محمد أنور يكتب: السيرة النبوية المختصرة (محمد صلى الله عليه وسلم) (5 من 6)

 بيان

تنكشف الحجب، وتمتد الرؤية، ويسقط الحس، ومع العزلة والسهر تولد الأفكار، وتُنشر أجنحتها، وتحلق في السماء، ولا شيء يعوق انطلاقها الحر.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في غار حراء يومًا، حين فوجئ بجبريل عليه السلام يقف على باب الغار، فاحتضن جبريل عليه السلام النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وضمه إلى صدره بشدة وهو يأمره قائلًا: “اقرأ”.
قال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنا بقارئ”.
فقرأ جبريل عليه السلام أول آيات القرآن وآخر رسالات السماء إلى الأرض: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم”. فرجع بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرتجف فؤاده، ويشعر بالبرودة والخوف والقلق، أيكون هذا اتصالًا بعالم الجن؟
قال لزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: “زملوني.. زملوني”.
أدركت خديجة رضي الله عنها أنها أمام أمر عظيم وبشارة ليس فيها ما يستوجب الخوف، فقالت له، ردًا على تخوفه:
“أبشر.. فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
ثم ذهبت به خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان لديه علم بالتوراة والإنجيل، وقد فقد بصره بسبب كبر سنه، فقالت له: “أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك”.
فقال ورقة: “يا ابن أخي، ما ترى؟”
فقص عليه النبي صلى الله عليه وسلم قصته كاملة، فقال ورقة وهو يرفع وجهه الذي أضاء بالدهشة:
“هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع”.
وأدرك ورقة بن نوفل، كعالم، أنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم الذي بشرت به التوراة والإنجيل، ثم عاد بعد لحظة صمت ليقول:
“يا ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك”.
فتساءل الرسول صلى الله عليه وسلم: “أومخرجيَّ هم؟”
قال ورقة بن نوفل: “نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا”.

بدأ الإسلام بحل مشكلة الإنسان من داخله، ووقع عبء هذا التغيير على القرآن، فكان القرآن يتحول إلى حياة يومية، وكانت آياته تتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعلمها لأصحابه والمسلمين، فيتحول القرآن الكريم إلى رجال يسيرون على أرض مكة، ويهددون عرش الكراهية الذي كان يحكمها.

يقين المسلمين، الذي زرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، أنهم يحملون رسالة من الله إلى العالم، رسالة تعيد إلى العالم رشده الذي فقده، وإنسانيته التي ضاعت منه، وحريته التي صودرت، وكرامته التي أُهدرت.
كانوا مدركين أنهم يعيدون بناء الإنسان من جديد، ويقدمون للعالم أول صورة نقية لعظمة الله الخالق جل جلاله.

طالع أيضا:

محمد أنور يكتب: السيرة النبوية المختصرة (محمد صلى الله عليه وسلم) (1 من 6)

محمد أنور يكتب: السيرة النبوية المختصرة (محمد صلى الله عليه وسلم) (4 من 6)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى