أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٩)

بيان

لقد أنهيت للتوّ جلبة هائلة تحدث في منزلنا، بمجرد تطبيق نصيحتك، وتخصيص ميزانية محددة للإنفاق، سلمت المال لابنتنا المراهقة التي تفضل دائمًا ارتداء أحدث موضة في الجينز واقتناء أغلى محفظة… إلخ،، وكان زوجي قد توقف عن العمل السنة الماضية، وليس لديه سوى بعض الوظائف الغريبة لتأمين المال، بينما كنت أنا أعمل بحضانة أطفال محلية ولا أجني الكثير من المال،، على الدوام أشعر بالإحباط من سماع “تشارلين” وهي تنتحب بشأن ملابسها الغير جذابة بما فيه الكفاية – حسبت كمية المال الذي أنفقناه على ملابسها خلال السنة، ومن ثم أخبرتها بالميزانية المفترضة، وبأننا قررنا إعطائها المال شهريًّا، وعليها إيجاد أنسب طريقة لإنفاقه.

في المرة الأولى أنفقت المال بأكمله على قطعة ملابس واحدة، ولم نعطِها المزيد لتشتري الباقي كما اعتدنا سابقًا، هكذا فهمت الأمر بأن هذا أقصى ما نستطيع،، في الشهر التالي بدأت هي وصديقتها بالتسوق أثناء التزيلات ومن الأماكن التي تُعاد فيها البضائع المباعة،، والآن كلتاهما تكتبان لبعضهما البعض عن المال الذي ادّخرتاه، ولا تتحدثان عن ثمن السلع التي قامتا بشرائها – بالطبع تطلب الأمر بعض الألم أثناء التسوق بالنسبة لي، حتى حدث هذا التحول الفارق.

آندريا، ولاية ميتشجان.

انتهى اقتباس تجربة شخصية من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” لعالم النفس الأمريكي الشهير دكتور “كيفن ليمان”.

والخلاصة عزيزي القاريء من الاقتباس الأخير، أن سمة خطأ كبير نقترفه في حق أنفسنا، وأبنائنا أيضًا عن قصد، خلال أعقد مرحلة من مراحل حياتهم، وهي “المراهقة” – المرتكزة في الأساس على دوافع عاطفية بحتة، تبدأ منذ الطفولة وتستمر بعدها بلا ضابط أو رابط، حيث نرفض فطامهم بطُعم “الاستقلال وتحمل المسؤولية” في الوقت المناسب – وعليه يتواصل دعمنا الغير مشروط، أما الطرف الثاني وهم مراهقينا، فيستغلون الموقف أسوء استغلال باستنزاف قدرات الأبوين بلا هوادة، حيث أصبحت عادة، تعودوا عليها في غياب الإحساس بضرورة تبادل عاطفة الاحتواء بيننا وبينهم، والميل للتضامن الأسري ونكران الذات – وهذا البناء الاجتماعي الخاطيء يدعم بدوره سلوكيات مكتسبة مثل الأنانية وحب الاستحواذ من جانب الأجيال الحالية، وتتوارثها الأجيال الجيل تلو الآخر، ونحن نكون السبب في ذلك، بعدم زرعنا لروح الإنتماء بداخلهم، والمشاركة والصبر على الشدائد، بفكر مثمر ومستنير.

والدليل على كل ما سبق، أن بطلة التجربة الشخصية السابقة، رغم أنها كانت تعمل بحضانة أطفال لتساعد زوجها الغير مستقر بعمل ثابت، وكليهما دخله محدود، ومع إلمام ابنتهما المراهقة بتلك الظروف عن قرب – إلا أن الأخيرة لم تكترث بكل هذا، واستمرت في إظهار أنانية واضحة، بتفضيلها الإنفاق ببذخ على أحدث موضة من الملابس، وشراء أثمن المقتنيات – حتى غير الأب والأم من استراتيجيتهما الإنفاقية عليها، وحددا لها مبلغًا مخصصًا للتسوق، وتركاها تذهب لتدبر أمرها بمفردها، فاكتسبت الأبنة عادات جديدة تتسم بالذكاء والإبداع، مثل التسوق أثناء وجود تخفيضات، ومن الأماكن التي تتيح لها تبديل أو إرجاع البضاعة المباعة، كذلك كانت لها صديقة تشترك معها في نفس الصفات الإيجابية، وهذا تطور اتصالي آخر تم اكتسابه مع الوقت – حيث أن الأبناء يميلون خلال تلك المرحلة إلى حب التظاهر والتفاخر أمام أقرانهما من الشباب.

وفي رأيي أن بعض الظواهر المارقة مثل عدم احترام الآخر، والتنمر، وجنون العظمة، أساسه يكون الاتكاء المبكر من الأطفال على الأهل والاستقواء بهم – حتى وإن كانوا على خطأ، في وجود التغافل وغياب الحساب أو التوجيه، لذا نجد ألفاظًا خادشة للحياء، وعنف غير مبرر بالمدارس وربما الحضانات، واستخدام لغات سوقية مبتذلة داخل البيوت، يتم اعتمادها من الأهل بكل رضا وخضوع، واعتبارها تطورًا اتصاليًا مقبول، بحجة اختلاف الزمن والتجارب الشخصية بالشارع، والتعرض لبعض تطبيقات التواصل والميديا، والحل في منع تلك الشخصية العشوائية غير المنضبطة من الالتصاق بأبنائنا المراهقين، وعدم تمكينها منهم، هو ثقلهم بروح المسؤولية في كل قول وفعل، وإدراكنا بأن تأسيسنا لهم دينيًا وتربويًا هو الملاذ الآمن لاستقامتهم وصك الطمأنينة لقلوبنا تجاههم.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى