طارق صلاح الدين يكتب: مفاوضات عبثية ترحب بها جميع الأطراف 

بيان

شهد شهر يناير الماضي قبول إسرائيل وحماس مبادرة تتضمن ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار.

وانتهت المرحلة الأولى من الاتفاق، التي استغرقت 42 يومًا، تم خلالها وقف العمليات العسكرية من الطرفين، وانسحبت القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المأهولة بالسكان حتى مناطق بمحاذاة الحدود، وتم تعليق النشاط الجوي الإسرائيلي مؤقتًا بمعدل عشر ساعات يوميًا واثنتي عشرة ساعة في أيام إطلاق سراح المحتجزين.

وتم بالفعل إفراج إسرائيل عن ألفين من الأسرى، بينهم 250 من أصحاب المؤبدات، وألف من المعتقلين بعد 7 أكتوبر 2023.

وفي المقابل، تم إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية.

وتطلعت حماس إلى تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تنص على وقف دائم لإطلاق النار، وعدم العودة للحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وإطلاق باقي الرهائن الإسرائيليين مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.

وكعادة الإسرائيليين في أي مفاوضات، رفض نتنياهو دخول المرحلة الثانية من المفاوضات، لرفضه إنهاء الحرب، نظرًا لفشله في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها بعد هجوم السابع من أكتوبر.

ودخلت جميع الأطراف في مفاوضات عبثية جديدة، أطلقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية “مفاوضات تقريب الفجوات”، وانخرطت حماس في هذه المفاوضات رغم إعلانها مرارًا وتكرارًا عن ضرورة تنفيذ المرحلة الثانية، وأنها لن تقبل بذلك بديلًا أبدًا.

وبنظرة فاحصة للأمور، نجد أن جميع الأطراف تصب مصالحها في هذا العبث التفاوضي.

ونتنياهو هو المستفيد الأول، باعتبار أن كل يوم يمر وهو في منصبه يعد كسبًا للوقت وتأخيرًا لمحاكمته بتهمة التقصير الذي أدى إلى هجوم السابع من أكتوبر 2023.

ويطمع نتنياهو في إطالة أمد التفاوض إلى أقصى حد ممكن، مع ترك الباب مفتوحًا لاستئناف الحرب بعد إطلاق سراح جميع المحتجزين، وربما يتمكن من القضاء على حماس وتحقيق أهدافه المستحيلة من الحرب، لا سيما بعد تراجع حليفه ترامب عن فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

وحماس لا تقل ترحيبًا بإطالة أمد التفاوض عن نتنياهو، لأن كل يوم يمر يدعم وجودها في بؤرة الأحداث دون غيرها، وبالتحديد دون السلطة الفلسطينية، وهو ما يفسر دخول حماس في مفاوضات لاستئناف المفاوضات الأصلية وعدم التمسك بتطبيق المرحلة الثانية دون شروط.

ولم تكتف حماس بذلك، بل دخلت مفاوضات فرعية ثالثة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سري، مما أغضب إسرائيل، بهدف فرض وجود حماس على الراعي الأمريكي مباشرة وليس فقط على التابع الإسرائيلي.

وهو وجود ردت حماس من خلاله بطريقتها الخاصة على خطة ترامب بشأن غزة.

وتقدمت حماس بمقترح جديد تضمن إطلاق سراح الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر، بالإضافة إلى رفات أربعة أسرى آخرين، بشرط بدء إسرائيل مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب.

وتأكيدًا على مبدأ العبث التفاوضي، رفضت إسرائيل هذا العرض، بل ووصفته بأنه ألاعيب وحرب نفسية تجيدها حماس، رغم موافقة نتنياهو في البداية على أن تكون هذه المفاوضات الفرعية جزءًا من المفاوضات الأصلية.

وطالب نتنياهو بالإفراج عن المزيد من الرهائن والرفات، مع عدم مغادرة محور فيلادلفيا، كشروط لقبوله دخول المرحلة الثانية من المفاوضات، التي يملي من خلالها شروطه لإنهاء الحرب والظهور أمام المجتمع الإسرائيلي بمظهر المنتصر.

أما الطرف الثالث، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فقد رفضت عرض حماس لأنها كانت تنتظر موافقة حماس على المقترح الأمريكي بتمديد المرحلة الأولى حتى منتصف أبريل، وإطلاق سراح نصف الرهائن، أحياء وأمواتًا، في اليوم الأول لتنفيذ المقترح الأمريكي، بما يضعف موقف حماس التفاوضي.

ورفضت أمريكا رفضًا باتًا طلب حماس بأن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية يوم الإفراج عن عيدان ألكسندر والرفات الأربعة، وألا تستمر أكثر من 50 يومًا.

وأعلن المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف أن حماس تراهن بشكل سيئ للغاية على أن الوقت لصالحها، بينما الحقيقة عكس ذلك تمامًا.

وبدأت نبرة التهديد الأمريكية تعلو، وأن الرد الأمريكي سيكون شديدًا ومروعًا إذا لم تلتزم حماس بالموعد النهائي، وعاد ويتكوف يردد تصريحات ترامب بأن حماس ستدفع ثمنًا باهظًا لعدم إطلاق سراح الرهائن.

ومن جهتها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم سرًا الحصار الإسرائيلي المفروض على المساعدات، التي تمنع إسرائيل دخولها إلى قطاع غزة منذ أسبوعين، للضغط على حماس كي توافق على تمديد المرحلة الأولى ونسيان المرحلة الثانية مؤقتًا، وهو ما ترفضه حماس بشكل قاطع، معتبرة أن ورقة الرهائن هي الورقة الوحيدة المتبقية في حوزتها، وأن التفريط فيها دون تحقيق أهداف الحركة من الحرب يُعتبر حكمًا بالإعدام على الحركة وجميع الفصائل الفلسطينية المسلحة.

قادم الأيام يحمل استمرارًا في عبثية المفاوضات، التي تريح جميع الأطراف وتجعلها تقف على حافة تحقيق وعدم تحقيق الحسم النهائي للموقف، والذي سيحمل نقاط نصر يسعى إليها الجميع، ونقاط خسارة يسعى الجميع أيضًا إلى الابتعاد عنها، ولكن حتماً سيصل الجميع إلى نقطة النهاية، وسيربح وقتها القادر على الاحتفاظ بعنصر النصر.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى