أحمد عاطف آدم يكتب: شهر الكرم دافع للعطاء المُنْهَمِر

بيان

هناك سؤال حائر يطرح نفسه علينا كل عام، خلال شهر رمضان الكريم – لماذا نشعر بالحنين لفعل الخير والعفو عند المقدرة، والبعد عن اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء، وقراءة القرآن وصلة الرحم، والتسليم أكثر بقرارات القدر؟،،.

أما اللافت في الإجابة التي يجتهد فيها كلًا منا عزيزي القاريء – هي أنها قد تخطر ببالنا في كثير من الأحيان بوسوسة من الشيطان نفسه، عندما يوهمنا بأن النفحات التي ذكرناها سببها الوحيد هو تكبيله وتصفيده بالأيام المباركات، وأنه المسؤول الوحيد لإطلاق العنان لشهوات الإنسان أو منعها، حسب حرية حركته وسريانه بمجرى دماء ابن آدم – وهذا خطأ كبير لا يمت للحقيقة بصلة تذكر، لأن قلب المؤمن فُطر على الخير لا الشر، وأن الشيطان ضعيفًا بمكائده وليس له أي سلطان على الإنسان، والأخير خُلق  في أحسن صوره، بمصير جعله الله في يده، وإرادة حرة يطوعها لخدمته وإعانته.

وإذا تأملنا آلية عمل جهاز مناعتنا، الذي أبدعه الخالق العظيم جل شأنه، فإننا سنكتشف أنه يعمل طوال أعمارنا على محاربة الأمراض التي تهاجم الجسد دون كلل أو ملل، مهما كانت درجة تعقيدها أو خبث نوايا جنودها المجندة، من جراثيم وفيروسات فتاكة – وإذا آمنا بأنه  يجب علينا اعتماد نفس الاستراتيجية الدفاعية المحكمة طوال الوقت، ضد خبث النفس الأمارة بالسوء وطمعها – شكرًا لله وعرفانًا بكرمه العظيم علينا – فإننا سوف نتجه لا إراديًا إلى فعل كل ما يقربنا من الله العاطي الوهاب، والتغلب في النهاية على آفات وأدوات الشيطان المُهلكة، من حقد وحسد وكراهية، تجاه بعضنا البعض، لأن الجسد والنفس يعملان بمنظومة واحدة مشتركة لخدمة الإنسان المُكرم من خالقه.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري. والحديث الشريف يبين لنا ضرورة استمرارية عمل الخير قبل رمضان وأثناءه وبعده، لأن رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، كان أكثر الناس جودًا وعطاءً في كل وقت وحين، وكان يزيد من فيض عطائه أثناء الشهر الفضيل، تقديرًا لقدسيته ومنزلته عند الله، ومن أهم طقوس التبجيل والاحترام التي اتبعها الروح الأمين جبريل عليه السلام، هو لقاؤه بسيدنا محمد وتبادلهم الحديث عن آيات القرآن بشهر القرآن،، قال تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} صدق الله العظيم.

وعطفًا على كل ما سبق يجب استغلال الشهر الفضيل، ليكون سببًا لما يحدث بعده من عطاء يتدفق كحبات المطر المنهر، لا يتوقف بعد انتهاء أيام الصيام المعدودات – بل يصبح سيلًا من الخير يعم قلوب الجميع، حتى نلقى وجه الله الكريم.

كل عام وانتم بخير.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى