د. ناجح إبراهيم يكتب: اللواء/ علاء الحسيني.. صانع المعروف

بيان

كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان” اللواء /علاء الحسيني .. صانع المعروف” وتم نشره في جريدة المصري اليوم، وهذا نص المقال:
• له بصمة خير ومعروف علي كل معتقل في السجون المصرية بداية من عام 2001 وحتى 2010،عشر سنوات كاملة وهو يقضي حاجاتهم ويفك معاناتهم ويسدي إليهم المعروف تلو الآخر، فما من سجن من سجون مصر تحسنت أحواله، وانتفت معاناة معتقليه السياسيين إلا وكانت له اليد الطولي في هذا الفضل العظيم ومنها سجون الوادي الجديد ، أسيوط ، المنيا، الفيوم شديد الحراسة ،العقرب،وادي النطرون، ذهب إليها جميعا، ما وجد فيها أشقاء إلا أخرج أحدهم ثم الباقين بالتدريج ، ما وجد معاقاً إلا وتدخل للإفراج عنه، ما وجد مشكلة صعبة إلا وحلها بطريقته الفريدة التي تجمع بين القوة والحكمة والمرونة ،فكل معتقل زار أسرته بطريقة آدمية كريمة وكل معتقل زار منزله إلا وكانت له يد في كل هذا الخير.
• كنت أسميه “صانع المعروف” وكان يحب هذا اللقب، وكان يطلق عليَّ “طبيب القلوب” وكنت أسعد بهذا الشرف الذي شرفني به.
• كان أسطورة رائعة وسيمفونية جميلة ،كان شجاعاً لا يهاب الموت، يحب الله ويخشاه ولا يخشى أحدا سواه، كان كريم النفس واليد، غاية في الشهامة والرجولة.
• لم يكن مجرد ضابط أمن سياسي مخضرم وعبقري ،ولكنه أيضا كان من أكثر من رأيت مرونة وحكمة وتواضعا.
• إنه اللواء/علاء الحسيني الذي تنحدر أصوله من محافظة الشرقية، كان يمثل الجيل الثالث في الضباط الكبار الذين حملوا راية مبادرة منع العنف علي أكتافهم ، كان مؤمناً بالتجربة ومقتنعا بها غاية الاقتناع ،وحارب بكل إمكانياته ومشاعره وجوارحه لإنجاحها خلال عشر سنوات كاملة.
• كان في الجيل الأول للضباط عبقري المبادرة ورائدها الأول وصانعها المرحوم اللواء/أحمد رأفت وكان في الجيل الثاني رجل عظيم لم ينل ما يستحق من الإهتمام والتقدير لأنه دوما كان زاهداً في الأضواء وهو اللواء/عادل رشاد رحمه الله ، أما الجيل الثالث فكان منه صاحبنا اللواء /علاء الحسيني وصديق عمره ورفيق دفعته اللواء/إيهاب عطية، وكان اللواء /رأفت يردد أنني أريد أن أورث فكرة المبادرة وما حملته من معان سامية لأجيال الضباط المتعاقبة،وأريد أيضا أن تورثوا هذه الفكرة لأجيال الحركات الإسلامية المتعاقبة.
• كان اللواء/ الحسيني من أبرز تلاميذ اللواء/أحمد رأفت وأكثرهم التصاقا به وتشربا منه، كان النموذج الأقرب لشخصه وفكره، كان يعمل بكل قوته علي إنجاح مبادرة منع العنف، ونشر الوئام والسلام ، وتغيير نمط أفكار الجماعة الإسلامية بالرفق والحكمة والتفاهم والتقارب، وأن تفعل ذلك من نفسها.
• كان قريباً من كل قادة الجماعة الإسلامية وقتها، كان يحل المشاكل الطارئة قبل وصولها إلي اللواء/ رأفت ، فإذا وصلت إليه تصل بهدوء بحيث لا تنسف جهودا رائعة بذلت في هذا الطريق الصعب.
• كان يترك أسرته بالشهور ، يسافر من أقصى البلاد إلي أقصاها، أحيانا كان يمكث في المأمورية بالشهرين في خدمة المبادرة ، كان يردد مثل غيره من فريق اللواء/ رأفت: “من يعمل معه لن يهنأ بعيش وزوجته ستكون في كدر دائم لأنها لا ترى زوجها بالشهور، مرت أوقات عصيبة علي أسرته ، مناسبات، جراحات دون أن يحضرها.
• كان له دور بارز في نجاح تسليم الجناح العسكري للجماعة الإسلامية لنفسه وأسلحته بسلاسة ورضا ودون قطرة دم واحدة.
• كان مثل أستاذه اللواء/ رأفت لا يغدر أبدا وكانت هذه الصفة بالذات مع الشجاعة والحكمة أحد مفاتيح نجاح المبادرة ، ومسارعة المئات بعد ذلك لتسليم أنفسهم وتسوية مواقفهم طواعية، كان كل الفريق يرفض الغدر حتى لو كان ظاهره الكسب الأمني الرخيص.
• اللواء الحسيني طوال قرابة سبع سنوات كاملة لم يسترح يوماً حتى أبتغت المبادرة وحان قطافها.
• كان اللواء الحسيني أستاذا في قراءة وفهم الشخصيات واستطاع قراءة شخصيات قادة الجماعة الإسلامية وقتها وأدرك أن أهم المفاتيح لشخصياتهم هو الوفاء والحب وعدم الخداع ،عاشرهم وعاش معهم وأكل وشرب ومزح معهم، كان يثق بهم ويثقون به، ما دُعيَّ مرة إلي جلسة أو طعام في سجن أو منزل متواضع إلا أجاب تبسطاً وتواضعاً ، رأي قزما في سجن الوادي الجديد ، ورأي آخر عنده شلل أطفال ، وثالث علي كرسي متحرك لأنه مبتور القدمين ، فسعي لدى اللواء / رأفت حتى أفرج عنهم في أولي دفعات الإفراج.
• كان اللواء الحسيني برتبة المقدم أيام المبادرة الأولي ولكن فهمه وسرعه بديهته ودقة تصرفاته وشجاعته ومرونته وتواضعه مع تفرده كرجل أمن سياسي مخضرم يؤهله لأن يكون في رتبة أعلي بكثير من رتبة المقدم ، ولذلك ظهرت ملكاته العبقرية أيضاً حينما أعير إلي دولة عربية شقيقة وكان برتبة العقيد فأقام صروحاً أمنية حديثة غير مسبوقة أذهلت قادة هذه الدولة.
• وما كاد الرجل أن يستريح بعد نجاح المبادرة حتى وقعت تفجيرات العريش طابا، شرم الشيخ وبذل مع زملائه في فريق اللواء/ رأفت جهداً عظيماً في كبح جماع مجموعات التكفير حتى تطهرت سيناء تماماً علي عهدهم، ومن أجل ذلك تعرض مع أستاذيه اللواء/ رأفت واللواء/ عادل لحادثة سقوط طائرتهم فنزف اللواء/ الحسيني من أذنه فظن أنها النهاية وقال لمساعده ” أوصيك بأولادي” ولكن الحقيقة أنه كان خدشا بسيطاً في الأذن، وقد حكي لي اللواء الحسيني بعدها : عندما وقعت الحادثة ظللت أدعو الله وأتوسل إليه بما فرجت من كربات المعتقلين وغيرهم، وأكرمتهم ، وكأنه يقتدي بالثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فدعا كل منهم بعمل صالح مخلص متجرد لوجه الله.
• كان اللواء الحسيني محباً لله وللدين،وعاشقاً لمصر،ومحباً للسلام والوئام رغم شجاعته،ومحباً للناس فلم أره يوماً يتأخر عن حاجات الناس،فقد قصده أحد المعتقلين الفقراء للتوسط لابنيه المتفوقين في الثانوية لدخول كلية مرموقة في أحدى الجامعات الخاصة كمنحة من الجامعة فقام بذلك بل وجعل سكنهم في المدينة الجامعية مجاناً.
• واللواء الحسيني هو أول ضابط أصطحب المرحوم كرم زهدي في أول زيارة لمنزله وفي أول تجربة من هذا النوع فقرأ شخصية الشيخ زهدي وأنه لا يغدر وحينما طلب منه أن يذهب إلي مدرسة بناته لاصطحابهن معه إلي المنزل وافق مباشرة دون تردد، وكانت هذه الزيارة تدشينا لموافقه اللواء / رأفت علي قرابة ألف زيارة منزلية للسجناء والمعتقلين إلي بيوتهم ،وكانت هذه سوابق تاريخية لم تحدث من قبل وأظنها لن تحدث في تاريخ مصر الحديث.
• مد الله في عمر اللواء الحسيني وجزاه الله خيراً عن كل مكروب ومريض وطالب معتقل خير الجزاء فقد غمر الآلاف بإحسانه حتى أفرج عنهم جميعاً، وخدم معظمهم بعد خروجهم في السعي لتوظفيهم أو إعادتهم لوظائفهم أو عودة مستحقاتهم المالية،أو مساعدتهم في صرف قضايا التعويضات لهم، وكل هذا كان من إحسانه ولم يكن من صميم عمله الأمني ، ولكنه كان يشعر بالسعادة إذا ما أسعد الخلائق،وكان يرى أن دمج المعتقلين في المجتمع بسلاسة من أسرار نجاح المبادرة.
• تحية للواء / علاء الحسيني ” صانع المعروف”من قلب أحبه ويحبه، وتحية لكل صناع المعروف.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى