أستاذة تخطيط توضح قيمة جبانات القاهرة التاريخية

كتب: إسلام فليفل

عقدت مؤسسة رؤى للدراسات الاستراتيجية، مساء اليوم السبت، ندوتها الشهرية، ناقشت فيها قيمة جبانات القاهرة التاريخية، بحضور الدكتورة جليلة القاضي أستاذة التخطيط في جامعة باريس، والدكتور عمرو الشوبكي أستاذ العلوم السياسية، ولفيف من الشخصيات العامة.

قالت الدكتورة جليلة القاضي إن عمليات الهدم في جبانات القاهرة التاريخية بدأت عام 2020، وتسارعت بشكل فج في 2024، ومع محاولات وقف هذا الهدم تم تباطؤ وتيرته، وكأنه نهج منظم لمحو هذا التراث.

وأضافت جليلة أن كل ما نفعله هو توثيق هذا التراث في كتاب لأن من حق الأجيال القادمة أن تعرف أنه كان في هذا المكان أثر تاريخي عمره 14 قرن تم هدمه.

ونوهت بأنه أثناء انعقاد المنتدى الحضري العالمي في القاهرة تم وقف عمليات الهدم، ولكن عندما انتهى بدأ الهدم على الفور بدون أي وعي للقيمة التاريخية لهذه المنطقة الأثرية.

وأوضحت أن التراث يحمل قيم، منها القيمة التاريخية؛ أنشأت الجبانات مع الفتح العربي، وأول جبانة كانت قرافة الفسطاط، وكل حاكم جديد يأتي يوسع في هذه المنطقة، وعلى مدى الـ14 قرن يتم نقل هذا التراث من جيل إلى جيل، وأصبح دورنا كجيل حالي أن نوثق هذا التراث لنعرف الأجيال القادمة أنه كان يوجد مكان تاريخي في هذه المناطق وتم هدمها.

وتابعت أن لمنطقة الجبانات التاريخة قيمة روحية، مثلا جبانة المقطم ترتبط ببعض الروايات إن جثث الموتى فيها لا تتآكل وبالتالي أعطى قدسية للمكان، فضلا عن أن المكان مدفون فيه عدد من الأئمة وأولوياء الله الصالحين، فارتبط الناس بالمكان.

وأكملت جليلة أن منطقة الجبانات ذات قيمة معمارية كبيرة، المكان يضم 75 أثر يمثلون نحو ١٥ في المئة من الآثار في مصر، مشيرة إلى أن التجمعات الجنائزية الكبيرة للماليك وأضرحة آل البيت مثل السيدة نفيسة والسيدة عائشة كلها طرز معمارية مختلفة بها تنوع كبير.

وأردفت أن كل عصر أضاف رمزية وقيمة وتنوع معماري مختلف للجبانات الشرقية والجنوبية والنقطم، هي جزء كبير جدا من القاهرة التاريخية، وللأسف يتم اعتبارها مجرد مدافن ولا يوجد وعي بقيمتها فحجبوا الرؤية عنها بسور بالنسبة للقادمين من مطار القاهرة الدولي.

وزادت جليلة أن في الحقيقة أن مشهد جبانات القاهرة ذو قيمة تاريخية معمارية ليست موجودة في أي مكان في العالم، لافتة إلى أن التنوع اللي متناهي للعمارة الجنائزية مبهرة وهذه ثروة لا تقدر بأي ثمن ولا يوجد لها مثيل في العالم العربي أو الإسلامي ولا في العالم كله.

وواصلت أنه بجانب القيمة التاريخية والمعارية للجبانات هناك قيمة اجتماعية أيضا، كل حائط يتم هدمه في هذه المنطقة يمثل كنوز لا تعوض أبدا.

وأشارت جليلة إلى التنوع الكبير في الطبقات الاجتماعية التي تزور هذه الجبانات، وخاصة الطبقات الشعبية كانت ما زالت تذهب إلى الإمام الشافعي، بجانب الأسواق التي كانت في هذه المناطق، كل هذه العادات والأمور تم منعها.

ولفتت إلى أن القاهرة التاريخية تراث إنساني وتخضع لشروط اليونسكو، ويجب الحفاظ عليها، بجانب إنها محصنة بمجموعة من القوانين وأي تدخل فيها يتم الرجوع للتنسيق الحضاري ووزارة الآثار، وهذا لم يحدث ويتم الهدم بلا أي وعي.

ولفتت جليلة إلى أن هذه المنطقة التي بها الجبانات أصبح يحاوطها كتل سكانية وهذا خطر كبير جدا وتؤثر بالسلب على المنطقة، منها مثلا تسرب الصرف ما أدى إلى أضرار بالغة، وتم عمل بحث لحل هذه المشكلة، عن طريق نقل السكان البالغ عددهم حوالي 175 ألف نسمة من هذه المناطق إلى مناطق أخرى وهذا كان متاحا والأماكن متوفرة، وأي منطقة يتم إخلاءها يتم تحويها لمنطقة خضراء لإظهار جمال هذه المناطق والحفاظ عليها.

وتايعت أن هذه الكتل السكانية أخفت وراءها المنطقة الأثرية، وكان وكان يجب أن يكون لهذه المنطة حرم لا يتم الاقتراب منه، ويكون هناك اشتراطات للمباني بعد هذا الحرم أيضاً، ولكن لا يوجد أي احترام للآثار.

وأكدت أن هناك مشروع يسمى “مشروع مدبولي” نسبة إلى رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، بأن يتم إزالة مناطق الجبانات بالقاهرة التاريخية ويتم طرحها كمناطق استثمارية، وابتدت عمليات الهدم في ٢٠٢٠ ليتم عمل محور الفردوس وبعدها تسارع الهدم لإنشاء الكباري في المنطقة.

وقالت إن التنسيق الحضاري عندما تم طرح هذه المشروعات عليه رفضها لكنهم لم يلتفتوا ونفذوا الكباري وهدموا الكثير من المناطق الأثرية، ولكن مع الحملة الأخيرة هدأت عمليات الهدم.

ومن جانبه، استنكر الدكتور الشوبكي عمليات محو المناطق التاريخية نظرا لقيمتها للبلد، مضيفا أنه من الممكن أن نبني مثلا أطول برج فهناك من يفوقنا في الإمكانيات المادية ويستطيع أن يبني 20 برجا بشكل أحدث، ولكن ما لا يستطيعوا أن يفعلوه هو القيمة التاريخية.

وتابع الشوبكي: نحن نهدم التاريخ بأيدينا ولا بد من الحفاظ على هذه القيم التاريخية العريقة في بلدنا، فمشاهد الهدم عندما نراها ندهش أن هناك مصريين يدمرون آثار بلدهم.

وأشار الشوبكي أن هذه المناطق التاريخية التي يتم هدمها بشكل متسارع، هي التي تجلب السياحة والعملة الصعبة التي نعاني من ندرتها، وليس أعرض كوبري أو أطول برجا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى