د. إسلام جمال الدين شوقى يرسم تفاصيل مشروع طريق جديد للتجارة العالمية: الممر المصري الآسيوي

بيان

تقديم

فى السطور التالية يكشف الخبير الاقتصادى د. إسلام جمال الدين شوقى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، عن ملخص دراسة لمقترح بإنشاء مسار تجارى جديد يوزاى اقتصاديا ممر قناة السويس، لا يؤثر فى أهميتها بالنسبة لحركة التجارة العالمية لكنه يجهض المشاريع البديلة التى تم اقتراحها فى السنوات الأخيرة لـ “ضرب” قناة السويس .

د. إسلام جمال الدين شوقى
د. إسلام جمال الدين شوقى

والمشروع الاستيراتيجى المقترح، والذى أطلق الخبير الاقتصادى عليه اسم “الممر المصري الآسيوي” كان مجرد اقتراحا طرحه البعض من قبل تحت اسم “الممر الذهبى” دون إيضاح أى تفاصيل بشأنه إلا عنوانا رئيسيا يوضح أن مصر سوف تكون أحد أركانه الرئيسية ونقطة الارتكاز الأساسية ضمن نقاط تمثلها دول أخرى.

أما السطور التالية، فتحمل رؤية د. إسلام جمال الدين شوقى للخطوط الرئيسية للمشروع موضحا فيها جوانبه المختلفة، وأهميته، وضرورته لمستقبل مصر الاقتصادى والسياسى، فى ظل منافسة محمومة من بعض دول العالم والأقليم لإيجاد بدائل لقناة السويس المصرية.

 الموضوع:

يقول د. إسلام جمال الدين شوقى:

يشهد العالم اليوم تحولات كبيرة ومتسارعة جيوسياسية واقتصادية، وتحديات غير مسبوقة تتعلق بقناة السويس الشريان الحيوي والاقتصادي لمصر الأمر الذي جعل مشروع (الممر المصري الآسيوي) رؤية مستقبلية متكاملة واستجابة استراتيجية شاملة تجمع بين مزايا النقل البري والبحري لحماية المصالح الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتعزيز مكانة مصر كمركز لوجستي عالمي.

المخاطر والتحديات

من ناحيةً أخرى تتزايد المخاطر التي تواجه قناة السويس مع ظهور مشروعات منافسة لتحالفات دولية على رأسها إسرائيل التى تسعى إلى تنفيذ مسارين تجاريين رئيسيين:
الأول:
يمتد من موانئ الهند مرورًا بجبل علي وصولاً إلى ميناء إيلات، و (سكك حديد) إلى ميناء أشدود على البحر المتوسط.
الثاني:
وهو (ممر الحجاز) الذي يجمع بين الهند والإمارات وإسرائيل.
وتهدف هذه المشروعات إلى تقليص الاعتماد على قناة السويس كممر ملاحي رئيسي يربط بين الشرق والغرب.

ولقد أدت الأحداث الأخيرة في المنطقة والعمليات العسكرية في البحر الأحمر إلى تراجع في حركة الملاحة البحرية وانخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة تصل إلى 70%، ودفع العديد من شركات الشحن إلى البحث عن مسارات بديلة الأمر الذي يهدد على المدى البعيد المكانة الاستراتيجية لقناة السويس.

ولذلك يعتبر مشروع (الممر المصري الآسيوي) حلاً استراتيجيًا متكاملاً يقوم على إنشاء مسار تجاري يربط بين الهند والإمارات وميناء سفاجا المصري على البحر الأحمر، ويمتد عبر شبكة (سكك حديد) متطورة تصل إلى ميناء العلمين على البحر المتوسط، ويتكامل هذا المسار مع خط “سوميد” المخصص لنقل المواد البترولية من ميناء العين السخنة إلى الإسكندرية مما يوفر بديلاً استراتيجيًا لمشروعات نقل البترول المقترحة مع إسرائيل.

الأهمية الاقتصادية

وتتجلى الأهمية الاقتصادية لـ (الممر المصري الآسيوي) في القدرة على تنوع مصادر الدخل القومي المصري من خلال توفير خدمات لوجستية متكاملة وحديثة تجذب جزءًا كبيرًا من حركة التجارة العالمية خاصةً مع تزايد أهمية السرعة والمرونة في سلاسل التوريد العالمية.
ويحتاج المشروع بناء وتشغيل محطات متعددة الأغراض، ومراكز خدمات لوجستية، ومناطق تخزين، وورش صيانة بالإضافة إلى تطوير شبكات النقل البري والسكك الحديدية، الأمر الذي يحتاج إلى قوى عاملة مدربة ومؤهلة مما يساهم في خلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.

كما يعزز المشروع العلاقات التجارية مع دول شرق آسيا وأوروبا وإفريقيا من خلال ربط المسارات البحرية بأوروبا والطريق الدولي البري الممتد من الإسكندرية إلى جنوب إفريقيا مما يؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري الإفريقي مع أوروبا وآسيا، وتدعيم مكانة مصر وتعزيز دورها في التجارة العالمية.

ومما لا شك فيه أن مثل هذه المشروعات تستخدم أحدث التقنيات في مجال إدارة الموانئ الذكية، وأنظمة تتبع الشحنات والبضائع، وتحسين كفاءة العمليات، مما يساهم في تطوير القدرات التكنولوجية المصرية ويضعها في مصاف الدول المتقدمة في مجال النقل.

ومن المتوقع أن يساهم المشروع في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي المصري فزيادة حركة التجارة وتنوع الخدمات اللوجستية تؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي وتحسين الميزان التجاري وتعزيز قدرة مصر في التعامل مع الأزمات بتوفير مسارات بديلة ومرنة.

فتح آقاق جديدة

ولا شك أن المشروع يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع دول المنطقة والقوى الاقتصادية العالمية فمن خلال توفير خيارات متعددة للنقل والشحن يمكن لمصر أن تستفيد من موقعها الاستراتيجي كنقطة التقاء بين قارات العالم الثلاث، وهذا الموقع المتميز مدعومًا بالبنية التحتية المتطورة والخدمات اللوجستية الحديثة سيجعل من مصر شريكًا لا غنى عنه في سلاسل التوريد العالمية.

ومن الجوانب المهمة للمشروع دوره في تطوير المناطق المحيطة به فإنشاء محطات الشحن ومراكز الخدمات اللوجستية سيؤدي إلى نشوء مجتمعات عمرانية جديدة وتطوير المناطق القائمة، وسيساهم هذا التطور في إعادة توزيع السكان وخلق فرص تنموية جديدة في مناطق كانت مهمشة سابقًا.
ولابد من أجل نجاح مشروع (الممر المصري الآسيوي) أن تتضافر الجهود الحكومية والخاصة مع الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال النقل واللوجستيات.

كما يستلزم تطوير البنية التحتية وتحديث الأنظمة الإدارية والتشغيلية وتدريب وتأهيل الكوادر البشرية اللازمة لتشغيل وإدارة مرافق المشروع المختلفة لضمان كفاءة المشروع واستدامته.

التمويل

ولا شك أن الجانب التمويلي للمشروع يتطلب مزيجًا من التمويل الدولي والحكومي والخاص حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة المرحلة الأولى من المشروع قد تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، وتشمل تطوير البنية التحتية للموانئ وشبكات السكك الحديدية وإنشاء المراكز اللوجستية، ومع ذلك فإن العائد المتوقع على هذه الاستثمارات يجعل المشروع جاذبًا للمستثمرين خاصةً مع تزايد أهمية مصر كمركز للتجارة العالمية.

البعد البيئي

وهناك جوانب هامة يجب أخذها في الاعتبار منها البعد البيئي للمشروع، فعلى الرغم من أن المشروع يهدف إلى تعزيز حركة التجارة وتسهيل النقل إلا أنه يجب أن يراعي المعايير البيئية العالمية الأمر الذي يتطلب استخدام تقنيات صديقة للبيئة في كافة مراحل المشروع من تصميم الموانئ والمحطات إلى اختيار وسائل النقل والتخزين، كما يجب أن يشمل المشروع دراسات تقييم الأثر البيئي وخطط للتخفيف من أي آثار سلبية محتملة على البيئة البرية والبحرية.

كما يرتبط بالجانب البيئي أيضًا قضية استدامة الطاقة للمشروع فمع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة والمتجددة يجب أن يتضمن المشروع خططًا للاتجاه نحو الاقتصاد الأصفر القائم على استخدام الطاقة الشمسية، ويجب استخدام طاقة الرياح أيضًا في تشغيل المرافق المختلفة، وهذا التوجه لا يقلل فقط من البصمة الكربونية للمشروع، بل يساهم أيضًا في خفض تكاليف التشغيل على المدى الطويل.

البعد الاجتماعى

أما الجوانب الاجتماعية فهناك تأثير للمشروع على المجتمعات المحلية في المناطق التي يمر بها فإنشاء محطات الشحن والمراكز اللوجستية سيؤدي إلى تغيرات في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لهذه المناطق، وهذا يتطلب خططًا للتنمية المجتمعية تشمل برامج التدريب والتأهيل للسكان المحليين، وإنشاء مرافق خدمية وتعليمية تلبي احتياجات المجتمعات الجديدة التي ستنشأ حول مرافق المشروع.

البعد الأمنى

كما يجب الأخذ في الاعتبار البعد الأمني للمشروع فمع تزايد المخاطر الأمنية في المنطقة يجب أن يتضمن المشروع منظومة أمنية متكاملة لحماية المرافق والبضائع والعاملين، وهذا يشمل استخدام أحدث التقنيات في المراقبة والحماية، وتدريب كوادر أمنية متخصصة، والتنسيق مع الجهات الأمنية المحلية والدولية.
وفيما يخص الجانب الأمني فإنه يرتبط أيضًا بقضية الأمن السيبراني فمع اعتماد المشروع على أنظمة تكنولوجية متقدمة في إدارة العمليات وتتبع الشحنات فإنه يصبح من الضروري توفير حماية قوية ضد الهجمات الإلكترونية التي قد تستهدف هذه الأنظمة، وهذا يتطلب استثمارات في البنية التحتية التكنولوجية وتدريب متخصصين في الأمن السيبراني.

التعاون الأقليمى

ويعتمد المشروع بشكل كبير على التعاون الإقليمي والدولي في مجالات النقل والتجارة والجمارك، والتنسيق مع الدول المجاورة والشركاء التجاريين، مما يتطلب اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف لتسهيل حركة البضائع وتنسيق الإجراءات الجمركية والأمنية.

كما يجب أن يتضمن المشروع خططًا للتطوير المستمر والتحديث فمع تطور تكنولوجيا النقل واللوجستيات بشكل متسارع، ويجب أن تكون هناك مرونة في تصميم المشروع تسمح بإدخال التحسينات والتحديثات اللازمة، وهذا يشمل تحديث البنية التحتية والأنظمة التكنولوجية وتطوير مهارات العاملين بشكل مستمر.

وبالنظر إلى المستقبل فإنه يمكن أن يكون مشروع (الممر المصري الآسيوي) نموذجًا يحتذى به في التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي الإقليمي فمن خلال الجمع بين التطور التكنولوجي والاستدامة البيئية والتنمية المجتمعية، ويمكن للمشروع أن يحقق أهدافه الاقتصادية مع المساهمة في التنمية الشاملة للمنطقة.

التحدى القادم

وختامًا فإن مشروع (الممر المصري الآسيوي) يُمثِل تحديًا يتطلب تضافر الجهود وتوفير الموارد اللازمة للتنفيذ، وفرصة لتعزيز مكانة مصر الاقتصادية وضمان مستقبل مستدام.
ومع توفر الإرادة السياسية والدعم المجتمعي والتخطيط السليم يمكن لهذا المشروع أن يكون نقطة تحول في مسيرة التنمية الاقتصادية المصرية محققًا رؤية مصر في أن تصبح مركزًا عالميًا للتجارة واللوجستيات، ومحققًا الأهداف المرجوة منه في تعزيز الأمن الاقتصادي المصري وضمان استدامة النمو في المستقبل.

طالع المزيد:

#الممر_الذهبي #قناة_السويس #ممر_الحجاز #ميناء_إيلات #جبل_علي #مصر #الهند #الإمارات #إسرائيل #مركز_لوجستي_عالمي #الاقتصاد_المصري #الاقتصاد_الأصفر #الأمن السيبراني #الملاحة_البحرية #البحر_الأحمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى