د. مجدي هاشم يكتب: مخطط الشرق الأوسط الجديد: (الجزء الثانى) عملية طوفان الأقصى

بيان
سبق التمهيد بأن ما يجري حاليا مما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث كان يفترض له أن يكون المرحلة الأخيرة في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد – بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية – الذي بدأ تنفيذه منذ تسعينيات القرن الماضي انطلاقا من كتابات المستشرق اليهودي “برنارد لويس”، لتفتيت الدول العربية والإسلامية”.
وجاءت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر 2023 لتكون الذريعة التي أتاحت لإسرائيل وأمريكا تنفيذ المرحلة الأخيرة والأصعب من مخطط الشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية.

وهذه العملية وصفها محمد الضيف، القائد الميداني لكتائب عز الدين القسام، في رسالة صوتية يوم تنفيذها بأن “اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض”، وهو ما قد يذكرنا بمقولة صدام حسين “أم المعارك” أثناء حرب الكويت.
و”طوفان الأقصى” عملية جسورة شملت هجوما فلسطينيا شاملا بريا وبحريا وجويا، بريا عن طريق تسلل المقاومين إلي مستوطنات غلاف غزة، وبحريا نفذته وحدات الضفادع البشرية، وجويا نفذه مظليون من فوج “الصقر” التابع لكتائب القسام، وصاحبه إطلاق كم وفير من الصواريخ بلغ أكثر من 4300 صاروخا.
وردا على عملية “طوفان الأقصى”، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية شرسة ضد قطاع غزة أطلق عليها عملية “السيوف الحديدية”، وتواصل القصف الجوي المكثف والقتال في جميع مناطق القطاع حتي وقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق بين حماس وإسرائيل في 19 يناير 2025 بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” بإنهاء القتال في غزة ومشروطا بالإفراج عن جميع الرهائن.
أسفرت الحرب عن نتائج كارثية شملت تدميرا واسع النطاق للبنية التحتية في قطاع غزة بحيث لم يعد صالحا للسكني وأصبح أهل غزة يعيشون في العراء وتحت ظروف شديدة القسوة. وكذلك استشهاد أكثر من 46 ألف فلسطيني فضلا عن آلاف الجرحى والمصابين، ووجود عدد يصعب حصره من الجثامين تحت الأنقاض.
وفي المقابل أسفر هجوم حماس المباغت علي إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 عن مقتل نحو 1200 فرد واحتجاز 251 رهينة، ولا يمكن تحديد الحصيلة الإجمالية لضحايا إسرائيل نظرا لتكتمها علي ذكر الأعداد الحقيقية في خسائرها وهي بصفة عامة لا تقارن بالخسائر الفادحة للفلسطينيين.
أحدثت الحرب في غزة انقساما داخل الشارع العربي، فالكثير يدينها ويحجم البعض الآخر عن إدانتها، وهو ما يستوجب تقييم ما قامت به حماس في غزة بشكل محايد وموضوعي وبعيدا عن التأثر بموقفنا نحن المصريون الرافض للدور الذي لعبته حماس في أحداث 25 يناير 2011 من اقتحام للسجون وقتل الأبرياء من أهلنا وإلقائهم من فوق الأسطح فهي فصيل أصيل في تنظيم الإخوان المسلمين.
وعلى الرغم من أن وجود التنظيمات المسلحة داخل الدولة الوطنية أمر يجب إدانته لأنه خارج عن سلطة الدولة ويهدد استقرارها ولا يمكن اعتبارها حركات تحرر وطني، وأبرز هذه التنظيمات المسلحة في المنطقة العربية حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن والجماعات المسلحة المتعددة في العراق وسوريا وليبيا، إلا أن الأمر بالنسبة لحماس يختلف فهي حركة تحرر وطني بامتياز تكافح لتحرير بلادها من محتل غاصب.

وربما كان الدافع الأساسي لهجمة “طوفان الأقصى” الانتحارية هو اليأس من الأوضاع البائسة واليائسة التي يعيش الفلسطينيين في ظلها من قسوة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية.
كما يري بعض المعلقين أن الشعور الذي ساد بين قادة المقاومة الفلسطينية أن الترتيبات التي كانت تجري للتطبيع بين إسرائيل وبعض دول الخليج ستؤدي إلي تهميش القضية الفلسطينية وربما طمسها للأبد ومن ثمّ التعجيل للقيام بعمل يعرقل هذا التطبيع.

وكل هذه دوافع حقيقية ومشروعة إلا أن الفعل ذاته تأسس علي حسابات خاطئة، فالدعم الإيراني وأذرعه في المنطقة حزب الله وجماعة الحوثي والجماعات المسلحة في سوريا والعراق هو دعم محدود القدرة ومحدود المدي للحد الذي لا يهدد وجود إيران ذاتها.
وكذلك فإن ما يشيعه البعض من أن “السابع من أكتوبر 2023 أحدث زلزالًا في المشهد السياسي الدولي، وأجبر العالم علي إعادة الالتفات إلى القضية الفلسطينية التي حاول البعض طمسها لعقود”.. هذا الطرح الذي تبناه السيد عمرو موسي من ضمن آخرين في محاضرته التي ألقاها في منتدى الحموري الثقافي بالعاصمة الأردنية عمان يوم السبت 2 فبراير2025، لا يمكن قبوله علي إطلاقه، فإسرائيل وأمريكا والمنظمات اليهودية القوية التي تتحكم في الإعلام والاقتصاد لا تكترث لمثل هذا الطرح بدليل أنها أصرت وما زالت تصر علي تهجير الفلسطينيين بالرغم من الرفض العالمي.
إذن فعملية “طوفان الأقصى” هي عملية خاسرة وأدت إلي نتائج كارثية من بينها توسيع نطاق الاحتلال الإسرائيلي من خلال احتلال أراض في كل من سوريا ولبنان، أما أبرز هذه الخسائر الكارثية وأهمها علي الإطلاق هو إتاحة الفرصة لإسرائيل لتنفيذ المرحلة الأخيرة من مخطط الشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية.
إلا أن موقف مصر القاطع والشجاع – على الرغم من مخاطره العديدة – برفض تهجير الفلسطينيين قد عرقل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد وفتح الباب أما بدائل واحتمالات أخري تمنع تصفية القضية الفلسطينية.

وهذا القرار المصري وما سيترتب عليه من نتائج يستأهل بذل المحاولة في استقراء ما ستجري به المقادير.
يتبع …

اقرأ ايضا:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى