة من سيطرة الميليشيات المسلحة عليها، وسقوط نظام بشار، وقد خاض صاحب هذه الرحلة ليست فقط محفوفة بالمخاطر، ولكنها أشبه بمحاولة انتحار ، أن تعبر بين القصف و الخطف واللا حدود.
هذه هى تجربة مراسلنا أشرف التهامى، المصرى الذى عاش سنوات طويلة فى سوريا، واقترب كثيرا من أجهزة الأمن، ودوائر صنع القرار فيها إبان النظام السابق.
ونترك له المساحة التالية ليسرد فيها بحرية تامة تفاصيل العودة والرحلة، فقط طلبنا منه أن يقسمها على 3 أجزاء أولا بسبب كثرة عدد الكلمات، وثانيا حتى نستوعبها على مهل.. وفى التالى نقدم لكم الجزء الثانى من رحلة أشرف التهامى.. تفضلوا:
رئيس التحرير
ولم يكن أمامي للخروج من السفيرة إلا أن أتعلق مع بعض عناصر قوات الجيش العربي السوري الفارين على ظهر دبابة كانت تعتلي سيارة شحن، وقد كان.
كنا أربعة أشخاص، وعند الوصول إلى بلدة خناصر قبل المغرب بوقت قليل، فوجئنا بوجود استهداف للمدنيين والعسكريين الفارين في تلك المنطقة من قبل بعض عناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين اعتلوا قمة جبل موازٍ للطريق.
رصاص داعش
جنحت السيارات إلى طريق ترابي هرباً من قذائف ورصاص داعش. وكانت الطامة الكبرى حينما اعتلى إرهابي آخر من داعش تلة أخرى في نهاية الجبل، وحينما رأى السيارة التي كانت تقل الدبابة التي كنا عليها، أطلق قذيفة باتجاه الدبابة. بحكم أننا كنا وقت الغروب، رأيت القذيفة الملتهبة متجهة إلينا، فقفزنا في عكس اتجاه الشاحنة التي كنا عليها، والتي زادت سرعتها هرباً من قذائف داعش. أصابت القذيفة الدبابة فاشتعلت، وأصبحت قطعاً تناثرت في كل مكان. احترقت ثلاث سيارات نقل ركاب مدنيين، وسيارة كانت تحمل حفاضات أطفال، والتي أصبحت بمثابة براميل نفط واشتعلت.
حلاوة الروح
ولأن الروح غالية، وكما يقولون “حلاوة الروح”، عندما قذفنا أنفسنا من على الدبابة رغم سرعة السيارة في عكس اتجاهنا، نهضنا بسرعة فارين من طلقات وقناصي داعش الذين لم يرحموا ضعفنا وقلة حيلتنا. أمطروا المكان بالرصاص، فمات من مات وأصيب من أصيب، واختبأت في نفق خرساني أسفل طريق الإسفلت الذي يشق المنطقة الزراعية التي كنا فيها، وذلك بعد الجري لمسافة كيلومتر تقريباً بعد النهوض من القفزة على الأرض. رغم إصابتي بجروح بالغة ونزيف تلك الجروح بغزارة، لم أعبأ بها ولم أشعر بآلامي لهول ما أحاط بي من خطورة.
بقيت السيارات مشتعلة تضيء المنطقة الموحشة، وتعالت صرخات المصابين. بقيت في هذا النفق لأكثر من ساعة تقريباً حتى توقف الداعشي عن إتمام مهمته الوحشية. حينما شرعت بالخروج من النفق، وجدت على بعد مسافة قريبة مني هؤلاء الشباب الذين كانوا معي على ظهر تلك الدبابة المكلومة، منبطحين بين الأحراش الزراعية. نهضنا مسرعين باتجاه أقرب حاجز للجيش العربي السوري لنبحث عن وسيلة مواصلات تقلنا للابتعاد عن تلك المنطقة والوصول إلى الطريق السريع باتجاه مدينة حمص.
ولكن حينما قررنا السير في هذا الظلام الدامس في تلك المنطقة الموحشة، وجدنا أن سيارات الإسعاف قد أتت لإسعاف من بقي على قيد الحياة. والعجيب أن تلك السيارات جاءت بحماية القوات التركية، والتي تواصلت مع عناصر داعش في المنطقة لوقف إطلاق النار والقذائف. استجاب عناصر داعش للطلب، ولكن حينما ظهرنا نحن في ضوء السيارات، تركوا الهدنة وشرعوا في استهدافنا. انبطحنا أرضاً، وما كان منا إلا أن زحفنا لأكثر من أربعة كيلومترات في ظل استهداف داعش لنا، ولكن بحماية الله.
وحينما رجعنا إلى حاجز خناصر، وجدنا أن كل قوات وحواجز الجيش العربي السوري تستعد للانسحاب. علمنا أن فصائل المعارضة المسلحة قد سيطرت أيضاً على بلدة السفيرة التي فررنا منها، وهم في اتجاه بلدة خناصر التي نحن فيها نحاول إيجاد وسيلة أخرى تقلنا إلى طريق استراد مدينة حمص.
بعد أكثر من ساعتين، رغم جراحنا ودمائنا التي تسيل، وجدنا شاحنة تقل أغناماً، فشرع كافة المدنيين والعسكريين العالقين باعتلائها، وكنت أنا معهم. خوفاً من الاستهداف مرة أخرى والبرد الشديد حيث بدأ الضباب يعم المنطقة، تغطينا بأكياس الخيش القذرة التي كانت على ظهر الشاحنة.
بعد أن سارت الشاحنة مسافة لا تتعدى خمسمائة متر، توقفت كل السيارات المدنية التي كانت على هذا الطريق في ازدحام شديد لتفسح الطريق لمركبات ودبابات الجيش العربي السوري التي كانت تفر منسحبة باتجاه مدينة حمص. بقينا من العاشرة مساءً وحتى طلوع شمس اليوم التالي على ظهر تلك الشاحنة.
قررت القفز من تلك الشاحنة مترجلاً باتجاه الطريق السريع (الأوتوستراد) المؤدي إلى مدينة حمص. سرت مترجلاً بشكل مائل من خلال الطريق الترابي بعيداً عن طريق الإسفلت الذي كانت عليه تلك الحشود المتزاحمة من السيارات خوفاً من استهداف محتمل لها سواء من داعش أو من الفصائل المسلحة التي كانت في طريقها بالفعل إلى تلك المنطقة.
وحينما وصلت إلى الطريق السريع بعد سيري لأكثر من خمسة كيلومترات، أنقذني الله بركوب سيارة نقل صغيرة من مدينة حلب كان يقودها أحد مواطني مدينة نبل والزهراء، والتي كانت مستهدفة طائفياً من قبل فصائل المعارضة المسلحة. بعد أكثر من ثلاث ساعات، وصلت أخيراً إلى مدينة حمص، ومنها ركبت سيارة أجرة إلى مدينة طرطوس، ومنها إلى مدينة جبلة، ثم إلى قرية القلائع، حيث مكثت بضيافة أصدقائي وأحبائي لمدة أسبوعين كاملين.
خلال تلك الفترة
استرددت بعضاً من عافيتي وصحتي، وكنت على تواصل دائم مع أسرتي في حلب وأصدقائي المقربين. علمت حينها بدخول الفصائل المسلحة إلى كل المناطق التي كنت فيها مباشرة بعد خروجي منها بوقت قصير وبشكل متوالٍ. أدركت أن عناية الله كانت ترعاني، وأن الله معي ولن يمكن أعدائي مني.
انسحاب الجيش وأوضاع حلب
كما علمت أيضاً أن انسحاب قوات الجيش العربي السوري لم يكن انسحاباً خوفاً أو هروباً، ولكنه كان بتنسيق عسكري بحت للانضمام إلى الفرقة 25 بقيادة القيادي الأبرز في الجيش العربي السوري، سهيل الحسن الملقب بالنمر، لتحصين مدينتي حماة وحمص وعدم تمكين الفصائل المسلحة من الدخول إلى دمشق، ثم الهجوم على فصائل المعارضة المسلحة في كل المناطق التي سيطروا عليها، وتحرير مدينة حلب.
مشكلات شخصية
علمت أيضاً باستيلاء خصوم لي على محلاتي في أسواق حلب القديمة، والذين ادعوا أنهم من أبناء الثورة، رغم أنهم كانوا من أعتى شبيحة الأمن العسكري والمخابرات الجوية بحلب قبل 2011. لكنهم ادعوا الانضمام إلى فصائل المعارضة بدعوى حماية ممتلكاتهم، واستغلوا تلك الذريعة لسرقة ونهب المحلات والممتلكات منذ 2012 وحتى نهاية 2016.
بعد أسبوعين، قررت الرجوع إلى بيتي وأسرتي في حلب. حاولت أن أجد طريقاً لاستعادة محلاتي، لكن خصومي حاولوا شيطنتي وتجنيد كل الجوار ضدي، وشراء عناصر هيئة تحرير الشام بحلب لملاحقتي وملاحقة أولادي حتى لا أستطيع استعادة محلاتي.
حينما علمت بأن هيئة تحرير الشام تبحث عني في كل مكان، قررت الخروج من سوريا متجهاً إلى لبنان، ثم إلى مصر. لم يكن ذلك سهلاً أبداً، فبدأت مغامرة جديدة ومحفوفة بالمخاطر.