باسم العاصي يكتب: ملامح النظام

بيان
في ظل عالم مضطرب، لم يعد بالإمكان توقع أحداثه بعدما تراجعت مؤسساته أمام خطابات شعبوية، نتيجة انخفاض مستويات النمو المرتفعة المرتبطة بتوسيع الأسواق العالمية، وظهور التنين الصيني في تلك الأسواق، وتأثير الذكاء الصناعي في مجرى الأحداث بخلق واقع جديد، تغير على أثره العالم عما كان عليه بحركته ونظامه وآليات عمله.
وتجلى هذا التأثير على صعيد الاقتصاد والسياسة وصناعة القرار، وتراجعت الديمقراطيات وترنحت في البلاد الغربية عندما فرض الإعلام ووسائله المالية المملوكة للقطاع الخاص سلطته، مقدمًا مصالحه على أي اعتبارات أخلاقية ودولية.
إذ أدى التحول البنيوي الرأسمالي بحكم توسعه في المجال المعلوماتي إلى طموحات إمبريالية فوضوية، بحكم قدرته على تشكيل إدراك الآخرين وتلبيس الحقائق واقتحام الخصوصية وتحليلها للتلاعب بالمفاهيم والقناعات.
ومن هنا، أصبح الحاكم الفعلي ليس رجل السياسة، بل المسيطر على الأسواق المالية والشبكات المعلوماتية المملوكة للقطاع الخاص.
وفي ظل صعود منافس في مجال الذكاء الصناعي في السوق العالمي على أسس إدارة مركزية متمثلة في الدولة، وهي الصين، فقد سقطت القشرة الحضارية للعالم الأول، وبدأت انقساماته على نفسه، والمناداة بالاقتصاد القومي، وصعود اليمين المتطرف لفرض نموذج إمبريالي أقرب للفاشية، لتوزيع القوى من خلال مجالات النفوذ الإقليمي والجغرافية السياسية والتجارية، بما يهدد النظام العالمي الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية بشكل متداخل ومعقد، بما يسمح بأكبر قدر ممكن من الاستقرار السياسي رغم عدم عدالته.
وقد بدأ تصدع هذا النظام بعد محاولة فرض قواعد تعسفية على السوق العالمي والسيطرة واحتكار مصادر المعادن التي أصبحت المحركة لاقتصاد القرن الحادي والعشرين.
إن ما نراه اليوم من تحالف رأس المال وتكنولوجيا القطاع الخاص، الذي تمثل اليوم في ترامب وإيلون ماسك ولغتهم الخطابية غير المسؤولة والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدبلوماسية والدولية، هو تحالف غير مسؤول وغير أمين على السلم العالمي ومصائر الشعوب.
وكثيرًا ما تردد عن قدرة النظم الديمقراطية على إصلاح نفسها، وها هي هذه النظم العريقة أمام هذا الاختبار الصعب أمام متغيرات لا محالة قادمة على المسرح العالمي، وظهور قوى أخرى ستكون بالتأكيد نتيجتها نظامًا عالميًا جديدًا.