طارق صلاح الدين يكتب: تخاريف ترامب وفشل نتنياهو 

بيان

لا يمكن بأي حال من الأحوال تحليل تصريحات ترامب المنفلتة بشأن ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة بمعزل عن الفشل الذريع لنتنياهو وأهدافه المعلنة في إطار حرب غزة.

والأمر المؤكد أن تصريحات ترامب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بترتيبات اليوم التالي التي اشترطها نتنياهو، والتي ارتبطت بأهداف الحرب التي تجسدت في تحقيق النصر المطلق، وإنهاء حكم حماس السياسي لقطاع غزة، والقضاء على قدراتها العسكرية، وتحرير الرهائن الإسرائيليين بالقوة، وترحيل قيادات حماس العسكرية إلى خارج قطاع غزة، واحتلال شمال القطاع، وتنفيذ خطة الجنرالات هناك، واحتلال دائم لمحوري فيلادلفيا ونتساريم، علاوة على الإغلاق النهائي لمعبر رفح، وإعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، وفرض حكم عسكري أو إنشاء إدارة بديلة للقطاع.

وبعد فشل جميع الأهداف التي أعلنها نتنياهو، وقبوله بصفقة تبادل الأسرى وعودة النازحين إلى شمال القطاع، بالإضافة إلى مظاهرات السلاح الصاخبة التي نظمتها وحدة الظل داخل حماس خلال عمليات تسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر، والتي بدت كما لو كانت عرضًا عسكريًا واستعراضًا للقوة خلال مراحل التسليم، والتي انتهت اليوم السبت خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين الثلاثة إلياهو شرعبي، وأول إبراهام، وأوهاد بن عامي، بلافتة ضخمة تعلو منصة التسليم، وتمت كتابة عبارة “نحن الطوفان ونحن اليوم التالي”.

وحرص رجال وحدة الظل على الانتشار في منطقة التسليم بـدير البلح وهم يحملون رشاشات وأسلحة، تم استخدام بعضها في حرب غزة، مثل بندقية الغول، بالإضافة إلى تعليق صور القادة محمد الضيف، ويحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومروان عيسى على منصة التسليم.

وبلغت حماس أقصى درجات التحدي والتهكم على نتنياهو بكتابة عبارة “النصر المطلق” على المنصة، بخلاف ظهور الأطفال بملابس القسام في رسالة واضحة للدلالة على استمرار المقاومة.

ولعل كافة التطورات السابقة تكشف بجلاء فشل جميع أهداف الحرب الإسرائيلية، والأداء الأمريكي لها في غزة، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى محاولة إنقاذ صديقه نتنياهو من مأزقه الرهيب بسحب القضية برمتها إلى مصير غير محسوب بالمرة، ويتغلب على تحديات اليوم التالي التي فشلت إسرائيل في ترتيبها، وذلك من خلال مقترح تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة طواعية إلى الأردن ومصر لتحويل غزة إلى “ريفيرا أخرى”.

وهذا هو الجزء المعلن من خطة ترامب، التي أغفلت مصير هذه الريفيرا بعد إقامتها، وطبيعة سكانها، ومستقبلها السياسي. وكأن ترامب أراد التخلص ليس فقط من عقبة اليوم التالي في القطاع، بل من غزة برمتها، مع تأكيده على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تدرس بعناية الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية.

الغريب في الأمر أن ترامب كان يتحدث بثقة مطلقة في قبول مصر والأردن لخطته بشأن غزة، وكذلك إعلانه عن استقبال الكثير من دول العالم لمقترحه بحفاوة بالغة، دون أن يعلن عن أسماء هذه الدول.

ورغم الرفض المبدئي الصادر عن الأردن ومصر لخطة ترامب، إلا أن الأخير أعاد التأكيد على ثقته الشديدة في قبول الدولتين بمقترحه، من منطلق المساعدات الوفيرة التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لمصر والأردن في الماضي، وأن على الدولتين التعاون مع خطته.

وعلى الفور، تحرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأردن والتقى بالملك عبدالله الثاني، الذي أعاد التأكيد على رفض خطة ترامب، وحث المجتمع الدولي على ممارسة دور أكثر فاعلية لوقف التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.

أما مصر، فقد أكدت من جديد وبشكل رسمي رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء عن طريق التهجير أو الاستيطان.

وعلى المستوى الشعبي، تحركت جموع من المصريين إلى معبر رفح لإعلان الرفض المطلق لخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء.

وفي مواجهة الموقف الأردني، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة إلى الأردن، والتي لا تقل عن 1.45 مليار دولار سنويًا، بموجب مذكرة التفاهم التي وقعتها عمان وواشنطن في سبتمبر 2022. وكان متوقعًا وصول هذه المساعدات بحلول 2025 إلى 2.1 مليار دولار، مع الإبقاء على المساعدات المقدمة لمصر رغم موقفها الرافض للتهجير.

ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل أصدر قرارًا بالسحب الفوري للسفيرة الأمريكية في العاصمة الأردنية يائيل لامبرت، التي تم تعيينها منذ فترة قصيرة.

وفي الوقت الذي صدرت فيه تقارير صحفية إسرائيلية وغربية تؤكد ترشيح دول مثل المغرب، وأرض الصومال، وبونتلاند لإعادة توطين أهل غزة بها في حالة رفض مصر والأردن ذلك، فإن الموقف الرسمي المغربي لم يتم إعلانه حتى الآن، رغم استنكار مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين لتصريحات ترامب.

وردًا على الموقف الرسمي السعودي الرافض لتهجير أهل غزة، والداعي إلى حل الدولتين، والمشترط إقامة دولة فلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية، أن السعوديين يمكنهم إنشاء دولة فلسطينية في المملكة العربية السعودية، لأن لديهم الكثير من الأراضي هناك.

وردًا على اشتراط السعودية قيام دولة فلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل، أعلن نتنياهو أنه لن يتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يعرض دولة إسرائيل للخطر.

وفي تطور بالغ الأهمية، وبعد رفض ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا، واسكتلندا، وتركيا، والبرازيل، والأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية لخطة ترامب الخاصة بتهجير أهالي قطاع غزة، أعلن ترامب أمس الجمعة، خلال لقائه برئيس وزراء اليابان في البيت الأبيض، أنه ليس في عجلة من أمره بشأن خطة التهجير في قطاع غزة، مما يؤكد استيعاب ترامب لردود الفعل العالمية الغاضبة بشأن خطته في غزة.

فهل يستمر الموقف الرسمي الأردني والمصري في رفض خطة ترامب بعد الزيارة المرتقبة للملك عبدالله الثاني إلى واشنطن يوم 11 فبراير، وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي المرجح القيام بها في الثامن عشر من فبراير؟ والتي لم تُؤكد حتى الآن، بعد إعلان المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية، سام وربيرغ، أنه لم يتم الإعلان رسميًا عن أي دعوة للرئيس المصري لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية.

أم يمارس ترامب المزيد من الضغوط عليهما في حالة إتمام الزيارتين للقبول بخطته بشأن غزة؟

ولعل وصف نتنياهو لخطة ترامب بأنها “خطة اليوم التالي للحرب”، يوضح تمامًا الاعتراف الصريح من نتنياهو بفشله في تحقيق أهداف الحرب في غزة، وإخفاق تصوره لليوم التالي للحرب، ويفسر بشدة محاولات ترامب لتحقيق ما فشل نتنياهو في إنجازه بالحرب.

ولا شك أن الغموض يكتنف التحركات الأمريكية خلف الكواليس، والتي يعتقد البعض بأن هدفها الأساسي هو ضم الضفة الغربية رسميًا إلى إسرائيل، وأن خطة ترامب بشأن تهجير أهل غزة مجرد غطاء لهذا الضم، يتم التنازل عنه مقابل غض الطرف العربي والعالمي عن ابتلاع إسرائيل للضفة الغربية وتهجير سكانها إلى قطاع غزة.

بينما يرى البعض الآخر أن هذا المخطط لضم الضفة الغربية لإسرائيل سيكتمل بترحيل أهل غزة، لتصفية قضية فلسطين إلى الأبد.

فهل سيستمر السيناريو كما تم التخطيط له؟
أم ستكون الكلمة العليا لأهالي الضفة الغربية وقطاع غزة والمقاومة؟

هذا ما سيجيب عنه قادم الأيام، الحبلى بالأحداث العاصفة والفاصلة في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

اقرأ ايضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى