أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (١٠)

بيان
ليس لديّ أيّة خبرة بالتكنولوجيا، حتّى أنني لم أكتشف كيفية دفع الفواتير عبر الكمبيوتر ( نعم أعلم أنه أمر محزن )، لذا شعرت بالفزع عندما أحضر أخي موبايل IPhone هدية لعيد ميلاد ابني وعيد الميلاد المجيد،، كذلك شعرت بالتوتر بسبب الإنترنت والأمور المتعلقة به – وكل ما سمعته له صلة بمخاطره – لم أرغب في أن يكون لابني حساب على فيسبوك، ولا أن يشارك بصوره على الإنترنت.
بعدها سمعت حديثك عن بقاء التكنولوجيا (تقصد د. كيفن ليمان)، وكم نحتاج كأهل أن نكون أذكى وأكثر إطلاّعًا على كل ما يتعلق بها. فطلبت من ابني أن يريني كيف تعمل كل تلك الأشياء، وقد فكّر بأنه من الرائع أن ترغب والدته “الكبيرة في السنّ” بالتعلم، وشعر بالسعادة لأنني طلبت منه المساعدة.. الآن أصبح يخبرني بالأشياء التي يكتشفها على الإنترنت، بالإضافة للرسائل النصية المضحكة التي يرسلها له أصدقاؤه،، وهكذا منحتنا هذه التكنولوجيا التي أخافتني سابقًا، مزيدًا من الأمور التي نتحدث بشأنها.
كارين، ولاية مينابوليس الأمريكية
انتهى الاقتباس الأول
– لغة قذرة ( بذيئة)…
تُعدّ الشتائم واللعنات من الأمور الرائعة ( بالنسبة لهم)، وهي تمارس في العديد من دوائر المراهقين، والكثير منهم يستخدمون كلمات بذيئة – كأنها واردة ضمن أبجديتهم. فالغة الجنسية الصريحة الفاضحة والفاسقة تخرج من الكثير من الأفواه،، ودعونا لا ننسى الكلمات العابثة التي تطأ اسم الله – والتي تدفعني مباشرةً إلى الجدار – في كل مرة تستخدم فيها اسم الله ككلمة للعنة.
أتمنى ألّا تكون ساذجًا لدرجة تجعلك تعتقد بأنّ الفتيان فقط هم من يستخدمون اللغة البذيئة، لأنّ الفتيات أيضًا قادرات على فضحك وبنفس براعة الفتيان يومًا ما، حتّى المراهقون الذين لديهم معرفة أفضل، يقعون فريسة لاستخدام اللغة السيئة تحت ضغط أقرانهم، فدافع الرغبة في مشابهة الآخرين والانسجام معهم شديد جدًا في سنوات الإعدادية والثانوية الحرجة هذه، لذا عندما تعثر على ابنك أو ابنتك وهي تستخدم كلمات بذيئة، لا تتفاجأ.
كلمهم بشكل صريح فقط: “عزيزي، هل تتحدث بتلك الطريقة؟، يجب أن أخبرك بأنني متفاجىء – بل في الحقيقة مصدوم – لأنك تتكلم هكذا!”، ما الذي تقوله فعليًّا؟ “أعتقد أنك أفضل من ذلك، ولا أوافق على ما تقوله، ولست مُعجبًا به”، وكأنك بذلك تلقي بعض الفحم على رأس ولدك ( وأنت محقّ ). يتحفظ الكثير من الأهالي على تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ولا يخبرون أولادهم بمشاعرهم، لهذا السبب لا يُعاقب الكثير من الأولاد على كلماتهم البذيئة.
وليس هناك ضرورة لإذلال ابنك المراهق عندما تضبطه وهو يتكلم بلغة بذيئة، ولا تحتاج لأن تقول “أنت لست ولدًا جيدًا، أنت كذا وكذا، كيف تجرؤ على قول أمور كهذه!” – بل أنت تحتاج ببساطة إلى الإفصاح عن خيبة الأمل التي شعرت بها.
انتهى الاقتباس الثاني من كتاب “مراهق جديد في خمسة أيام” لعالم النفس الشهير د. “كيفن ليمان”.
ومما سبق يتضح لنا عزيزي القاريء أنه أصبح لا مفر من تسليمنا بمدى تأثير الأذرع الاجتماعية للكنولوجيا الحديثة، مثل تطبيقات ومنصات فيس بوك وإكس… إلخ، على أبناء الأجيال المعاصرة والمستقبلية،، هذا ما برهن عليه رد فعل الشاب بطل قصة الاقتباس الأول، من كتاب د. “ليمان”، عندما طلبت منه والدته إطلاعها على طرق استخدام التكنولوجيا الحديثة بأشكالها المختلفة، وكيفية الاستفادة العملية منها، وكم كان شغفه بشرح كل ما يتعلق بها – رغم شعوره المؤكد بتلك الحالة من الرفض الداخلي المسيطر على أمه، وعدم سماحها ومباركتها سابقًا بولوج هذا الغول المستحدث إلى عالمه – لكنها اكتشفت أن خلق تلك المساحة الاتصالية من الود والانسجام بينها وبين ابنها، صنع فرصة جيدة لفهم طريقته في استيعاب التطور العالمي، وكذلك ساعدها في اكتشاف الأخطار المحدقة به، ومن ثم تحذيره منها بطريقة حميمية واحتوائية مطلوبة.
ولعل ما لفت نظري في الاقتباس الثاني أيضًا هذا التشابه بين ما يحدث من فئة الشباب الغربي المراهق، ونظيره من الشباب العربي، الذي يتفنن أفراده في استخدام المفردات البذيئة والشتائم، وتوظيفها ضمن مفرداتهم اللغوية اليومية – من وجهة نظري أن تلك السلوكيات تحدث عندنا لعدة أسباب مختلفة لها صلة وثيقة بتلك المرحلة الحرجة من حياتهم، مثل استرتيجية فرض السيطرة على أقرانهم المعتدلين، إما بالإهانة اللفظية وانتظار رد الفعل كذريعة للإشتباك الجسدي، أو التنمر إذا ما اكتشفوا استقامتهم وعدم تبادلهم الطريقة نفسها في التلاسن. كذلك يستخدم بعض الشباب المراهق تلك الطريقة للتعبير عن حالة التدفق الهرموني التي يمرون بها ووصولهم لمرحلة البلوغ الجنسي – بالسطو الكلامي والتعبير المنحرف، كأداة للتنفيس عن تلك المشاعر المرحلية.
وأنا أرى بأنه يجب عدم تركهم يعبثون بالتركيبة المستقيمة والمتوازنة، التي زرعناها ورسخناها بعقيدتهم التربوية السوية، مهما كانت الضغوط المحيطة بهم – لأنه يجب أن تكون لهم طريقتهم الخاصة لفرض كيانهم المستقل على غيرهم، وليس العكس، كما أتفق مع عالم النفس الكبير د. “كيفن” بأن إظهار الضيق أمام أبنائنا عند اكتشاف استخدامهم للألفاظ الشاذة، والشتائم والإيحاءات غير اللائقة، هو أمر هام للغاية من أجل تقويمهم بتأنيب الضمير، دون استخدام العنف معهم أو التساهل المفرط في معالجة الأمر،،، بل ربما يكون تذكيرهم بالقيم الدينية السامية، والأخلاق الكريمة التي تدعوا إليها الأديان السماوية طريقة سحرية وفعالة بقوة، إذا نجحنا من البداية في زرع الوازع الديني بداخلهم منذ نعومة أظفارهم،،، يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة النحل – بسم الله الرحمن الرحيم {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} صدق الله العظيم.
أحمد عاطف آدم
اقرأ فى هذه السلسلة:
– أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٩)
-
أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (١)