د. مجدي هاشم يكتب: مخطط الشرق الأوسط الجديد (الجزء الأول) تكرّيس الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة

بيان

يمكن القول إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليًا من أحداث غير مسبوقة ربما كان يظن مخططو هذه الأحداث أنها ستكون المرحلة الأخيرة في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية. والتناول الموضوعي لهذه الأحداث يُفترض أن يبدأ بمراجعة موجزة لمفهوم الشرق الأوسط الجديد، ثم فهم الأحداث التي تجري منذ أكتوبر 2023، ثم محاولة استقراء ما قد تسفر عنه هذه الأحداث من نتائج، أي وفقًا للتسلسل التالي: ما جرى، وما يجري، وما قد يجري.

نشأة مفهوم تقسيم الشرق الأوسط

انبثق مفهوم “الشرق الأوسط الجديد” من كتابات المستشرق برنارد لويس، وهو يهودي بريطاني (1916-2018)، انتقل للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات محاضرًا في دراسات الشرق الأوسط، وحصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982. ويُعد من أشهر مناصري الصهيونية وأبرز المخططين لمشاريع تقسيم الوطن العربي. وقد دأب المحافظون الجدد في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على الاستعانة باستشارته فيما يخص رسم سياستهم تجاه الشرق الأوسط، وقد عبر عن ذلك ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، بقوله: “إن صانعي السياسة يسعون دائمًا إلى حكمته”.

وقد نُسب إليه أنه في بداية الثمانينيات وضع مشروعًا أُطلق عليه إعلاميًا “مخطط برنارد لويس لتفتيت الدول العربية والإسلامية”. وهذا المشروع يُعد ثاني مشروعات التقسيم والتدخل في منطقة الشرق الأوسط بعد معاهدة سايكس بيكو عام 1916.

وقد دأب في كتاباته على التأكيد بأن **”العرب والمسلمين قوم همج وفاسدون لا يمكن تحضيرهم، وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية باستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية، والضغط على قياداتهم الإسلامية (دون مجاملة ولا لين ولا هوادة) ودون التأثر بردود أفعالهم لكي ينصاعوا لتحقيق أهدافنا ونضعهم تحت سيادتنا كي لا ندعهم يدمروا حضارتنا. وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية باستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، ويمكن التخفي تحت شعارات السعي إلي نشر الديمقراطية في تلك البلدان.

مخطط “الشرق الأوسط الجديد”

ظهر مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” أول ما ظهر في تسعينيات القرن الماضي عام 1992، كعنوان لكتاب رئيس وزراء إسرائيل الراحل شمعون بيريز الذي تضمن استراتيجية إسرائيل لسياسات مرحلة مفاوضات السلام وما بعدها، وقد ترتب علي هذه الرؤية توقيع اتفاق أوسلو بين رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات فى عام ١٩٩٣. ورؤية بيريز للسلام بين العرب وإسرائيل تقوم على التطبيع والتعاون الاقتصادي مفترضًا أن هذا التعاون سيؤدى إلى تحقيق مصالح مادية مشتركة تُذيب العداوة بين الطرفين. لكن لم يتسن لرابين تحقيق سياساته الجديدة لقيام مستوطن يهودي باغتياله في عام 1995.
وقد أدي فشل التدخل العسكري الأمريكي في فيتنام أن يبتكر العقل الاستراتيجي الأمريكي مصطلح الفوضى الخلاقة ليكون بديلا عن التدخل العسكري المباشر لإسقاط النظم التي لا ترضي عنها أمريكا وإحلالها بنظم تابعة لها.
وهذه الفوضى الخلاقة اعتمدتها أمريكا لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد، وهي تعني باختصار أنَّه عندما يتم خلق أقصى درجات الفوضى داخل الدولة من خلال المظاهرات والعنف وإراقة الدماء والإضراب المدني بما يؤدي إلي إشاعة أكبر قدر ممكن من الخوف لدى الجماهير، فإنه يصبح من الممكن إعادة بناء الدولة من جديد بهوية جديدة تحقق مصالح الآخر الذي خطط ومول حدوث هذه الفوضى. ومنذ العام 2010-2011 استخدمت نظرية الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية لتغيير أنظمة الحكم في بعض الدول التي لا تتماشى مع مصالحها وتعطل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد وتثبيت نظم بديلة تضمن هيمنة أمريكية إسرائيلية غربية على القرارات السياسية العربية، والسير قدما في مواصلة تحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد من خلال رسم خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة أو ما يمكن أن يطلق عليه إعادة تشكيل المنطقة من خلال إعادة تشكيل الحدود السياسية بين البلدان والإثنيات بما في ذلك تجزئة بعض الدول أو تغيير تركيباتها الاجتماعية والسياسية لتتناسب مع المصالح الإسرائيلية الأمريكية وهذا الأمر يؤدي في تداعياته اللاحقة إلي تقويض ما تبقي من الوحدة العربية بين دول المنطقة وإلى نشوب حروب أهلية وزيادة التوترات بين الدول الجديدة وتصفية القضية الفلسطينية.
والتمهيد السابق يقودنا إلي تناول ما جري منذ اقتحام حركة حماس لإسرائيل في أكتوبر 2003 وما ترتب عليه من تداعيات نشهدها حتي هذه اللحظة.
يتبع …. “ما جري منذ أكتوبر 2023”.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى