القس بولا فؤاد رياض يكتب: المسيح المحرر

بيان
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في منتصف رحلة الصوم الكبير بأحد السامرية ( أحد النصف ) ، ولنا وقفة تأمل فيما فعله السيد المسيح مع السامرية .
– جاء السيد المسيح له المجد لكى ما يحررنا من التمييز العنصرى البغيض على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الرأى أو من تصنيف الناس بين خطاة وابرار فى كبرياء ورياء وشكلية وفى أغتصاب لحق الديان العادل . كان السامريين يهود لكنهم اختلطوا فى السبى الأشورى بالأمم وتزاوجوا من بعضهم البعض وأقتصر أيمانهم على اسفار موسى الخمسة دون بقية كتب الانبياء . كما تاثروا بالامم فلم يؤمنوا بالقيامة ولا الحياة الاخرى او الملائكة وكان اليهود فى عداوة مع السامريين {فقالت له المراة السامرية كيف تطلب مني لتشرب وانت يهودي و انا امراة سامرية لان اليهود لا يعاملون السامريين} (يو9:4). كانت الكراهية والتمييز علي اساس دينى وعرقي قد أنتشر بين اليهود والسامريين كما نراه فى صراعات عالم اليوم. وقد جاء المخلص الصالح ليحررنا منه ويعلمنا ان نحترم الجميع كما هم لا كما نريد ان يكونوا . اننا ابناء اب واحد هو أدم وام واحده هى حواء ويجب ان نحترم كل أنسان كخليقة الله العاقلة وكما نريد ان يفعل الناس بنا نفعل بهم نحن أيضاً لابد ان نحترم الاخرين ونقدرهم ان اردنا ان يحترموا ويستمعوا الينا عالمين ان الله يحترم الارادة الانسانية ولا يغصب أحد حتى على الإيمان به فلماذا ينصب البعض أنفسهم محل الله او حكام قساة باسمه؟. علينا في كل مجالات الحياة أن نحترم الإنسان كأنسان بغض النظر عن دينه أو معتقده او عرقه او جنسه.
– ذهب السيد المسيح الى السامرة خصيصاً لخلاصهم وفي محبة وأنفتاح على هؤلاء المنبوذين من اليهود ، بل ومدح السامرى الصالح الذى تحنن على اليهودى المجروح { ولكن سامريا مسافرا جاء اليه و لما راه تحنن} (لو 10 : 33). ومدح السامرى الذى شفاه السيد المسيح من مرض البرص واتى ليقدم الشكر على الشفاء دون التسعة اليهود الباقين الذين ذهبوا ولم يعودا فى عدم عرفان بالجميل . لقد احب الله العالم وجاء المسيح ليعلن هذه المحبة للجميع { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم} (يو16:3-17).
– تقابل السيد المسيح مع المرأة السامرية وكانت خاطئة وفى هذا نرى مخلص العالم يخلصنا من النظرة الدونية للمرأة وكذلك من النظرة المتعالية نحو الخطاة . حتى تعجب التلاميذ عندما وجدوا معلمهم يتحدث مع امرأة لقد كان التقليد اليهودى يقلل من شأن المرأة ويمنع من التحدث معها فى الطرق ولكن عندما تعلم التلاميذ من سيدهم رايناهم يعُلموا بالمساواه بين الناس بغض النظر عن الجنس او الدين او العرق { ليس يهودي و لا يوناني ليس عبد و لا حر ليس ذكر و انثى لانكم جميعا واحد في المسيح يسوع} (غل 3 : 28). وهكذا نرى السيد المسيح يدافع عن المرأة الخاطئة أمام طالبوا رجمها { و لما استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر} (يو 8 : 7) ثم قال لها اذهبى بسلام ولا تعودى تخطئى ايضا. ومشى المسيح مع تلاميذه من الصباح الباكر حتى الظهر ليلتقى مع السامرية الخاطئة ليحررها من مستنقع الشهوات ويقودها لتكون شاهدة لنعمة الله المحررة والمغيرة والقادرة على كسر قيود الشر والتى تعلمنا ان نسجد لله بالروح والحق ونرتوى من نبع محبة الله .
– سعى الراعي الصالح فى طلب الابن الضال ليرده الى بيته الأبوى ويكسوه بثوب الفضيلة والبر وهنا نراه يسعى فى أثر المرأة الخاطئه لينعم لها بالتوبه والخلاص وكان الكتبة والفريسيين يعتزلون عن مخالطة الخطاة والعامة فى كبرياء ولكن نرى السيد المسيح يفتح للخطاة باب الرجاء ويعلن لهم محبته ليحررهم من الضعف والخوف والشيطان والخطية والشهوات حتى دُعى محباً للعشارين والخطاة لدفاعه عنهم وسعيه لخلاصهم. ان المسيح هو أمس واليوم والى الابد { صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا} (1تي 1 : 15). الله يسعى لخلاصنا وتحريرنا من كل أشكال التمييز والبغضة ومن يعرف قلب الله الأبوى لابد ان يتعلم منه فغاية الوصايا هى المحبة { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر و ضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5) الله يريد خلاص الجميع { الله يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4). وعلينا ان نسير على هدى تعاليم الأنجيل فى نشر رسالة المحبة والاحترام والتقدير والخلاص لكل أحد ان اردنا بالحقيقة ان نكون تلاميذ لمعلمنا الصالح ونحيا إيماننا الأقدس الذى اليه دُعينا
المسيح المشجع
– نحن فى حاجة دائمة الى الله وهو فى محبته يعلن لنا حاجته الينا ولخدماتنا فى مقابلته مع السامرية { جاءت امراة من السامرة لتستقي ماء فقال لها يسوع اعطيني لاشرب } (يو 4 : 7).{ قالت له فقالت له المراة السامرية كيف تطلب مني لتشرب وانت يهودي و انا امراة سامرية لان اليهود لا يعاملون السامريين. اجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله و من هو الذي يقول لك اعطيني لاشرب لطلبت انت منه فاعطاك ماء حيا }(يو 4 : 9- 10). وعندما طلبت منه ان يعطيها من هذا الماء الحى لكى لا تتعب وتأتى الى البئر لتستقى قال لها يسوع أذهبى وأدعى زوجك؟. قالت له ليس لى زوج . فمدح المخلص صراحة المرأة { اجابت المراة وقالت ليس لي زوج قال لها يسوع حسنا قلت ليس لي زوج. لانه كان لك خمسة ازواج و الذي لك الان ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق}( يو17:4-18). المخلص يريد ان يشجعنا ويعلمنا ان نشجع صغار النفوس { شجعوا صغار النفوس اسندوا الضعفاء تانوا على الجميع} (1تس 5 : 14)
– الرب فى حنانه مدح المرأة التى القت فلسين فى خزانة الهيكل { و تطلع فراى الاغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة.و راى ايضا ارملة مسكينة القت هناك فلسين. فقال بالحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة القت اكثر من الجميع. لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله و اما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها}{ لو1:21-4}. ومدح السيد وكيل الظلم {فمدح السيد وكيل الظلم اذ بحكمة فعل لان ابناء هذا الدهر احكم من ابناء النور في جيلهم }(لو 16 : 8).ومدح السيد المسيح مريم أخت لعازر لمحبتها { فاجاب يسوع و قال لها مرثا مرثا انت تهتمين و تضطربين لاجل امور كثيرة. ولكن الحاجة الى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها}{ لو 41:10-42}. بل ان الله يعد بالأجر السمائى لمن يقدم كأس ماء بارد لمحتاج صغير { ومن سقى احد هؤلاء الصغار كاس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره} (مت 10 : 42). يعلمنا الإنجيل ان نشجع الأخرين { بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء و اختار الله ادنياء العالم و المزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود} (1كو 1 : 27، 28).
– الله يشجع الضعفاء ويقويهم بروحه القدوس { لا بالقدرة و لا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود} (زك 4 : 6). ويقدر الخطاة ويرفع المتواضعين {لانه هكذا قال العلي المرتفع ساكن الابد القدوس اسمه في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لاحيي روح المتواضعين ولاحيي قلب المنسحقين} (اش 57 : 15). يشجع السيد المسيح قطيعه الصغير فى برية هذا العالم { لا تخف ايها القطيع الصغير لان اباكم قد سر ان يعطيكم الملكوت} (لو 12 : 32). ويطمئن المضطهدين ويرفع عنهم الظلم ويعدهم بالأجر العظيم { لا تخف البتة مما انت عتيد ان تتالم به هوذا ابليس مزمع ان يلقي بعضا منكم في السجن لكي تجربوا ويكون لكم ضيق عشرة ايام كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة} (رؤ 2 : 10).
المسيح المشبع
– الإنسان بئر من الرغبات تحتاج الى الاشباع ، ويسعى كل منا الى حياة الشبع الروحى والعاطفى والنفسى والى الاحساس بالأمن والأمان والمحبة ولكن لن يشبع النفس ويغيرها للأفضل الإ محبة الله المشبعة والمحررة والمغيرة التى تعطينا الشبع الروحى، نعم كل من يشرب من أبار هذا العالم المشققة التى لا تضبط ماء يعطش ايضاً { لكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية}( يو 14:4). ان الله يعطينا من نبع الروح القدس المتدفق دائما { في اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه لان الروح القدس} (يو 37:7-39) . نعم التقت السامرية بالسيد المسيح المشبع فتركت جرتها عند البئر كرمز لشهوات العالم وذهبت تعلن عن المسيا المخلص لأهل السامرة . وتغيرت من امرأة تجادل فى حرفية الناموس الى إنسانه تعبد الله بالروح والحق { الله روح والساجدين له بالروح والحق ينبغى ان يسجدوا}( يو42:4).
– ما احوجنا يا أحبائى لهذه الروح التى تجمع ولا تفرق والتى تبتعد عن شكلية ومظهرية العبادة لتنحنى بالسجود لله بالروح والحق . نريد ان نعرف ارادة الله الصالحة ونعملها { لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة }(رو 12 : 2). ونعلن للجميع ان يذوقوا ما أطيب الرب { ذوقوا و انظروا ما اطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه} (مز 34 : 8). حقا ان مراحم الله علينا جديدة كل صباح واحساناته ومراحمه ما أكثرها { اردد هذا في قلبي من اجل ذلك ارجو.انه من احسانات الرب اننا لم نفن لان مراحمه لا تزول.هي جديدة في كل صباح كثيرة امانتك. نصيبي هو الرب قالت نفسي من اجل ذلك ارجوه. طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه} (مر21:3-25).كان شاول يضطهد الكنيسة ويقاوم الإيمان ولكن الله سعى لخلاصه وابرق حوله نور من السماء معلناُ له عن خلاصه العجيب وتحول شاول الى القديس بولس الرسول الذى جال يبشر بفضل من دعاه من عالم الظلمة الى نوره العجيب، وهكذا تقابلت مريم المجدليه مع السيد المسيح فاخرج منها سبعة شياطين لتتحول الى مبشرة بالقيامة للجميع حتى أمام الأمبراطور . وتقابلت مريم المصرية مع محرر الخطاة فتحولت الى مريم المصرية القديسة السائحه . وهذه النعمة الغنية تنتظرنا لتروينا وتحررنا وتغيرنا للأفضل، انها نعمة الله الغنيه التي تعمل مع الجميع لياتوا الى الله ويشهدوا لمحبته ، وسيبقى المخلص فاتحا ذراعيه قائلاُ {تعالوا الي يا جميع المتعبين و الثقيلي الاحمال و انا اريحكم} (مت 11 : 28).
أمين تعال ايها الرب
– نصلى اليك يارب الكل ومخلص الجميع. لكى ما تعمل معنا من أجل خلاصنا وارتوائنا وتحريرنا. لقد فرقتنا الأنقسامات واحنت ظهورنا الخطية بل طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء وانت يالله تسعى من أجل خلاصنا وتبحث عن الضالين وترد الخاطئين وتحرر منكسرى القلوب وتنادى بالعتق للمأسورين فردنا اليك يا مخلص العالم ، لنعبد بالروح والحق ونسجد لك وحدك يا سيد الكل.
– حررنا من كل عنصرية بغيضة وبعيدة عن روحك ، لنحب الكل كاخوة واخوات ، علمنا ان نحترم الجميع صغاراُ وكباراُ ، رجالاً ونساء ، من كل لون وعرق وراى ودين ، فنكون بالحقيقة للحق عارفين ولمشيئتك طاعين وبالمحبة والاحترام نتعامل مع الجميع .
– علمنا ان نصنع السلام فى عالم يسوده البغضة والأنقسام ، وان نزرع الحب حيث أشواك الكراهية ، وان نضئ ولو شمعة فى الطريق بدلاً من ان نلعن الظلام .
– ربى ان نسيناك فانت الاب الحنون لن تنسانا ، وان أخطائنا اليك فانت الرحوم أغفر لنا خطايانا، وان بعدنا عنك فانت بمحبتك أجذبنا اليك ومن نبع نهر محبتك اروينا لنحيا على شاطئ نعمتك حتى نكون معك فى السماء كملائكة الله كل حين، أمين. بقلم القس بولا فؤاد رياض كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بالمطرية.
…………………………………………………
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس بالمطرية، القاهرة