وثائق ومستندات شتاء 25 يناير (5) المؤسسة التى دفعت لنشر الانقلاب الجنسي وتجهيز كوادر بديلة للحكم

عاطف عبد الغنى يكتب:

ملخص:

كشفنا فى الحلقة السابقة من هذه السلسلة عن وثيقة مسربة مرسلة من السفارة الأمريكية فى القاهرة إلى واشنطن عام 2007 تظهر جانبا من دور منظمات أمريكية مثل “بيت الحرية” و”المعهد الوطني الديمقراطي” في تنفيذ أجندات سياسية، بما في ذلك دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين، وذلك بزعم الإصلاح.

وأشارت الرسالة (الوثيقة) إلى تقديم الولايات المتحدة منحًا مباشرة لحوالي 40 منظمة غير حكومية مصرية، هذا غير تخصيص 66.5 مليون دولار لعام 2008 و75 مليون دولار من ميزانية الولايات المتحدة لعام 2009 لدعم منظمات المجتمع المدني والدبلوماسية الموازية العاملة فى مصر.

تلقى “بيت الحرية” منحة بقيمة 900 ألف دولار، بينما تم توجيه تمويلات أخرى لدعم قضايا الإخوان المسلمين تحت غطاء “سجناء رأي”، رغم أن أنشطتهم كانت محظورة قانونيًا.

كما قدمت الولايات المتحدة منحًا مباشرة لحوالي 40 منظمة غير حكومية مصرية، بهدف تعزيز التغيير السياسي وممارسة ضغوط على الحكومة.

وأظهرت الرسالة أن هذه التمويلات شكلت أدوات ضغط سياسية واستراتيجية لتوجيه التحولات في مصر بما يخدم الأجندة الغربية والصهيونية، مع التخطيط لتغييرات سياسية محتملة في حالة حدوث فراغ في السلطة.

ونكمل باقى حكاية مؤسسات التمويل فى التالى:

ما الحكاية؟

لم تكن الحكومة الأمريكية وحدها هي الجهة التي تقدم الدعم المالي للنشطاء في مصر، فقد كانت هناك مؤسسة أخرى، تعمل تحت مظلة وزارة الخارجية الأمريكية وبدعمها، لكن لها قصة مختلفة في إدارة الأموال وضخ الدولارات لتنفيذ ما يُعرف بـ”مخطط التغيير”.

والمؤسسة التى سوف نكشف عنها فى السطور التالية، تُعد من أبرز وأخطر المؤسسات، والأدوات المستخدمة في تمويل الأنشطة السياسية والمجتمعية تحت غطاء دعم الديمقراطية، لكنها في الحقيقة كانت جزءًا من استراتيجية أوسع لتهيئة الأوضاع لتغيير سياسي موجه.. ما الحكاية؟.

الحكاية هى المؤسسة التى اشتهرت باسم “نيد (NED)، والحروف الثلاثة اختصار لمسمى: “ National Endowment for Democracy” وترجمتها: الوقفية الوطنية للديمقراطية.

ومن البداية نؤكد أن “نيد” هى المؤسسة الضالعة فى تمويل نشاطات الربيع العربي، والكشف عن حقيقتها هو كشف عن جزء كبير من خفايا الدعم الأمريكي.

نيد
نيد

النشأة والتوصيف

نشأت “نيد” المؤسسة الرئيسية لتمويل نشاطات ونشطاء “الربيع العربي” من بقايا الصراع الطويل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) خلال سنوات الحرب الباردة التى امتدت بين القطبين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، وحتى تفكيك الاتحاد السوفيتى (الإعلان الرسمى 26 ديسمبر 1991).

من قلب هذا الصراع خرجت إلى النور “نيد” (NED) وأمثالها، تلعب أدوارا رئيسية فى تنفيذ أجندات التغيير السياسي والاجتماعي فى الدول المستهدفة من الغرب الأمريكى بهذا التغيير تحت مظلة شعارات مثل: “التحول الديمقراطي”.

وتمثل “نيد” كيانًا ضخمًا يشرف على نشاطات واسعة تهدف إلى دعم تغيير الأنظمة السياسية في الدول المستهدفة، وهذا التغيير غالبًا ما يتم عبر إحداث تحولات عنيفة أو غير مباشرة تمكّن من إيصال أفراد مؤمنين بالعولمة والليبرالية الجديدة إلى مراكز السلطة، ودور هؤلاء الأفراد بعد أن يصلون إلى السلطة هو أن يتبنوا قيمًا ومفاهيم تتماشى مع المصالح الغربية، ما يضمن تبعية سياسية واقتصادية دائمة للغرب، (ويزيد بالنسبة للعرب أن هناك أيضا حسابات تتعلق بإسرائيل ومشروعاتها فى المنطقة).

 كما تعمل المؤسسة على تمهيد الطريق لتتحكّم مؤسسات العولمة في الدول المستهدفة، وربط اقتصاداتها بمنظومة الرأسمالية العالمية.

أما التوجه الأخطر فى عمل هذه المؤسسة فهو العمل على تفكيك القيم الدينية، حيث تسعى إلى تقويض واختراق عقيدتى الإسلام والمسيحية الشرقية، بوصفهما عقبة تمدد ونشر قيم الليبرالية الجديدة، وكذا أمام تحقيق أهداف الصهيونية الدينية والسياسية.

الجندر وهدم الفطرة الإنسانية

على سبيل المثال من أبرز أدوات “نيد” هي نشر سياسات “الجندر”، التي تعيد تعريف الأدوار الطبيعية للذكر والأنثى. وتُشجع هذه السياسات على تهميش الفطرة الإلهية في خلق الإنسان عبر ما يمكن وصفه بـ “الانقلاب الجنسى”، والترويج لفكرة أن الأدوار الاجتماعية قابلة للتغيير والتبادل، وهو ما يؤدي إلى تعزيز مفاهيم مثل زواج المثليين، والتقليل من أهمية الارتباط الطبيعي بين الرجل والمرأة كأساس لتكوين الأسرة.

وإذا ما ناقشت أصحاب مفاهيم المثلية، وعدم الاعتراف بالفروق البيلوجية التى أوجدها الله بين الذكر والأنثى لهدف عمار الكون، وماذا عن التناسل؟ بمعنى ماذا أنتم فاعلون فى مسألة الإنجاب؟، تتلخص إجابتهم فى أن هذا قضية جانبية تُحل بطرق اصطناعية،

ويظهر ما سبق أن الهدف النهائي لهذه السياسات ليس فقط تغيير الأنظمة السياسية، بل أيضًا إحداث انقلاب ثقافي واجتماعي جذري يقوض القيم والمعتقدات التقليدية، ويساهم في مزيد من التفسخ الاجتماعي، ويمهد الطريق لسيطرة أفكار ومؤسسات الغرب على العالم.

والنسوية

ومن ضمن الأجندات الهادفة للتحولات الاجتماعية، تم – أيضا – تعزيز مفاهيم النسوية (الفيمينزم) والترويج لها، بالإضافة إلى نشر ثقافة “اليونسيكس unsex” لتنتشر اجتماعيا، وتراها في محلات الملابس التى تعرض ملابس تصلح للجنسين والمكياج إلى آخره، والهدف النهائى من وجهة نظرهم هو تغيير فطرة الله فيما يخص الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث، لصالح الدور الاجتماعى، وكل ذلك جزءًا من حملات نشر المثلية الجنسية، وإسقاط مؤسسة الأسرة التي جعلها الخالق نواة المجتمع البشري، والعامل الأول والرئيسى في عمارة الأرض.

وتم تحويل تلك الأفكار إلى برامج للتنفيذ، وتم تمويل نشطاء في مصر لتبني هذه المفاهيم والدفاع عنها، وسوف ننشر في حلقة قادمة، أسماء النشطاء والمبالغ التي حصلوا عليها، كما كشف عنها التقرير الصادر من  ” نيد NED”.

 “نيد” تتحدث عن نفسها

في تقرير لها نشرته بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها، حكت “NED” تفاصيل رحلتها منذ نشأتها، موضحة أهدافها ونشاطاتها.

تحدث فى التقرير نائب رئيس المؤسسة، ديفيد لوى، موضحا أن “الوقفية الوطنية للديمقراطية” تأسست في بداية الثمانينيات من القرن العشرين الماضي، بناءً على فكرة أن نشر الديمقراطية كبديل للمساعدات الأمريكية في دول العالم يعد أمرًا مفيدًا للولايات المتحدة ولمن يكافحون من أجل الحرية والحكم الذاتي في جميع أنحاء العالم.

وحسب التقرير كانت نية الولايات المتحدة من إنشاء “نيد” هى تقديم نموذج عملي للعديد من البلدان الأوروبية والدول الحليفة، يُحتذى به في تأسيس منظمات غير حكومية مشابهة تتلقى تمويلًا عامًا لتنفيذ مبادرات الديمقراطية.

وكان الهدف (والكلام لنائب رئيس المؤسسة) أن تفكر البلدان الأخرى في تبني نماذج مشابهة لـ “نيد” للمشاركة في حركة عالمية تهدف إلى نشر قيم الديمقراطية.

 من الإمبريالية إلى الحرب الباردة

ويزعم التقرير أن أفكار الأمريكان المتعلقة بنشر الديمقراطية حول العالم نشأت مع تأسيس بلادهم. لكن الواقع يدحض هذا الزعم، فلم يكن الهدف أبدا نشر الديموقراطية، ولكن الهدف كان دعم الأنشطة الاستخباراتية الأمريكية ضد المعسكر الشيوعي، وعلى رأسه الاتحاد السوفيتى.

وفى هذا الصدد تقدم عضو الكونجرس عن ولاية فلوريدا، دانتي فاسيل، بمشروع قانون في أبريل 1967 لإنشاء معهد خاص بالشؤون الدولية.

ومن شأن هذا القانون، في حال الموافقة عليه، أن يسمح بتوفير تمويل علني لبرامج تهدف إلى تعزيز القيم الديمقراطية في البلدان التي تستهدفها أمريكا أو هذا ما أعلن.

وعلى الرغم من أن مشروع القانون لم يُوافق عليه، إلا أنه فتح باب المناقشات داخل الإدارة الأمريكية والكونجرس، وأثار أسئلة حول كيفية تطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة الشيوعية، بحجة نشر ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية.

نقلة هامة 

وجاءت الخطوة التى مثلن نقلة هامة للتنفيذ مع تولي الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الحكم في أواخر السبعينيات من القرن الماضى، حيث جعل من نشر ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي عام 1978، عاد عضو الكونغرس فاسيل، الذي انضم إليه دونالد فريزر، لتقديم مشروع قانون جديد للكونجرس ينص على إنشاء منظمة غير حكومية مستقلة (quasi-autonomous non-governmental organization) تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان، وكان هذا المشروع بمثابة تمهيد لإنشاء معهد لحقوق الإنسان والحرية، يقدم المساعدة الفنية والمالية للمنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق الإنسان في الخارج.

وفي نفس الفترة، وتحديدًا في ألمانيا أواخر السبعينيات، تم إنشاء نموذج آخر مماثل، حيث أسس الحزب الاتحادي الألماني عددًا من المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية بهدف إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية في ألمانيا التي دمرتها الحقبة النازية.

وعُرفت فى ألمانيا بوصفها مؤسسات “Stiftungen”، وعددها 4 وتمثل كل واحدة منها أحد الأحزاب السياسية الألمانية الأربعة، وتلقت هذه المؤسسات تمويلًا من خزينة الحكومة الألمانية الغربية (قبل توحيد الألمانيتين).

وفي الستينيات بدأت هذه المؤسسات في تقديم الدعم للمؤسسات النظيرة التى تتبنى نفس أفكارها في الخارج.

وبحلول منتصف السبعينيات، لعبت هذه المؤسسات دورًا بارزًا في دعم التحولات الديمقراطية في شبه الجزيرة الإيبيرية، وأغرى النجاح أفرادا فى أمريكا لإنشاء مؤسسات مشابهة للعمل فى الخارج، وشجعتها الحكومات الأمريكية وسهلت لها التمويلات، ومعظمها لا يمارس أنشطته فى الداخل الأمريكى، وغير مسموح له بذلك.

وتفاصيل أخرى لمن يرغب فى معرفة المزيد عن القصة السابقة عبر الرابط: https://www.ned.org/about/history/

اقرأ فى هذه السلسة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى