د. إسلام جمال الدين شوقى: أمريكا والجنائية الدولية.. عندما تقف العدالة الدولية في قفص الاتهام
![د. إسلام جمال الدين شوقي](https://bayan-gate.com/wp-content/uploads/2022/04/1-10-780x470.jpg)
بيان
سألناه عن العقوبات الاقتصادية التى يحاول من خلالها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ابتزاز العالم، وإدخال خصومه الحظيرة الأمريكية، لكنه فاجأنا بأنه يريد لفت النظر إلى أمر أخر يراه لايقل خطورة عن العقوبات الاقتصادية، إن لم يكن يزيد فى خطورته على العالم، ألا وهو العقوبات التى أعلن ترامب عن فرضها على المحكمة الجنائية الدولية، والتى تمثل نقطة تحول خطيرة فى تاريخ العلاقات الدولية، حسب قول د. إسلام جمال الدين شوقى الخبير الاقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي.
يقول د. شوقى:
تتمثل خطورة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية فى أنه يعد تطورًا دراماتيكيًا في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمحكمة الجنائية الدولية، ونقطة تحول خطيرة في تاريخ العلاقات الدولية تعكس نمطًا متصاعدًا من السياسات الأحادية المتهورة التي تشهدها فترة رئاسته الحالية حيث يكشف هذا القرار عن خلل عميق في التعامل مع مؤسسة قضائية دولية محترمة، وعن فهم طبيعة النظام الدولي، ويفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل العدالة الدولية وآليات تطبيقها.
ويضيف: عند تتبع الموقف الأمريكي تجاه المحكمة الجنائية الدولية فإننا نجد أنه تعود جذور التوتر بسبب الرفض الأمريكي المستمر للانضمام إلى نظام روما الأساسي، وهو المعاهدة المؤسسة للمحكمة، ويرجع هذا الموقف بسبب المخاوف الأمريكية من إمكانية ملاحقة جنودها وضباطها قضائيًا على خلفية عمليات عسكرية خارج حدودها، ولكن الأزمة الحالية تأخذ شكلًا مختلفًا وأكثر حدة مع إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي يمثل تهديدًا مباشرًا لمصالح وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.
الظاهر والحقيقة
ويوضح د. شوقى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستند في ظاهره إلى حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية.. ويواصل:
لكن عندما نقوم بتحليل تفاصيله يكشف عن قصور منهجي في الرؤية السياسية وتجاهل متعمد للأعراف والقوانين الدولية، حيث يعد – إعلان “حالة طوارئ وطنية” لمواجهة مؤسسة قضائية دولية – تصعيدًا غير مبررًا وتضخيمًا مفتعلاً لا يتناسب مع طبيعة الموقف.
ويعكس هذا القرار نزعة ترامب المعتادة في تحويل الخلافات السياسية والقانونية إلى مواجهات وأزمات، وهو نهج أثبت فشله مرارًا في تحقيق المصالح الأمريكية على المدى طويل الأجل.
إن عدم عقلانية القرار تتجلي في حزمة العقوبات المفروضة على موظفي المحكمة، والتي تشمل تجميد الأصول وحظر الدخول إلى الأراضي الأمريكية.
وتُمثل هذه الإجراءات سابقة خطيرة في التعامل مع المؤسسات الدولية إذًا فكيف يمكن تبرير معاقبة قضاة ومدعين عامين دوليين لمجرد قيامهم بواجبهم المهني في التحقيق في جرائم حرب؟!.
ويضع هذا النهج الولايات المتحدة الأمريكية في موقف المتحدي للقانون الدولي، وهو موقف يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ العدالة والديمقراطية التي طالما تغنت بها أمريكا.
تداعيات قرار ترامب على العلاقات الدولية:
نقطة أخرى غاية فى الأهمية يشير إليها د. شوقى، وهى أن قرار الرئيس الأمريكي تسبب في أحداث شرخًا عميقًا في علاقاته الدولية، حيث عبر الحلفاء الأوروبيون عن رفضهم القاطع لهذه السياسات الأحادية، مضيفا ولا يجب الاستهانة بهذا الموقف الأوروبي فهو ليس خلافًا سياسيًا عابرًا، بل يكشف عن تباين جوهري في الرؤى حول طبيعة النظام الدولي ودور المؤسسات القضائية الدولية فبينما تتمسك أوروبا بأهمية تعزيز آليات العدالة الدولية تسعى إدارة ترامب إلى تقويض هذه المؤسسات وإضعاف دورها.
وما يزيد الأمر تعقيدًا هو التداخل المباشر للمصالح الإسرائيلية في هذه الأزمة فتبني ترامب الكامل للموقف الإسرائيلي ووصف المحكمة بأنها “معادية للسامية”، يمثل تسييسًا فجًا للقضاء الدولي، ولا يساهم هذا الخطاب المتطرف إلا في تشويه سمعة مؤسسة قضائية دولية محترمة، بل يقوض أيضًا مصداقية النضال الحقيقي ضد معاداة السامية من خلال استخدام هذه التهمة الخطيرة كأداة سياسية يحارب بها كل من يحاول تحقيق العدالة.
التحديات والأبعاد الاستراتيجية والأمنية
ويقول د. شوقى: عند تحليل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المحكمة الجنائية الدولية فإننا نكشف عن قصور استراتيجي في فهم التحديات الأمنية المعاصرة فبدلاً من قيامه بتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الدولية والإرهاب فإننا نجده يختار نهج المواجهة والعزلة، ويضعف هذا النهج من قدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات المشتركة ويقوض جهود بناء نظام عالمي أكثر أمنًا واستقرارًا.
كما أنه عندما تقف أكبر دولة عظمى في وجه العدالة الدولية فإن ذلك يقوض من سلطة المحكمة الجنائية الدولية، ويرسل إشارة خطيرة لمرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية حول العالم حيث يشجع الأنظمة المستبدة والجماعات المسلحة على تجاهل القانون الدولي الإنساني مما يهدد من الأمن السلم الدوليين.
التداعيات
وتتجاوز تداعيات سياسة ترامب تجاه المحكمة الجنائية الدولية الأزمة الحالية لتؤثر على مستقبل النظام الدولي بأكمله (حسب كلام د. شوقى) فتقويض استقلالية وفعالية المؤسسات القضائية الدولية يضعف آليات حل النزاعات السلمية ويزيد من احتمالات اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، كما أن هذا النهج يقوض جهود بناء نظام عالمي متعدد الأطراف يقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
ويضيف: لا شك أن هذه الأزمة تتطلب إعادة النظر في آليات عمل المؤسسات الدولية فالتحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن بين احترام السيادة الوطنية وضمان فعالية العدالة الدولية، وهذا يتطلب حوارًا جادًا بين كافة الأطراف وإرادة سياسية حقيقية للإصلاح بعيدًا عن السياسات التصعيدية التي تبناها دونالد ترامب.
إن تجاوز الأزمة الحالية يتطلب تغييرًا جذريًا في النهج الأمريكي تجاه المؤسسات الدولية، وهذا يحتاج إلى العودة للدبلوماسية البناءة والحوار المتوازن مع المؤسسات الدولية بدلاً من سياسة التهديد والعقوبات، وإعادة النظر في العلاقة مع المحكمة الجنائية الدولية بما يضمن احترام استقلاليتها، وتطوير آليات جديدة للتعاون الدولي تراعي مصالح جميع الأطراف وتضمن فعالية العدالة الدولية.
نموذج للفشل
وينتهى د. شوقى إلى القول: إن سياسات ترامب تجاه المحكمة الجنائية الدولية تُمثل نموذجًا لفشل النهج الأحادي في التعامل مع التحديات العالمية المعاصرة فبدلاً من المساهمة في تطوير وإصلاح المؤسسات الدولية تختار إدارة ترامب طريق المواجهة والتصعيد مما يضر بمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية وبمكانتها الدولية ويتطلب لتجاوز هذه الأزمة رؤية جديدة للعلاقات الدولية تقوم على التعاون والاحترام المتبادل بدلاً من سياسات القوة والهيمنة التي أثبتت فشلها في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي.
طالع المزيد: