معجزة تكريم النبي وأهمية الصلاة والمسجد الأقصى: الإسراء والمعراج فى القرآن والسنّة
بيان
رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حدث عادي، بل هي معجزة عظيمة من معجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ورحلة فريدة لم يسبق لبشر أن قام بها، وذلك بعد أن عانى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صنوفًا شتى من المحن التي واجهها من قريش، لا سيما بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته المخلصة خديجة ـ رضي الله عنها ـ. وبلغت المعاناة ذروتها عند عودته من الطائف، حيث ناله من أهلها أذى عظيم تركه مثقلًا بالحزن والهم.
وفي ظل هذه الأحزان وصدود القوم عن الإيمان، ومحاربة الدعوة الإسلامية بشتى الطرق، شاءت رحمة الله بعبده ونبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تخفف عن قلبه المحزون، فجاءت معجزة الإسراء والمعراج كتسرية ورفعة له، وأظهرت هذه الرحلة مكانة وفضل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتكريم الله ـ عز وجل ـ له، كما أكدت على أن الإسلام دين الفطرة، وبيّنت عظمة الصلاة وأهميتها في الإسلام، إلى جانب إبراز مكانة المسجد الأقصى وأهميته الكبيرة للمسلمين.
الإسراء والمعراج: تعريف ومعنى
الإسراء: هو رحلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي أخذه فيها الله سبحانه وتعالى ليلًا من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بمدينة القدس (إيلياء)، ثم عودته في نفس الليلة.
المعراج: هو صعود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المسجد الأقصى إلى السماوات السبع وما فوقها، حيث بلغت الرحلة سدرة المنتهى، وهناك فرضت الصلوات الخمس، قبل أن يعود إلى المسجد الأقصى في جزء من الليل.
ثبوت الإسراء والمعراج
الإسراء في القرآن الكريم: ورد ذكر الإسراء صراحة في قوله تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1).
المعراج في السنة النبوية: أثبتت المعراج أحاديث صحيحة متواترة رواها كبار الصحابة وتلقتها الأمة بالقبول. أخرجها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، كما أوردتها كتب الحديث والسير والتفسير المعتمدة.
إشارة المعراج في القرآن الكريم: يرى بعض العلماء أن المعراج وإن لم يُذكر صراحة في القرآن، فقد أشير إليه في سورة النجم في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم: 13-18).
الرواة
26 صحابيا وصحابية رووا حديث الإسراء، كما ورد فى السيوطي حيث قال: ” أن الإسراء ورد مطوَّلاً ومختصرًا من حديث أنس وأُبَيِّ بن كعب وبُرَيْدَة، وجابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وسَمُرة بن جُنْدُب، وسهل بن سعد وشدَّاد بن أوس وصُهَيب، وابن عباس وابن عمر وابن عمرو، وابن مسعود وعبد الله بن أسعد بن زرارة وعبد الرحمن بن قُرْط، وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومالك بن صعصعة، وأبي أُمَامَة وأبي أيُّوب وأبي حبَّة، وأبي الحمراء وأبي ذَرٍّ وأبي سعيد الخدري، وأبي سفيان بن حرب وأبي ليلى الأنصاري وأبي هريرة، وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر، وأم هانئ وأم سلمة .. وعدَّ الإمام القسطلاني في المواهب اللدنِّيَّة ستَّة وعشرين صحابيًّا وصحابيَّة رَوَوْا حديث الإسراء والمعراج، لذا فهو حديث متواتر مع نصِّ القرآن عليه في سورتي الإسراء والنجم ” .
الحدث
وفى البخارى رواية الحدث فى حديث مطول جاء فيه:
“عن مالك بن صعصعة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بينا أنا عند البيتِ بين النائمِ واليقظانِ – وذكر: يعني رجلاً بين الرجلين – فأُتيتُ بطستٍ من ذهبٍ ، مُلِئَ حكمةً وإيمانًا، فشُقَّ من النحرِ إلى مَراقِّ البطنِ، ثم غُسِلَ البطنُ بماءِ زمزمَ، ثم مُلِئَ حكمةً وإيمانًا ، وأُتيتُ بدابَّةٍ أبيضَ دون البغلِ وفوقَ الحمارِ: البُراقُ، فانطلقتُ مع جبريلَ حتى أتينا السماءَ الدنيا، قيل : من هذا؟ قال جبريلُ، قيل: من معك؟، قيل: محمدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيتُ على آدمَ فسلمتُ عليه، فقال مرحبًا بك من ابنٍ ونبيٍّ, فأتينا السماءَ الثانيةَ، قيل: من هذا، قال: جبريل، قيل: من معك؟، قال محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قيل: أُرسِلَ إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فأتينا السماءَ الثالثةَ, قيل: من هذا، قيل: جبريلُ، قيل: من معك؟، قيل: محمدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيتُ على يوسفَ فسلمتُ عليه، قال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فأتينا السماءَ الرابعةَ، قيل: من هذا؟، قيل: جبريلُ، قيل: من معك؟، قيل: ـ محمدٌ صلى الله عليه وسلم ـ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، قيل: نعم، قيل: مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيتُ على إدريسَ فسلمتُ عليه فقال: مرحبًا من أخٍ ونبيٍّ، فأتينا السماءَ الخامسةَ ، قيل: من هذا؟، قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟، قيل: محمدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتينا على هارونَ فسلمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فأتينا على السماءَ السادسةَ، قيل: من هذا؟، قيل: جبريلُ، قيل: من معك؟، قيل: محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيتُ على موسى فسلمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فلما جاوزتُ بكى، فقيل: ما أبكاكَ؟، قال: يا ربِّ هذا الغلامُ الذي بُعِثَ بعدي ، يدخلُ الجنةَ من أمتِه أفضلُ مما يدخُلُ من أمتي، فأتينا السماءَ السابعةَ، قيل: من هذا؟، قيل: جبريلُ، قيل: من معك؟، قيل: محمدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، مرحبًا به ونِعمَ المجيءُ جاءَ ، فأتيتُ على إبراهيمَ فسلمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من ابنٍ ونبيٍّ، فرُفِعَ لي البيتُ المعمورُ، فسألت جبريلَ فقال: هذا البيتُ المعمورُ، يصلي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملَكٍ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخِرَ ما عليهم، ورفعت لي سِدرةُ المنتهى، فإذا نبقُها كأنه قلالُ هجرَ، وورقَها كأنه آذانُ الفيولِ، في أصلِها أربعةُ أنهارٍ: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألتُ جبريلَ، فقال: أما الباطنان ففي الجنةِ، وأما الظاهران النيلُ والفراتُ، ثم فرضت عليَّ خمسون صلاةً، فأقبلتُ حتى جئتُ موسى فقال: ما صنعتَ، قلتُ : فرضت عليَّ خمسون صلاةً، قال : أنا أعلمُ بالناسِ منك، عالجتُ بني إسرائيلَ أشدَّ المعالجةِ، وإن أُمتَّك لا تُطيقُ، فارجع إلى ربِّك فسلْه، فرجعتُ فسألتُه، فجعلَها أربعين، ثم مثلَه، ثم ثلاثين، ثم مثلَه، فجعل عشرين، ثم مثلَه ، فجعلَ عشْرًا، فأتيتُ موسى فقال: مثلَه ، فجعلها خمسًا، فأتيتُ موسى فقال: ما صنعتَ، قلتُ جعلَها خمسةً، فقال مثلَه: قلتُ: سلَّمتُ بخيرٍ، فنوديَ: إني قد أمضيتُ فريضتي وخفَّفتُ عن عبادي، وأجزي الحسنةَ عشْرًا )”.. رواه البخاري .
مشاهد الجنة فى الرحلة المباركة
ويروى البخارى عن الصحابة ما رآه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مشاهد الجنة فى رحلته المباركة فيقول:
“رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحلته المباركة الكوثر، وهو نهرٌ خصه الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إكرامًا له، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر ) رواه البخاري”.
ووقف على مشاهد النار والعياذ بالله
وفضلا عن أن رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد عاين مشاهد من الجنة ونعيمها، وفي المقابل، وقف على بعض أحوال الذين يعذّبون في نار جهنم، ومنهم الذين يقعون في الغيبة ويخوضون في أعراض المسلمين، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) رواه أبو داود .
ورأى أقوامًا تقطَّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل – عليه السلام -: ( هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟ ) رواه أحمد وصححه الألباني .
الدروس المستفادة
جاءت معجزة الإسراء والمعراج لتخفف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتعزز مكانته عند الله عز وجل، كما أكدت على مكانة الصلاة وأهميتها في الإسلام، وأبرزت قيمة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين.