باسم العاصى يكتب: موعظة الأقوياء
![باسم العاصى](https://bayan-gate.com/wp-content/uploads/2024/12/113-780x470.jpg)
بيان
يقول النسر: “أيها السلام، إنك تتكلم كأنك حمامة!” عندئذٍ تصلح العبارة للنقاش فوق جدران المؤتمرات، وتُطبع في قراطيس المعاهدات. ولو كان للنسر أن ينطق في عصرنا الحاضر، لقال: “أيتها الصديقة! إن السلام أعظم من أن تحتمله أجنحة الحمام، إنه لم يعد غصن زيتون يوضع في منقارك الصغير، ولكنه قنبلة ذرية توضع في مخالب النسور.”
(توفيق الحكيم)
هكذا كشف العالم الأول عن وجهه القبيح بكل سفاقة، وأعرب أصحاب القرار عن ازدواجيتهم الأخلاقية لدرجة تشعرك أنهم لا يتفوقون على نزلاء مستشفى الأمراض العقلية إلا في شيء واحد: السلطة.
وسقطت كل الدعاية الساحقة لإرساء حقوق الإنسان والتحضر، بعد محاولتهم فرض مفهوم الحرية والعدالة على شعوب العالم الثالث، وتصدير الحرية بمنطق “الفوضى الخلاقة”، التي خلقت حالة من الفوضى وانعدام الطمأنينة السياسية، في زمن يرضخ تحت هيمنة العالم الافتراضي وسيطرة الذكاء الصناعي، الذي أصبح في يد قوى إمبريالية، متمثلة في تحالف رأس المال والسلطة وقطاع التكنولوجيا، بعد أن تم تخصيصه بشكل كبير، وأصبح التحكم في القرارات المصيرية التي تخص الإنسانية بيد قلة من البشر.
وقد ظهر هذا الخطر بعدما ثبت انعدام الحيادية المعلوماتية فيما يخص قضايا العالم الثالث، الذي يرزح تحت القمع السياسي والضغط الاقتصادي لصالح العالم الأول، مما أدى إلى مزيد من الفجوة والتفاوت الجائر في امتلاك الثروة والقوة على مستوى العالم.
لقد أصبح الخطر الآن متمثلًا في أننا خاضعون لمصادر معلوماتية غير حيادية أو صادقة، إلا بقدر ما تتوافق مع مصالحها، من خلال إخضاع الوعي العام لإيديولوجيا النيوليبرالية، التي تسعى إلى احتكار المفاهيم الاقتصادية والسيطرة على نسق الإعلام وفق مصالحها، مما أدى إلى استسلام السوق العالمي واحتكاره لصالح قلة تتحكم وفق هواها، بعيدًا عن أي اعتبارات أخلاقية أو تاريخية.
وقد رأينا التبجح السافر من رئيس الولايات المتحدة، ترامب، في رغبته بتهجير أهالي غزة لإقامة مشروعاته بعد تدميرها بالكامل، ومحو معالمها، بل وإعادة إعمارها أيضًا لمحو هويتها. كما تم استهداف معالم وآثار بلاد عريقة كالعراق وسوريا، ليكون الواقع للأجيال القادمة بلا تاريخ، وكأنها وُلِدَت اليوم، ومن وُلِدَ اليوم يصدق كل ما يُقال له.
بهذا المنطق، يسهل السيطرة على الأجيال القادمة وسلبها تاريخها وحضارتها، لفرض التوسع الصهيوني على حساب الأرض والتاريخ، وسط حشد متنافر في بلادنا.