محمد صلاح غازى يكتب (نوافذ): الهلال الأحمر المصرى

بيان
أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي المصري مايا مرسي عن وجود 30 ألف متطوع من الهلال الأحمر المصري في سيناء لتنظيم إيصال المساعدات إلى غزة واستقبال الحالات المرضية القادمة من القطاع.
وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصري إن 10 قوافل من المساعدات الإنسانية وصلت إلى معبر رفح وستدخل إلى قطاع غزة بإجمالي 200 طن من الغذاء والملابس والخيام والمياه والمساعدات الصحية.
وأضافت أن هذه القوافل تأتي بتمويل من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالتنسيق الكامل مع الهلال الأحمر المصري لتنسيق دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
وأوضحت الوزيرة المصرية أن الهلال الأحمر المصري له دور كبير في استقبال المصابين والجرحى الفلسطينيين وفي إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة.
وأشارت إلى أن جهود الهلال الأحمر المصري في سيناء تشمل التعامل مع المرافقين للحالات المرضية والمصابين الذين تستقبلهم مصر وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرافقين. وشددت على أن الجهود المكثفة تسعى لدخول 600 شاحنة من المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة يوميا وفق المتفق عله في اتفاق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية.
في خضم الصراعات اللا إنسانية التي يمر بها العالم، ظهرت أهمية ودور جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الوطنية الإغاثية في سرعة إسعاف الجرحى، والوقوف جنبا إلى جنب مع الأسر المنكوبة، وهذا هو هدف هنري دونان (1828-1910) مؤسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث دعا إلى تكوين جمعيات إغاثة موحدة ومستقلة في كل بلد يمكنها أن توفر الحماية والرعاية للجرحى من كلا الأطراف المتحاربة.
وبمرور الزمن حققت فكرة هنري دونان الأهداف المرجوة منها ، أضف إلى ذلك توسع عمل جمعيات الإغاثة الوطنية ليشمل المتضررين في زمنى : السلم والحرب معاً ، وتوجد على الساحة الدولية الآن ما يقرب من 192 جمعية وطنية للإغاثة .
تعد جمعية الهلال الأحمر المصري تلك الجمعيات الوطنية الإغاثية، وترجع جذور ظهور النشاط الإنساني المتعلق بجرحى الحرب في مصر إلى سبعينيات القرن التاسع عشر ، وذلك في أثناء نشوب الحرب الروسية العثمانية (1877-1878) ، حيث انتقلت فكرة وجود جمعية لإغاثة جرحى الحرب – والمعروفة بالهلال الأحمر المصري هي أولى الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر على الساحة العربية ، وثاني الجمعيات بعد جمعية الهلال الأحمر العثماني على الساحة الدولية ، وإن كانت جمعية الهلال الأحمر قد تواجدت في مصر منذ عام 1877 ، إلا أنها كانت تشكل وتندثر مع انتهاء الحرب التي تكونت من أجلها – والتي– كانت معظمها حروباً شاركت فيها مصر مع الدولة العثمانية ، فيما عدا الحملات المصرية البريطانية لاسترداد السودان عام 1898- إلا انه بقدوم عام 1911 تأسست جمعية الهلال الأحمر المصري بشكل فعلى يهدف للاستمرارية ، وانطلقت تمارس أنشطتها على الصعيدين : المحلى والدولي ، في زمنى السلم والحرب.
من هنا تأتى أهمية كتاب ” جمعية الهلال الأحمر المصري (1911-1973) للباحثة شيماء إسماعيل النكلاوى والصادر ضمن سلسلة تاريخ المصريين العدد 377 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2023 في 339 صفحة.
جاءت النواة الأولى لوجود جمعية إعانة للجنود الجرحى في مصر عام 1877 حينما نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 29 يونيو 1877 خبراً عن تأسيس ما يعرف بــ” شركة إعانة مجاريح الحرب مؤسسة تطبيقا لمعاهد جنيف ” وفى خبر آخر جاءت باسم ” جمعية إعانة الجرحى الحربية “.
كان صاحب الدعوة لتأسيسي جمعية الهلال الأحمر المصري هو الشيخ على يوسف وقد تولى رئاسة الجمعية ن والواقع أن على يوسف قد عمل منذ بداية الحرب من خلال جريدة المؤيد – وهو رئيس تحريريها – على كتابة المقالات التي ترفع من همم المصريين لمؤازرة الدولة العثمانية، والمجاهدين، وكانت جريدة المؤيد من أولى الجرائد التي ظهرت فيها الدعوة للاكتئاب، ولعب على يوسف دورا مهما في أعمال اللجنة العليا عبر خطبه الحماسية.
وجدت الجمعية استقبالا ودعما من الجرائد المصرية، ولا سيما جريدة الأهرام، والتي عبرت عن استقبالها للجمعية بقولها ” نعد هذا النبأ نصراً عظيما، وفوزاً كبيراً، لأن الذين يجاهدون في ساحة القتال، ويضحون بأنفسهم لا يجدون في تلك البلاد ممرضين يمرضونهم، وأطباء يداوونهم “.. ووجهت الشكر للقائمين في أعمال الجمعية.
وتكونت اللجنة الإدارية للجمعية ماليا وعينيا: مثل محمد بك نصوحي، والدكتور عزت الجندي، ومن الأعيان على بك فهمي والذي تبرع بعشرة جنيهات للجمعية، ومنهم من بادر بالاشتراك في عضوية الجمعية، مثل الخواجا نجيب غناجه والذي اشترك بمبلغ 25 جنيها، كما تبرع بالأدوية اللازمة لأول بعثة للجمعية.
وانتشرت الدعوة لجميعه الهلال الأحمر المصري وجذبت جميع الطبقات ، فتشكلت اللجان للعطف على المنكوبين والمصابين في الحرب ، وتشكلت التبرعات لصالح الجمعية ، وقد تم تنظيم اللجنة من ( رئيس – ووكيل – وسكرتير – وأمين صندوق ) ، وكانت تلك اللجان تنشر قوائم اكتتابها ، وترسلها أيضا إلى إدارة الجمعية ، كما أن تلك اللجان كانت تنظم الحفلات ، والليالي ، والأسواق الخيرية من أجل جمع إيرادات للجمعية ، وتعمد إلى تحرير كشف بالإيرادات ، والمصروفات ، ويرسله رئيس اللجنة إلى إدارة الجمعية.
وقد تشكلت لجنة الهلال الأحمر – على سبيل المثال – بسوهاج والتي اشترك فيها الموظفين ، ورجال القضاء، وغيرهم.
كما كانت إحدى الحفلات التي تقيمها لجان الهلال الأحمر تنال رعاية الخديو عباس ، مثل الحفلة التي أقيمت في الإسكندرية .
ولعبت السيدات دوراً مهماً خلال نشأة الهلال الأحمر فقد شكلن لجان قمن بتنظيمها لجمع الإعانة للهلال الأحمر ، وكانت هناك أيضا تبرعات فردية منهن ، وكانت أول مبادرة فردية لتأييد عمل الجمعية والالتحاق بها من مريم طراد التي أرسلت للجمعية خمسة جنيهات ، وخطابا إلى الشيخ على يوسف تطلب فيه التحاقها بالجمعية عضوا بها.
وجاءت المادة (3) من قانون عام 1913 لتنص على أغراض جمعية الهلال الأحمر المصري وهي معالجة الجرحى والمرضى من الجنود البرية والبحرية في زمن الحرب، وتغذيتهم، وتخفيف آلامهم بالوسائل الممكنة كافة، وإسعاف عائلات الجنود والبؤساء من المجاهدين.
وتوسعت قوانين الجمعية الصادرة في عامي 1918 و1923 لتشمل مساعدة من حلت بهم كوارث عامة في أي وقت، وفى أي بلد بالطرائق التي تراها الجمعية صالحة لذلك، ونجد هنا ان القانون قد وسع من نشاط الجمعية في زمن السلم.
أما في زمن الحرب فعلى الجمعية وضع جميع خدماتها الطبية تحت تصرف القسم الطبي للجيش، فهما يعملان معاً، وتلخص أعمال الجمعية فيما يلي، نقل المرضى والجرحى والعناية بهم، ونقل الدم إليهم، وإنشاء مستشفيات وإدارتها في المواقع التي تحددها السلطات الحربية.
وتنبت مصر الموقف نفسه الذي تبنته الدولة العثمانية في اختيار الهلال الأحمر كشعار لها، وكانت الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لعام 1864 كانت قد اعترفت بشعار الهلال الأحمر على قدم المساواة مع الصليب الحمر في أثناء الحرب الروسية العثمانية فحسب، وذلك لتحقيق الغرض من الشارة وهو حماية الضحايا وأولئك الذين يعملون على إغاثتهم، وكذلك الأشياء والأماكن المستخدمة لهذا الغرض.
وفى حرب فلسطين عام 1948 أدت جمعية الهلال الأحمر المصري بشعبه والمنظمات التابعة لها دورا كبيرا منذ بداية الحرب والقيام بدروها كمساعد للقسم الطبي في الجيش، فقرر مجلس إدارتها في مايو 1948 إنشاء 4 مستشفيات على الحدود المصرية الفلسطينية، كما أنشأت الجمعية مركزاً للإسعاف بمنطقة الرملة وآخر في رام اللهز
وفى أوائل يوليو 1948 ذهبت بعثة من الجمعية مكونة من د. عبد الحليم محفوظ بك، و د. محمد كامل حسين بك، ود. محمد أسعد سهلب بك) إلى عمان، وكان غرضها تفقد المستشفيات التابعة للهلال الأحمر، والوقوف على سير العمل بها.
كان من أغراض جمعية الهلال الأحمر المصري في زمن الحرب هو تنظيم الترفيه عن ضباط الجيش وجنوده، وقد قامت بتلك الأعمال خلال حرب فلسطين لجان سيدات الهلال الأحمر، في شهر يوليو من عام 1948، حيث أرسلت الجمعية مقادير كبيرة من الهدايا للجنود المصريين المحاربين في فلسطين، وكانت عبارة عن: (1200 علبة سجائر، 729 مفرش منضدة، 680 حذاء منزلي ،90 بيجامة، 8 أجهزة راديو ، 4 مرواح كهربائية ، آلة كاتبة ، وغيرها من وسائل الترفيه واحتياجات الجنود ).
وبعد وصول الجرحى للمستشفيات المصرية لمعالجتهم قامت سيدات الهلال الحمر بزيارة الجنود الجرحى والمرضى في مستشفى الحلمية ومستشفى الجيش بالقبة ، حيث وزعن عليهم 1000 كيس يحتوى على كميات مختلفة من أنواع التمر ، وقمر الدين ، وخلافة بمناسبة شهر رمضان المبارك ، وذلك من اجل إدخال السرور على المرضى والترفيه عنهم ، خاصة وأن حرب فلسطين قد خلفت كثيراً من الحالات المشوهة.
لعبت جميعه الهلال الأحمر المصري دوراً آخر على جانب كبير في غير زمن الحرب، فلم تكن الحروب وحدها هي التي تخلف الضحايا، والمنكوبين بل كانت هناك كوارث من نوع آخر كانتشار الأوبئة، والأمراض الفتاكة، ووقوع النكبات العامة، كالسيول، والحرائق والفيضانات، والزلازل، والمجاعات. وتوسعت مشاركة الجمعية في زمن السلم وبخاصة في فترة الأربعينيات من القرن العشرين، وذلك لانتشار عديد من الأمراض والأوبئة، وحدوث كثير من الكوارث والنكبات العامة على مستوى مصر والعالمز
وكانت مساهمة الجمعية في الأنشطة الاجتماعية والصحية ذات مردود إيجابي على الساحة المجتمعية، ودعمت الجهد الحكومي، وسمحت لها الدولة أن تتولى المسؤولية معها في التصدي لتلك الكوارث.
اقرأ أيضا: