ماذا يعنى لسوريا توقيع نظام الشرع اتفاقا مع الأكراد ؟!

كتب: أشرف التهامي

في الأيام الأخيرة، وقّع النظام الجديد في سوريا اتفاق مع القوات الكردية (قسد)، يهدف إلى دمجهم في الدولة وآلياتها.
كما وردت أنباء خلال الأيام القليلة الماضية تفيد بأن النظام يُجري مفاوضات متقدمة بشأن اتفاق مماثل مع القيادة الدرزية.
تُعدّ هذه الاتفاقات جزءًا من جهود الشرع لتوحيد سوريا تحت حكومة مركزية، ومحاولةً لدفع عجلة إعادة إعمار البلاد.

ماذا يعنى الاتفاق بين النظام الجديد والقوات الكردية.؟!

وُقّع الاتفاق بين النظام الجديد والقوات الكردية في دمشق في العاشر من مارس ، بين أحمد الشرع ومظلوم العبادي، قائد قسد. وتشير تقارير مُختلفة إلى أن الاتفاق تم بوساطة وضغط أمريكيين.
ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الضغط مرتبطًا بإعلان ترامب عن خطته لسحب القوات الأمريكية من سوريا، وما يُشير إليه من احتمال تحرك دبلوماسي أمريكي واسع النطاق في الشرق الأوسط، كما يُؤكد الاتفاق على أن الأكراد جزء من الشعب السوري والبلاد، ويُنظّم اندماجهم فيها.


ومن بين أمور أخرى، تم الاتفاق على:
دمج المؤسسات المدنية الكردية في مؤسسات النظام الجديد.
دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش والأجهزة الأمنية الجديدة.
الاتفاق على تمثيل الأكراد في النظام السياسي ومؤسسات الدولة.
عودة اللاجئين إلى مناطق نزوحهم تحت حماية النظام.
كما تم التأكيد على أن السيطرة على المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز ستكون تحت سيطرة الحكومة، إلا أن المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية أوضح أنه في هذه المرحلة لن يكون هناك أي تغيير فيما يتعلق بالسيطرة على البنية التحتية للطاقة، وأن قوات النظام ستنتشر فقط على الحدود مع العراق وتركيا، ويُنفذ بنود الاتفاق خلال عام واحد من تاريخ التوقيع.

الشرع يُجري مفاوضات متقدمة للتوصل إلى اتفاق مع الدروز

كما ذُكر سابقًا، وبالتزامن مع توقيع الاتفاق مع الأكراد، زعمت تقارير عديدة خلال الساعات الساعات الماضية أن الشرع يُجري مفاوضات متقدمة للتوصل إلى اتفاق مع الدروز أيضًا، ولكن لا توجد معلومات رسمية بهذا الشأن حتى الآن.

وأشارت التقارير إلى أن الاتفاق يُفترض أن يكون مشابهًا للاتفاق مع الأكراد، وفي إطاره ستعود الوزارات الحكومية المختلفة للعمل في السويداء، وستتمكن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من الانتشار والعمل في جميع أنحاء المحافظة.
إضافةً إلى ذلك، يبدو أن التنظيمات الدرزية المسلحة ستُلحق بالأجهزة الأمنية وتُدمج فيها، ولكن ليس من الواضح في هذه المرحلة شكل هذا الدمج.
يُعدّ توقيع هذه الاتفاقيات (إن وُقعت بالفعل مع الدروز) نجاحًا كبيرًا للنظام الجديد.
أولًا، يُمكّن من تحييد مركزين رئيسيين للمعارضة كان من الممكن أن يُزعزعا استقرار الحكم.
ثانيًا، يُدمجهما في عمليات إعادة التأهيل وإعادة الإعمار في سوريا، مما يُسهم في تعزيز شرعية النظام.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على منطقة جغرافية واسعة تشمل البنية التحتية للنفط والغاز، وأن السيطرة على هذه المنطقة ستتيح أيضًا مراقبة أدق للحدود مع العراق وتركيا. كما يُحيّد الاتفاق، في الوقت الحالي، التطلعات الانفصالية الكردية.

بالنسبة للأكراد

قد يكون الاتفاق وسيلةً لتخفيف الضغط من تركيا، التي تسعى لإبعاد الأكراد عن مناطقها الحدودية والحد من نشاطهم.

بالنسبة للدروز

وتوقيع الاتفاق مع الدروز، إن حدث، مهمٌّ أيضًا، إذ كانوا من أقوى القوى في سوريا على مر السنين. إن موافقة القيادة الروحية في السويداء على العمل إلى جانب النظام يمكن أن تُهدئ التوترات ليس فقط مع جبل الدروز، بل أيضًا مع التجمعات الدرزية الأخرى في البلاد.
كما يمكن لهذه الخطوة أن تُخفف التوترات مع إسرائيل وتُطمئن الغرب بشأن موقف النظام الجديد تجاه الأقليات (خاصةً على خلفية اشتباكات الأسبوع الماضي مع العلويين).
مع ذلك، يثير توقيع الاتفاق مع الأكراد تساؤلات عدة:
أولًا، الاتفاق بصيغته الحالية عام جدًا، ولا يتضمن تفاصيل معمقة لأي من بنوده، بل هو في معظمه تصريحي. على سبيل المثال، لا يذكر الاتفاق وضع الأكراد في البلاد، وما إذا كان سيتم الحفاظ على بنيتهم ​​السياسية والاجتماعية واستقلاليتهم. كما لا يتناول الاتفاق المناطق التي سيُسمح للاجئين والنازحين بالعودة إليها، وما إذا كانت تشمل الأراضي التي سيطرت عليها تركيا وقوات الجيش الوطني السوري في شمال سوريا. إضافةً إلى ذلك، من غير الواضح كيفية توزيع أرباح تشغيل حقول الغاز والنفط في هذه المنطقة.
ثانيًا، لا يزال موقف تركيا من الاتفاق غامضًا، وكذلك مشاركتها في صياغته، إن وُجدت.
أيضًا، على الرغم من أن الاتفاق ينص على أن الدولة ستوفر الحماية للنازحين، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك بالتنسيق مع تركيا وقوات الجيش الوطني السوري، وما إذا كان الشرع سيتخذ إجراءات ضدهم في حال عدم التزامهم بالاتفاق.
هناك مسألة مهمة أخرى، لا تتعلق مباشرةً بالاتفاق، بل تتعلق بالتطورات في سوريا، تتعلق بالوجود الأمريكي في البلاد والعلاقات مع إسرائيل. وكما ذُكر، ثمة مؤشرات على نية الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وهذا يتطلب إعادة تقييم للموقف الأمريكي تجاه الأكراد والنظام الجديد في سوريا وقدرته على التأثير عليه بعد رحيله.

فيما يتعلق بإسرائيل

ورغم التوتر وعمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، من الواضح وجود بعض الحوار مع النظام الجديد. ويتجلى ذلك في نية السماح للعمال الدروز بالعمل في إسرائيل، وكذلك في خطة السماح لـ 100 شيخ درزي سوري بزيارة إسرائيل.

وأخيرًا

ورغم التفاؤل الذي يبثه نظام الشرع بشأن استقرار البلاد وإعادة تأهيلها، تجدر الإشارة إلى أن الوضع في سوريا لا يزال غير مستقر. لم يتوصل الشرع بعد إلى اتفاقات مع الجيش الوطني السوري في شمال البلاد ومع قادة اللواء الثامن في الجنوب.
إضافةً إلى ذلك، ورغم التصريحات المتعلقة بهزيمة فلول نظام الأسد، لا يزال هناك عددٌ لا بأس به من المنظمات المحلية المؤيدة للنظام السابق في سوريا، ومن المرجح أن تستمر في العمل في المستقبل المنظور.
يُضاف إلى ذلك أن الشرع يتبنى موقفًا معتدلًا وبراغماتيًا نسبيًا مقارنةً بالفصائل الأخرى في سوريا، وليس من المؤكد أن هذه المنظمات ستتعاون معه فيما يتعلق بحقوق المرأة والأقليات، وتقارب سوريا مع الغرب، وغيرها.
وتتعلق قضية أخرى بالتوترات الطائفية في سوريا. وكما رأينا الأسبوع الماضي، من غير المتوقع أن تهدأ هذه التوترات قريبًا، ومن المرجح أن تكون عاملًا مهمًا في تشكيل العلاقات بين الطوائف والأديان والسياسة في سوريا، لا سيما في ظل انخراط دول مختلفة في البلاد.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى