عاطف عبد الغني يكتب: ذلك الشتاء

بيان
كان شتاءً استثنائيًا، صعبًا وقاسيًا بكل المقاييس، ذلك الذى بدأ فى يوم الثلاثاء 25 يناير 2011، حين خرجت حشود ، أغلبها من الشباب ، إلى الشوارع و الميادين ، فى مشهد غير مسبوق، كان يحرسهم رجال الأمن، وقد تحاشوا أن يدخلوا معهم فى مواجهات مباشرة، بل حاولوا احتواء الأوضاع وتحديد مسارات الجموع فى الشوارع الرئيسية، بهدف تفادي التصعيد ومنع الشلل عن حركة الحياة اليومية.

فى عصر ذلك اليوم، كنت أحاول الوصول من الدقي إلى وسط البلد بسيارتى، وسط حشود الشباب، وكان واضحا بينهم مجموعات من الألتراس انتشرت فى الشوارع ، بعضها صغير، وأخرى أعدادها كبيرة.

القلق كان يتسلل إلى نفسي، مع تأخرى عن مواعيدى، وغروب شمس الشتاء السريع ، وزحف الظلام، ورفقتى فى السيارة زوجتى وابناى الصبيان، وأنا أدارى قلقى عليهم.

وبقليل من الخسائر مر على الجميع اليوم الصعب، وأصعب منه ما كان ينتظرنا فى طيات نداءات تغذى الشر، معلنة وخفية، تحرض وتحشد شباب مصر للنزول فى مظاهرة مليونية يوم 28 من ذات الشهر، وصفوها بـ “جمعة الغضب”، وتوالت الجمع والأيام الحاشدة تحت مسميات أخرى موحية، وتصاعدت الحشود تحت مسميات تدعو للتغيير، وتحوّل الغضب النبيل، الذي عبّر فى البداية عن أحلام الشباب وطموحاتهم، إلى فوضى عارمة، وبدأت أيدٍ خفية تحرف المسار، لتحول الطاقة الإيجابية إلى حالة من الهدم.

مشاهد إحراق الممتلكات العامة، وفتح السجون، وإطلاق المجرمين فى الشوارع، كانت تصعب على العقل تصديقها.. كيف لمن يخاف على بلده أن يدمرها بنفسه؟ وكيف تم خداعه ليعتقد أن رجال الأمن ، الذين يحمونه، أعداؤه؟..

كانت حربًا مركبة، بدأت بهدوء عبر استهداف الوعي، وانتهت بحرب مفتوحة على الأرض، أزهقت الأرواح وأثرت فى مصير أمة بأكملها.

واستغرق المصريون نحو 30 شهرًا، من يناير 2011 إلى يونيو 2013، ليكتشفوا الحقيقة ويفرزوا الخائن من الوطنى، والمؤمن من الدعى، ويعيدوا تقييم ما جرى، وفى اللحظة التى استعادوا فيها وعيهم، عادوا إلى الميادين، لكن هذه المرة لتصحيح المسار واسترداد الوطن المختطف.

ودهشتى أنه فى استعادتى للأحداث، وأنا أكتب هذا المقال، هزنى مجددًا شجن أغان انتشرت وذاعت تلك الأيام، مثل أغنية “يا بلادي” مرثاة الشهداء، بنغمتها الحزينة وكلماتها المؤثرة، وأغنية “إزاي” لمحمد منير، التى تحمل عتابًا للوطن من أبنائه، وتلخص حالة العتاب ويأس الشباب وخذلانه عندما يقول لبلده: “أنا طفل اتعلق بيكى فى نص السكة وتوهتيه”، بالفعل كان كثيرون قبل 25 يناير 2011 قد دخلوا فى التيه، أما وقد عادوا منه فلن يعودوا إليه مرة أخرى.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى