د. إسلام جمال الدين شوقى: استهلاك المصريين فى رمضان ظاهرة اقتصادية واجتماعية معقدة

بيان
سألنا الخبير الاقتصادى د. إسلام جمال الدين شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي: كيف يؤثر استهلاك المصريين في رمضان على الأسعار والناتج المحلي؟.. فقال:
يتميز شهر رمضان المبارك في مصر بزيادة ملحوظة في الاستهلاك حيث تتغير العادات الشرائية للأفراد والأسر، مما ينعكس بشكل واضح على الاقتصاد، ومع حلول الشهر الفضيل يزداد الإقبال على شراء المواد الغذائية والمشروبات، وكذلك بعض السلع الاستهلاكية الأخرى المرتبطة بالموائد الرمضانية والمناسبات الاجتماعية.
وأصاف د. شوقى فى تصريحات خاصة لـ “موقع بيان” موضحا أن هذا التحول الاستهلاكي يفرز تداعيات متنوعة على المشهد الاقتصادي في مصر بين تحفيز بعض القطاعات وإثقال كاهل أخرى.
الإحصائيات والاستهلاك
وأشار إلى أن الإحصائيات تكشف أن المصريين ينفقون مبالغ طائلة على الطعام خلال شهر رمضان، حيث يُقدر إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية والمشروبات بملايين الجنيهات.
وتتصدر اللحوم والدواجن في مقدمة السلع الأكثر استهلاكًا، إذ يتم استهلاك ملايين الكيلو جرامات من اللحوم الحمراء والبيضاء خلال الشهر، كما تزداد معدلات شراء السلع الرمضانية التقليدية مثل الياميش، والتمر، والمكسرات، والتي تُعدُ عنصرًا جوهريًا في النظام الغذائي الرمضاني، ويلاحظ أيضًا ارتفاع استهلاك الخبز والفول، نظرًا لاعتماد الكثيرين عليهما في وجبة السحور.
المستهلكون والتجار
ويؤثر هذا النمط من الاستهلاك على الأسواق المحلية، ويؤدي إلى زيادة الطلب على السلع، مما قد يدفع إلى ارتفاع الأسعار خاصةً مع تزايد الإقبال على سلع بعينها.
كما يستثمر بعض التجار هذه الفرصة لمضاعفة أرباحهم فيواجه المستهلكون ارتفاعاً ملحوظًا في الأسعار مقارنة بباقي شهور السنة،
وللتخفيف من حدة هذه التأثيرات تُبادر الحكومة بطرح السلع الأساسية في منافذ البيع بأسعار مخفضة، وتقيم معارض “أهلاً رمضان” لتوفير احتياجات المواطنين بأسعار مخفضة.
وواصل الخبير الاقتصادى أنه من زاوية أخرى، ينعكس هذا الارتفاع في الإنفاق بشكل إيجابي على عدة قطاعات اقتصادية، وبالأخص تجارة التجزئة وصناعة الأغذية، لذلك تزيد المصانع من طاقتها الإنتاجية لمواكبة الطلب المتزايد.
كما يحقق التجار وأصحاب المحال التجارية أرباحًا كبيرة خلال هذا الشهر.
ولكن على الرغم من هذه الفوائد، فإن نمط الاستهلاك المفرط في شهر رمضان قد يؤدي إلى بعض المشكلات الاقتصادية مثل ارتفاع معدلات الاستيراد لسد احتياجات الأسواق، مما يشكل ضغطًا على الميزان التجاري.
المستوى الاقتصادي الأشمل
ويستدرك د. شوقى، أما على المستوى الاقتصادي الأشمل فإنه يمكن اعتبار شهر رمضان فترة زمنية تساهم في إعادة توزيع الدخل بين مختلف القطاعات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال بينما تشهد قطاعات مثل الصناعات الغذائية، والبيع بالتجزئة، والنقل العام نشاطًا متزايدًا، فإن بعض القطاعات الأخرى قد تشهد تباطؤًا ملحوظًا مثل التصنيع الثقيل والصناعات غير الغذائية نتيجة انخفاض ساعات العمل وزيادة الإجازات.
وهكذا تتباين تأثيرات شهر رمضان على الناتج المحلي الإجمالي، حيث يكون التأثير إيجابيًا في بعض المجالات وسلبيًا في مجالات أخرى.
التأثير على الناتج المحلي
وفيما يتعلق بتأثير هذا الاستهلاك على الناتج المحلي الإجمالي، يشهد الاقتصاد المصري انتعاشًا في بعض القطاعات خلال شهر رمضان، خاصةً تجارة المواد الغذائية والمشروبات، إلا أن هذا التأثير غالبًا ما يكون مؤقتًا، فبمجرد انتهاء الشهر الكريم يعود الاستهلاك إلى مستوياته الطبيعية، مما يجعل التأثير الكلي على النمو الاقتصادي محدودًا.
وعلى الرغم من ذلك (الكلام ما زال للخبير الاقتصادى) فإن زيادة الإنفاق قد تؤثر على معدلات الادخار لدى الأسر المصرية، حيث يتجه الكثيرون لإنفاق جزء كبير من دخولهم على مستلزمات الشهر الكريم.
كما قد يسبب ارتفاع الواردات لتغطية الطلب المرتفع إلى اختلال في الميزان التجاري، مما يزيد من العجز المالي إذا لم يُقابل ذلك بزيادة في الصادرات أو الإنتاج المحلي.
ويلفت د. شوقى إلى أن شهر رمضان يؤثر على مستوى العمل والإنتاجية في المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء حيث تتراجع معدلات الإنتاج في بعض القطاعات نتيجة تخفيض ساعات العمل وتغيير أنماط الحياة، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأداء الاقتصادي خلال هذا الشهر.
ومع ذلك تشهد بعض القطاعات كالسياحة الدينية والمنشآت الفندقية رواجًا كبيرًا خاصةً مع توافد السائحين من الدول العربية والإسلامية لقضاء شهر رمضان في مصر.
ظاهرة معقدة
ويمكن القول إن استهلاك المصريين خلال شهر رمضان يُشكل ظاهرة اقتصادية واجتماعية معقدة تحمل في طياتها إيجابيات وسلبيات، فمن جانب يُساهم هذا الاستهلاك في تنشيط بعض القطاعات التجارية والصناعية، لكنه في الوقت نفسه قد يضغط على القدرة الشرائية للأفراد ويرفع الأسعار.
كما أن التأثير الاقتصادي لشهر رمضان لا يقتصر فقط على المستوى المحلي، بل يمتد ليؤثر على العلاقات التجارية مع الدول الأخرى من خلال زيادة معدلات الاستيراد والتصدير.
وينتهى د. إسلام جمال الدين شوقي، إلى القول: يبقى التوازن في الإنفاق والتخطيط المالي الجيد للمصروفات خلال شهر رمضان أمرًا ضروريًا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للأسر المصرية وللاقتصاد المصري بأكمله.