محمد أنور يكتب: السيرة النبوية المختصرة (محمد صلى الله عليه وسلم) (1 من 6)

بيان

شاءت رحمةُ الله تعالى أن تبعثَه بآخر الرسالات السماوية إلى الأرض، جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم بجوهر دعوات الأنبياء السابقين، وهو الإسلام، وكان عنوان رسالته هو الإسلام. جاء رحمةً مطلقةً لقومه وزمانه، ولمن يجيء بعدهم من الأقوام: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”.

هو محمدُ بن عبد الله بن عبد المطلب، ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد، هو سيدُ أبناء آدم وعبد الله، ورحمةُ الله المهداة للبشر.

يحلم عبد المطلب، ويتكرر الحلم له في منامه، وكان كل شيء واضحًا في الحلم؛ إن كائنًا عظيمًا يأمره بأمر حاسم: احفر زمزم… زمزم بئرٌ لا بد أن تكون بئرًا، لكن لماذا يريد منه الهاتف أن يحفر بئرًا؟
لا يوجد غير جواب واحد لهذا السؤال… لكي يشرب منه الحجاج الذين يجيئون إلى الكعبة.

جلس عبد المطلب على صحراء الجزيرة العربية في قلب الليل وراح يتأمل النجوم ويفكر في البئر والقصص القديمة التي كانت تُروى عنه، وانفجار المياه تحت قدم إسماعيل عليه السلام.

أشرقت الشمس على صحراء الجزيرة العربية، فخرج عبد المطلب إلى الناس وحدثهم أنه يريد أن يحفر بئرًا في ذلك المكان المحدد، وأشار بيده إلى المكان الذي حددته الرؤيا. رفضت قريش لأن المكان يقع بين صنمين من الأصنام التي يعبدها الناس، وانصرف عبد المطلب وهو حزين.

وقف أمام الكعبة ونذر لله نذرًا، قال: إذا وُلد لي عشرة أولاد، وبلغوا مبلغ الرجال وكبروا، حتى استطاعوا حمايتي في حفر البئر، فسوف أذبح أحدهم عند الكعبة تضحيةً وقربانًا. وكان قلب السماء مفتوحًا لكلمته، فلم يكد عامٌ واحد يمضي حتى وضعت زوجة عبد المطلب ابنها الثاني، وكل عام يمر كانت تلد ولدًا من الذكور، حتى انتهت تسعة أعوام، وصار عبد المطلب أبًا لعشرة أبناء.

ومر الزمن وكبر الأولاد وصاروا رجالًا، وصار عبد المطلب صاحبَ عصبية تمنع الأعداء عنه وتؤيده. حفر البئر في المكان الذي أشار إليه الهاتف، وتهيأ للتضحية بأحد أولاده وفاءً لنذره القديم.

أُجريت القرعة على أبنائه العشرة، فخرج اسم أصغر أبنائه، وكان اسمه عبد الله. لم يكد يظهر حتى ثار الناس ثورة شديدة: لا نترك عبد الله يُذبح أبدًا! كان عبد الله أنقى إنسانٍ في الجزيرة العربية كلها. وقالت شيوخ قريش ورؤساؤها: نذبح أبناءنا بدلًا منه ونفديه هو، لن نجد أحدًا في طيبته لو ذبحناه.

وذهب الناس يستفتون العرافة. قالت العرافة: كم الدية عندكم؟
أجابوا: عشرة من الإبل.
قالت: ارجعوا وأحضروا عشرة من الإبل، وأجروا القرعة عليها وعلى عبد الله، فإذا جاءت القرعة عليه فزيدوا الإبل عشرة، وأعيدوا القرعة، وزيدوها عشرة فعشرة حتى يرضى ربكم.

وظلوا يزيدون حتى وصل عدد الإبل إلى مائة. جاءت عليه القرعة أخيرًا بعد عشر مرات.

انهمرت دموع الناس فرحًا بنجاة عبد الله بن عبد المطلب، أكرم الفتيان وأحبهم في قريش. أُشعلت النيران في جبال مكة كلها ليهتدي إليها المسافرون والضيوف احتفالًا بزواج عبد الله من آمنة بنت وهب. ذُبحت الذبائح وأُطعم الناس الغرباء والفقراء والوحوش والطير.

مكث عبد الله مع آمنة زوجته شهرين اثنين في بيت العرس، ثم أذن مؤذن الرحيل، فخرج عبد الله إلى رحلته مسافرًا مع قافلة قريش التجارية إلى الشام. كانت آمنة بنت وهب لا تعرف أنها المرة الأخيرة. بعد شهر واحد من رحيله، زار أخواله من قبيلة بني النجار في المدينة، وهناك وضع جسده على الأرض ومات.

مات عبد الله بن عبد المطلب وعمره خمسة وعشرون عامًا. انتشر خبر موته مؤلمًا كالحريق. حتى إذا وصل الخبر إلى زوجته آمنة بنت وهب، انكفأت العروس تبكي وتنتحب وتسأل سؤالًا لم تكن تعرف لحظتها جوابه: لماذا فداه الله بمائة من الإبل إذا كان قد قُدِّر له الموت بعدها بقليل؟

وتحرك في رحمها الجنين حركة خفيفة، وعادت تبكي عندما أدركت أنها حامل. بكت مرتين: مرة لنفسها، ومرة لهذا الطفل اليتيم الذي مات أبوه قبل أن يولد.

لم تكن تعرف أن هذا اليتيم الذي يتحرك في بطنها يجب أن يكون يتيمًا، وأن هذا اليتيم سيكون مسؤولًا عن حمل آلام اليتامى والمساكين والحزانى في الأرض. سيكون آخر الأنبياء ورسل الله إلى الناس، سيكون رحمةً مهداةً إلى البشر. ولا يعرف الرحمة إلا من ذاق الحزن وعرف الآلام. وها هو ذا الطفل يتغذى قبل أن يولد من دماء الحزن العميق النبيل ذاته.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى