د. محمد إبراهيم بسيوني يكتب: ترامب وحماس
![د. محمد إبراهيم بسيونى](https://bayan-gate.com/wp-content/uploads/2023/06/24-4-780x470.jpg)
بيان
(1)
ترامب
دونالد ترامب، قبل أن يكون سياسياً، هو رجل أعمال بارع، والتجار لا يغامرون دون حساب. ترامب ليس قدَرًا، بل مجرد مرحلة يمكن تجاوزها بالمناورة الذكية والتمسك بالحقوق.
أسلوبه يعتمد على الضغط والمساومة للحصول على أفضل صفقة، سواء في السياسة أو في التجارة.
الزبون (أو الطرف المقابل في أي مفاوضات) إذا كان ذكياً، يجب أن يدرك هذه اللعبة ولا يسمح لنفسه بأن يكون تحت الضغط دون مقابل.
هذه العقلية التجارية كانت واضحة في أسلوب إدارته، سواء في السياسة الداخلية أو العلاقات الدولية.
سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية منحازة بشكل كبير لإسرائيل، حيث اتخذ خطوات غير مسبوقة أثرت سلباً على الفلسطينيين، من أبرزها:
1. الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (ديسمبر 2017)
• أعلن ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، متجاهلاً الوضع القانوني والدولي للمدينة.
2. صفقة القرن (يناير 2020)
• طرح ترامب خطة “صفقة القرن” التي منحت إسرائيل سيطرة على القدس كاملة، وسمحت بضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، مقابل وعود هشة بدولة فلسطينية بشروط صعبة التنفيذ.
3. إيقاف دعم الأونروا (2018)
• أوقف التمويل الأميركي لوكالة الأونروا التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين، مما زاد من معاناة الملايين في الضفة الغربية، غزة، وبلدان اللجوء.
4. تشجيع التطبيع العربي مع إسرائيل
• دفع بعدة دول عربية لتوقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات، البحرين، المغرب، والسودان، دون الحصول على أي تنازلات لصالح الفلسطينيين.
النتائج:
• تراجعت فرص حل الدولتين في ظل هذه السياسات.
• زاد الضغط السياسي والاقتصادي على الفلسطينيين.
• تعمّق الانقسام العربي حول القضية الفلسطينية.
بالمجمل، تعامل ترامب مع القضية الفلسطينية بمنطق رجل الأعمال الذي يسعى لعقد “صفقة” تخدم طرفاً واحداً، وهو إسرائيل، متجاهلاً الحقوق الفلسطينية التاريخية والشرعية الدولية. لذلك، التعامل معه أو مع أي شخصية تمارس نفس النهج يتطلب استراتيجية ذكية تجمع بين الصمود، المناورة، واستغلال نقاط الضعف.
1. فهم منطقه: كل شيء عنده صفقة
• ترامب لا يرى السياسة كالتزام بمبادئ، بل كسلسلة صفقات يجب أن تحقق له مكاسب.
• عندما يتفاوض، يبدأ دائمًا بموقف متطرف (مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل)، ثم يضغط للحصول على تنازلات.
• الحل: عدم الاستجابة للضغوط سريعًا، ورفع سقف المطالب في المقابل.
2. استغلال نقاط ضعفه
• ترامب يهتم بالصورة الإعلامية، ويبحث عن انتصارات سريعة يمكنه تسويقها.
• يكره الدخول في مواجهات طويلة أو قضايا معقدة.
• الحل: إحراجه سياسيًا وإعلاميًا، وإظهار أن مواقفه تسبب له أزمات داخلية أو تؤثر على مصالحه الانتخابية.
3. بناء تحالفات مضادة
• ترامب يعتمد على القوة، لذلك يحتاج من يواجهه إلى تحالفات دولية وإقليمية قوية.
• التقرب من الدول الأوروبية التي لم تكن مرتاحة لسياساته قد يكون وسيلة للضغط عليه.
• الحل: استخدام المنظمات الدولية، والمحاكم الدولية، والرأي العام العالمي ضده.
4. الصبر وعدم تقديم تنازلات مجانية
• ترامب يضغط ليجعل الطرف الآخر ينهار ويتنازل، لكنه يحترم من يصمد في وجهه.
• الحل: التمسك بالحقوق وعدم التراجع، لأنه كلما زاد الصمود، زاد احتمال تراجعه أو تغيّر الظروف السياسية.
الخلاصة التعامل مع ترامب يحتاج إلى عقلية الصفقات أيضاً:
• لا تخف من تهديداته، فهو يبالغ دائمًا في البداية.
• لا تقدم تنازلات مجانًا، فهو لا يعطي شيئًا دون مقابل.
• احشد دعمًا دوليًا، لأنه لا يحب العزلة.
• استخدم الإعلام والرأي العام، لأن صورته مهمة له.
(1)
حماس
حركة حماس تتبنى موقفًا واضحًا من القضية الفلسطينية، يقوم على عدة أسس رئيسية:
1. تحرير فلسطين: ترى حماس أن فلسطين، من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، أرض إسلامية وعربية لا يجوز التنازل عن أي جزء منها.
2. مقاومة الاحتلال: تعتبر المقاومة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، الوسيلة الأساسية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الحقوق الفلسطينية.
3. رفض الاعتراف بإسرائيل: لا تعترف حماس بإسرائيل كدولة، وترفض أي تسويات سياسية تتضمن الاعتراف بها أو التنازل عن الأرض.
4. القدس عاصمة فلسطين: تؤكد حماس أن القدس، بما فيها المسجد الأقصى، هي العاصمة الأبدية لفلسطين، وترفض أي محاولات لتهويدها.
5. حق العودة: تدعم حماس حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها عام 1948، وتعارض أي مشاريع توطين بديلة.
6. الوحدة الوطنية: رغم خلافاتها مع السلطة الفلسطينية، تدعو حماس إلى تحقيق الوحدة الوطنية على أساس المقاومة، وترفض التنسيق الأمني مع الاحتلال.
7. البعد الإسلامي والعربي: تؤكد الحركة على البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية، وتسعى إلى حشد الدعم العربي والإسلامي لصالحها.
ورغم هذا الموقف الثابت، فإن حماس أبدت مرونة سياسية في بعض المحطات، مثل قبولها هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، والمشاركة في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، إضافةً إلى تقديم وثيقة سياسية عام 2017 تقبل فيها بدولة فلسطينية على حدود 1967 دون الاعتراف بإسرائيل.
في الآونة الأخيرة، شهد موقف حركة حماس من القضية الفلسطينية تطورات ملحوظة، خاصة بعد هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. هذا الهجوم، الذي أطلقت عليه الحركة اسم “طوفان الأقصى”، أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، وأدى إلى تعزيز مكانة حماس بين الفلسطينيين، مع تعميق التوترات بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
بعد هذا الهجوم، صدرت تصريحات متباينة من قادة حماس حول مستقبل الصراع مع إسرائيل. ففي 24 أكتوبر 2023، صرّح غازي حمد، عضو المكتب السياسي لحماس، بأن إسرائيل “دولة لا مكان لها على أرضنا” وأنه يجب “إزالتها”. وأضاف أن الحركة ستكرر هجمات مشابهة لهجوم 7 أكتوبر حتى تحقيق هذا الهدف.
في المقابل، أبدى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في نوفمبر 2023، استعداد الحركة للدخول في مفاوضات سياسية لتحقيق حل الدولتين، بشرط وقف إسرائيل لعملياتها العسكرية وفتح ممرات إنسانية إلى غزة. وأشار إلى قبول حماس بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، دون الاعتراف بشرعية إسرائيل.
هذه التصريحات المتباينة تعكس توازنًا دقيقًا في استراتيجية حماس بين التمسك بالمقاومة المسلحة وإبداء مرونة سياسية تكتيكية. يُلاحظ أن الحركة تستخدم أحيانًا لغة أكثر اعتدالًا بهدف كسب الدعم الدولي، دون التنازل عن هدفها الاستراتيجي المتمثل في تحرير كامل فلسطين التاريخية.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى حماس إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية. ففي يوليو 2024، التقى قادة من حماس وفتح في بكين، برعاية الحكومة الصينية، ووقعوا بيانًا مشتركًا يهدف إلى إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة. كما جرت لقاءات أخرى في القاهرة في أكتوبر 2024 لمناقشة مستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب مع إسرائيل.
بشكل عام، تواصل حماس التأكيد على التزامها بالمقاومة كوسيلة رئيسية لتحقيق أهدافها، مع إبداء استعدادها للتفاوض على حلول مرحلية، دون الاعتراف بشرعية إسرائيل. هذا الموقف يعكس استراتيجية تجمع بين المقاومة المسلحة والمرونة السياسية، مع التركيز على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
في الآونة الأخيرة، شهدت قضية الرهائن تطورات مهمة. ففي 10 فبراير 2025، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تأجيل تسليم دفعة من الرهائن الإسرائيليين كانت مقررة في 15 فبراير، حتى إشعار آخر. جاء هذا القرار ردًا على ما وصفته الحركة بـ”انتهاكات” إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك تأخير عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، واستهدافهم بالقصف، وعدم إدخال المواد الإغاثية المتفق عليها.
من جانبها، اعتبرت إسرائيل هذا التأجيل خرقًا كاملًا للاتفاق. أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تعليمات للجيش بالاستعداد لأعلى مستوى من التأهب لأي سيناريو محتمل في غزة، مؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح بالعودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر 2023.
تجدر الإشارة إلى أن حماس كانت قد أفرجت، منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، عن 21 رهينة مقابل إطلاق إسرائيل سراح 800 أسير فلسطيني. إلا أن التوترات الأخيرة قد تؤثر على استمرار عمليات التبادل هذه.
في سياق متصل، أشار تقرير لصحيفة “ذا تايمز” البريطانية إلى أن حماس تستخدم الرهائن كأداة للضغط النفسي على إسرائيل، من خلال بث مقاطع فيديو لهم وإجبارهم على الإدلاء بتصريحات تحت الإكراه، بهدف زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
بشكل عام، تستمر قضية الرهائن في تعقيد المشهد بين حماس وإسرائيل، مع تبادل الاتهامات بخرق الاتفاقات، مما يعرقل جهود التوصل إلى حلول دبلوماسية.