مع استئناف إسرائيل لهجماتها.. حماس تحولت إلى حرب العصابات والحكم اللامركزي 

أشرف التهامي.
على الرغم من تكثيف إسرائيل لهجومها على غزة، فإن حركة حماس تتكيف على جبهات متعددة – الحفاظ على الحكم تحت النيران، والاعتماد على الاتصالات منخفضة التقنية ومواصلة تكتيكات حرب العصابات وسط التشرذم الداخلي وتحول السيطرة.

التحول من الجمود الدبلوماسي إلى التصعيد العسكري

عودة إسرائيل إلى القتال في غزة هذا الأسبوع، والتي اتسمت بموجة مفاجئة من الغارات الجوية على أهداف تابعة لحماس، أشارت إلى التحول من الجمود الدبلوماسي إلى التصعيد العسكري ــ والاعتراف بأن أهداف الحرب الأوسع نطاقاً التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها لا تزال بعيدة كل البعد عن التحقيق.
جاء الهجوم المتجدد، الذي أنهى وقف إطلاق نار هشًا مساء الأربعاء، بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات التي فشلت في تحقيق إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس.
وأصرّ القادة الإسرائيليون على أن القوة وحدها كفيلة بتحقيق النتائج، ويبدو الآن أنهم يوسعون نطاق تركيزهم من مكاسب ساحة المعركة إلى القيادة السياسية للحركة.
وقالت مصادر إسرائيلية إن عصام الدعاليس، رئيس حكومة حماس الفعلية في غزة، كان من أوائل المستهدفين. وبينما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد قُتل أم جُرح، تُبرز هذه الخطوة نية إسرائيل تقويض ليس فقط الجناح العسكري لحماس، بل جهازها الحاكم أيضًا – وهو هدفٌ صرّح به المسؤولون الإسرائيليون منذ الأسابيع الأولى للحرب.
ومع ذلك، حتى بعد أشهر من القتال، لا تزال حماس تعمل، إن قدرتها على التكيف التكتيكي – بالانتقال من هياكل قيادية منظمة إلى قيادة لامركزية، ومن إطلاق الصواريخ على نطاق واسع إلى حرب العصابات – سمحت للحركة بالصمود تحت ضغط شديد.
بعد مقتل يحيى السنوار، القائد الأعلى لحماس في غزة، في غارة إسرائيلية في وقت سابق من الحرب، انتقلت الحركة إلى نموذج مجلس القيادة.

ووفقًا لمصادر نقلتها رويترز، صُمم هذا التحول لتجنب الاعتماد على شخصية واحدة. وفي مواجهة قدرات المراقبة الإلكترونية والسيبرانية الإسرائيلية، لجأ عناصر حماس إلى أساليب تواصل بسيطة، بما في ذلك المذكرات المكتوبة بخط اليد والمراسلات البشرية.
طوال فترة النزاع، أفادت التقارير أن الدعاليس واصل إدارة الشؤون المدنية في القطاع، وضمان دفع رواتب موظفي القطاع العام، والتنقل سرًا بين المؤسسات.
ووصفه أحد مساعديه بأنه كان يتنقل سيرًا على الأقدام أو بالسيارة، مستخدمًا ملاحظات مكتوبة بخط اليد لتنسيق الأنشطة. وقال المصدر:
“تخيلوا محاولة توزيع الرواتب في أنحاء غزة بينما الدبابات والطائرات تحلق في السماء”.
أعلن جهاز الأمن الداخلي لحماس، يوم الجمعة، إعدام رجل متهم بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية، وهو عملٌ يؤكد استمرار سيطرة الحركة على أجهزة إنفاذ القانون الداخلية، حتى في ظل القصف العنيف، ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول مدى متانة هذه السيطرة، وما إذا كان الهيكل المدني لحماس قادرًا على تحمل الضغط الإسرائيلي المستمر.

إعادة بناء القدرات

وفي تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، أعربت مصادر في حماس عن ثقتها في إعادة بناء أنظمتها الإدارية، تمامًا كما أعاد جناحها العسكري تنظيم صفوفه بعد الضربات السابقة. وقال أحد المسؤولين: “لقد تحملت الفصائل الفلسطينية الضربات لعقود، لكنها لا تزال قوية”.

في تصريحاتٍ حديثة، أشار قادة حماس إلى أنهم سينظرون في التخلي عن إدارة شؤون غزة اليومية، ولكن ليس عن قدراتهم العسكرية.

ووفقًا للتقارير، ترى قيادة الحركة أن العودة إلى ظروف ما قبل 7 أكتوبر ضرورةٌ مؤقتةٌ ستسمح لها في نهاية المطاف بنقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية أو حكومة توافق وطني بموجب اتفاقٍ وطنيٍّ أوسع، كما ألمحوا إلى الاحتفاظ بأوراق مساومةٍ إضافيةٍ تتجاوز الرهائن المتبقين، دون تقديم تفاصيل.
خصمٌ منقسمٌ ومتحصن.
في ساحة المعركة، وسّعت القوات الإسرائيلية عملياتها البرية في شمال وجنوب غزة، بما في ذلك في بيت لاهيا وخان يونس وأجزاء من ممر نيتساريم.

قبل وقف إطلاق النار، كان مقاتلو حماس ينصبون كمائن بعبواتٍ ناسفةٍ بدائيةٍ – بعضها مصنوعٌ من ذخائر إسرائيليةٍ غير منفجرة – ويتجنبون ارتداء الزي العسكري للاختلاط برجال العصابات، على الرغم من الخسائر الكبيرة في صفوف كبار قادتها، حافظت حماس على قيادةٍ عسكريةٍ مجزأةٍ ولكنها فعّالة.
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين استخباراتيين قولهم إن محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار، يشرف على العمليات في وسط وجنوب غزة، مع أنه لا يزال مختبئًا ومنقطعًا عن التواصل المنتظم. وفي الشمال، يُعتقد أن عز الدين حداد، القائد السابق للواء مدينة غزة التابع لحماس، يقود القوات جزئيًا.

محمد السينوار
محمد السينوار

استمر إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وإن كان بشكل متقطع. هذا الأسبوع، أُطلقت ثلاثة صواريخ باتجاه تل أبيب، وصاروخان آخران باتجاه عسقلان، وقد تم اعتراضها جميعًا. يقول محللون إن حماس تُقنن ما تبقى لديها من صواريخ بعيدة المدى، مُعتمدةً على “اقتصاد الذخيرة” في ظل تناقص الإمدادات.
في غضون ذلك، بدأت الحركة بتجديد صفوفها. وتقول مصادر استخباراتية عربية إن حماس جندت آلاف المقاتلين الجدد في الأسابيع الأخيرة، ووزعت منشورات تتضمن تعليمات حول تكتيكات حرب العصابات ونقاط ضعف الدبابات الإسرائيلية. كما تم إطلاع القادة الجدد على أماكن تمركز المقاتلين في حال توغلت إسرائيل في عمق غزة.
حتى الآن، لم تواجه القوات الإسرائيلية مقاومة منظمة تُذكر خلال المناورات البرية الأخيرة. لكن مصدرًا مقربًا من حماس حذّر من أن هذا الوضع قد يتغير إذا اشتد القتال. وقال المصدر لرويترز:
“إذا توغلت القوات الإسرائيلية أكثر، فسيكون القتال حتميًا، وسيبدأ استهداف الجنود الإسرائيليين”.

لا تزال الصورة الاستراتيجية غامضة

على الرغم من استئناف القتال، لا تزال الصورة الاستراتيجية غامضة. لم تتحقق أهداف إسرائيل المزدوجة :
تحرير الرهائن .
تفكيك حماس كقوة عسكرية وحاكمة.
وبينما تكبدت حماس خسائر فادحة، فإن قدرتها على التكيف والصمود تشير إلى أن الصراع في غزة بعيد كل البعد عن نهايته.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى