أحمد عاطف آدم: التجارة مع الله ربحها مضاعف

انتهى

انتهي من صلاة الجماعة بالمسجد ونظر عن يمينه فألقى التحية على جاره بالصف، وهمس إليه بسؤال: أليس لك حاجة لأقضيها عنك؟، فرد الرجل شاكرًا ومؤكدًا بعدم حاجته لأي شيء، كرر الأمر مع المصلي الآخر عن يساره، فرد الأخير: “نعم لديَّ حاجة أخي الفاضل، وهي قضاء دين قيمته كذا، وللأسف لا أستطيع الوفاء به، لضيق ذات اليد”، فأخرج ضيف الله المعطاء قيمة الدين وسلمه إياه،، ثم سأل الرجل الفقير أخاه الكريم قائلًا: عذرًا أخي الفاضل ماذا تعمل، فأجابه: أنا أستاذ جامعي، فسأله سؤال أخير: ولماذا استفسرت عن حاجتي؟، فأجابه قائلًا: عندما كنت طالبًا بالصف الأول الجامعي توفي والدي وكان رجلًا رقيق الحال، وبينما كنت أصلي بالمسجد وجدت من يسألني نفس السؤال الذي سألته لك، فأجبت بأنني أحتاج دفع مصروفاتي الجامعية ولا أستطيع لأنني متعثر، فاستفسر عن جامعتي، ووجدته يداوم سنويًا على تسديد نفقاتي الدراسية، حتى أنهيت تلك المرحلة بتفوق كبير، لم أنسى ما فعله هذا الرجل من أجلي، وذهبت إليه محاولًا معرفة كيفية رد الدين، فقال: أن تفعل مع من تستطيع  مثلما فعلت أنا معك .

تلك القصة عزيزي القارىء قصها إمام المسجد بخطبة الجمعة مؤخرًا، وكم كانت معبرة وملهمة للغاية بالنسبة لي،، والإلهام أعتقد بأنه أصاب يقين الأستاذ الجامعي أيضًا، عندما كان طالبًا للعلم وضاق به الحال، فمكن الله منه رحمته عز وجل، وسخر له من يقف بجانبه ويساعده،، بمنحة من السماء حملها له رجلًا لا يعرفه من قبل – وحقيقة الأمر أنها كانت منحتين وليست منحة واحدة، الأولى هي قيمة المصروفات الدراسية عن كل أعوام دراسته قبل تعيينه معيدًا، ثم أستاذًا جامعيًا، والمنحة الثانية هي ترسيخ تلك القيمة العظيمة من الإحسان في قلب الرجل، لتكون دافعًا لتكرار الأمر مع المحتاجين والمتعثرين بأمور حياتهم، تجارة مع الله الوهاب، تمت حسب طلب الدائن – بأن يكون رد الدين باستنساخ العطاء وليس بإعادة الأموال.

يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة الشورى، بسم الله الرحمن الرحيم{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } صدق الله العظيم، وهي من أكثر آيات الذكر الحكيم تعبيرًا عن قيمة العمل في سبيل الله، بالإنفاق والسعي لقضاء حوائج الناس قدر الاستطاعة،، والأروع أن يكون ظهورك خاطفًا لقلوب الملهوفين، بشكل مفاجيء وغير متوقع، عندما تدور باحثًا وقارئًا بشغف للأحداث والوجوه المحتارة، فتزيل بمسحة ساحرة تلك الحيرة عن أصحابها، وهذا (الحَرْثَ) بمعنى “العمل الصالح” جاء في الآية الكريمة، دالًا على عظمة مضاعفة الأجر أضعافًا مضاعفة، لأن التجارة مع الله يزيدها الرزاق الحكيم، رزقًا وفيرًا لا يعد ولا يحصى من الحسنات، أو كما جاء في سورة البقرة، بسم الله الرحمن الرحيم { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } صدق الله العظيم.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى