د. محمد السعيد إدريس يكتب: مملكة إسرائيل الكبرى بين الواقع والخيال

بيان

لسنوات طويلة مضت، وحتى الآن، كانت توجد جماعات مصالح عربية تستنكر دائماً أى حديث عن وجود مخططات وأطماع توسعية لكيان الاحتلال الإسرائيلى. هؤلاء كانوا ومازالوا يصفون أى حديث عن نوايا إسرائيل الخبيثة ومخططات توسعها لبناء «إسرائيل الكبرى» من الفرات إلى النيل وليس فقط الاستيلاء الكامل على كل فلسطين من النهر إلى البحر بأنها «رؤى أو عُقد أيديولوجية»، وأن أى خطاب من هذا النوع الذى يحذر من تلك الأطماع هو مجرد «خطاب أيديولوجى» وأنه «لغة خشبية» عفا عليها الزمن، وأن الواقعية السياسية يجب أن تفرض الإيمان بالسلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلى، وأن تروِّج لما يسمى «ثقافة السلام» التى تفرض على الخطاب الرسمى العربى فى أقطار عربية كثيرة وخاصة الأقطار التى سلكت «طريق السلام» مع هذا الكيان الاحتلالى.
من “الحزام الأمني” إلى نزع “سلاح المقاومة”
والآن تتكشف الحقائق التوسعية لكيان الاحتلال المدعوم أمريكياً، خاصة ما يتعلق بالاستيلاء الكامل على أرض فلسطين، وما يحدث الآن من صراع حول «قطاع غزة» يؤكد ذلك ويؤكده أكثر ما يحدث فى الضفة الغربية التى تقرر ضمها وتهجير أهلها قسرياً وفرض تسميتها «يهودا والسامرة» ، لكن ما هو أخطر هو الرفض الإسرائيلى للانسحاب من جنوب لبنان والعمل من أجل فرض «حزام أمنى» فى مساحة تحددها السلطات الإسرائيلية على أرض جنوب لبنان، والتطلع إلى القضاء الكامل على حزب الله فى لبنان ليس فقط بالعمل مع الولايات المتحدة على «نزع سلاح» المقاومة تحت شعار إن السلاح يجب أن يكون فقط بين الدولة، ولكن أيضاً العمل من أجل تصفية حزب الله سياسياً، وإخراجه نهائياً من المعادلة السياسية اللبنانية، بل إن هناك من يتحدث عن تصفية «بيئة المقاومة» أى أبناء الطائفة الشيعية فى لبنان، وترحيلهم إلى خارج لبنان كى يصبح لبنان قاعدة نفوذ إسرائيلى – أمريكى خالصة، لكن الجديد هو ما يتعلق بسوريا والدعوة إلى تقسيمها واحتلال مساحات واسعة من الجنوب السورى وإقامة العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية على المناطق التى احتلتها القوات الإسرائيلية فى الأسابيع التى تلت عملية إسقاط النظام فى سوريا.

إسرائيل وأمريكا ترفضان القرار العربي
ففى الوقت الذى أعلنت فيه إسرائيل والولايات المتحدة رفض مقررات قمة فلسطين التى عقدت فى القاهرة (الثلاثاء 4 مارس 2025) كانت دعوة تقسيم سوريا تتوسع على المستويين، مستوى الدعوة إلى التقسيم والإعداد لمؤتمر دولى يستهدف تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية من منطلق أن مثل هذا التقسيم سيكون فى مقدوره حماية الأمن الإسرائيلى ، وعلى المستوى الفعلى بالعمل من أجل الوصاية والنفوذ الإسرائيلى على الطائفة الدرزية وتهديد السلطات الجديدة فى دمشق من المساس بأى مصالح لتلك الطائفة. فبعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ورفض أى تهجير لأبناء القطاع سارعت إسرائيل والولايات المتحدة بإعلان رفضهما للقرار العربى الصادر بهذا الخصوص. وفيما أعلن البيت الأبيض رفضه للخطة قائلاً إنها «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة فى القطاع». جاء الموقف الإسرائيلى أكثر صراحة، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن القمة العربية «فشلت فى معالجة الواقع بعد 7 أكتوبر 2023» وأنها «مازالت أسيرة رؤى قديمة». ما تريده إسرائيل فعلياً هو تفريغ قطاع غزة نهائياً والاستعداد لضمه إلى كيان الاحتلال بتوافق مع جهود مماثلة تحدث الآن فى الضفة الغربية كخطوة أساسية لجعل كل الوطن الفلسطينى ملكية خالصة لليهود دون غيرهم حسب ما ورد فى «قانون القومية» الذى يجرى تنفيذه الآن.
تأسيس «حزام أمنى» فى جنوب لبنان وسوريا، ثم مصر
أما الخطوة التالية فهى تأمين الحدود الإسرائيلية مع كل من لبنان وسوريا والتلميح الصريح لوجود تهديدات لهذه الحدود مع مصر أيضاً، أى العمل على وضع مصر هى الأخرى على أجندة مطالب وضرورات الأمن الإسرائيلى بالدعوة إلى تفريغ سيناء من أى وجود عسكرى مصرى يخالف نصوص معاهدة كامب ديفيد. وإذا كانت إسرائيل تحذر الآن من مخاطر التسليح المصرى المتصاعد والوجود العسكرى المصرى الكثيف على أرض سيناء فإنها تعمل الآن على تأسيس ما يسمى بـ «حزام أمنى» فى جنوب لبنان، والعمل على تأمين الجبهة الإسرائيلية مع سوريا بالدعوة إلى تقسيم سوريا وتأسيس دولة درزية فى الجنوب ودولة كردية فى الشمال وفرض إسرائيل حامية لما يسمونه بـ «الأقليات العرقية والطائفية فى سوريا».
مملكة إسرائيل الكبرى لم تعد «حديث مؤامرة»

إن دعوة وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر فى بروكسل (24/2/2025) إلى تحويل سوريا إلى «دولة فيدرالية» تضم مناطق حكم ذاتى، جرى توسيعها إلى مقترح أوسع يستهدف تقسيم سوريا حسب ما كشفت صحيفة عبرية حيث تحدثت عن اجتماع سرى محدود لمجلس الوزراء الإسرائيلى لمناقشة اليوم التالى فى سوريا وانتهى باقتراح عقد مؤتمر دولى لتقسيم سوريا إلى كانتونات . مملكة إسرائيل الكبرى لم تعد «حديث مؤامرة» بل أضحت واقعاً يتجسد يوماً بعد يوم فكيف سيكون الرد العربى، إذا كان مازال هناك أمل فى رد عربى بعد أن تحول «الخيال» إلى «واقع» بل واقع مرير.
……………………………………………………………………………………………….
الرابط الأصلى للمقال: