من السودان إلى ليبيا ثم البحر: رحلة عذاب برويها شاب مهاجر غير شرعى

مصادر – بيان

من السودان إلى ليبيا ثم البحر، خاض الشاب مؤيد رحلة مليئة بالمخاطر والتحديات التي لا تُحصى، حيث واجه الجوع والعنف وحياة الهروب المستمر، لكن، هل كان البحر هو المصير الوحيد الذي ينتظره؟

تشهد ليبيا تدفقًا يوميًا للمهاجرين عبر مسارات تهريب متعددة، حيث يقود المهربون آلاف السودانيين في رحلات محفوفة بالخطر. ورغم قسوة الطريق والتكاليف الباهظة، فإن هذه الهجرة مستمرة في التزايد بسبب التدهور المستمر للأوضاع في السودان.

البحث عن فرصة  

مؤيد، اسم مستعار لشاب من ولاية النيل الأبيض، كان يعيش حياة طبيعية في ريف الدويم، لكن التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية والصحية قلبت حياته رأسًا على عقب.

ومع تزايد حاجة أسرته إلى المال، حاول البحث عن عمل، لكنه اصطدم بواقع صعب بسبب صغر سنه وقلة خبرته.

حين ضاقت به السبل، سمع عن فرص العمل في مصر، فقرر الهجرة إليها بحثًا عن حياة أفضل.

يقول مؤيد لمهاجر نيوز: “وصلت إلى مصر، لكنني واجهت صعوبات كبيرة، مثل ساعات العمل الطويلة والأجور المنخفضة، بالإضافة إلى بعدي عن عائلتي، وبعد فترة، قررت العودة إلى السودان، لكن الحرب اندلعت فجأة، لتدمر حياة المدنيين، وعندها اقترح عليّ أحد أصدقائي الهجرة إلى ليبيا. وبعد تفكير طويل، قررت خوض المغامرة.”

 محطة اللاجئين السودانيين

تُعدّ مدينة الكفرة نقطة عبور رئيسية للاجئين السودانيين إلى ليبيا، حيث تستقبل نحو 350 شخصًا يوميًا، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقد تسببت السيول الأخيرة التى ضربت ليبيا والكفرة تحديدا، في تدمير البنية التحتية، مما أجبر بعض اللاجئين على اللجوء إلى المدارس كملاجئ مؤقتة.

ووفقًا لإسماعيل العيضة، رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة الليبية، فقد تجاوز عدد النازحين السودانيين في الكفرة 65 ألف شخص خلال الأشهر الستة الماضية، مع تزايد الأعداد باستمرار نتيجة تصاعد القتال في السودان، خاصة في ولايات الشمال ودارفور.

وأوضح العيضة أن معظم النازحين هم من الأطفال والنساء وكبار السن، بينما يشهد عدد الشباب العاملين في المدينة ارتفاعًا ملحوظًا.

أوضاع اللاجئين في ليبيا

تستضيف ليبيا أكثر من 60,000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما تعاني البلاد من نزوح داخلي معقد، حيث يوجد نحو 125,802 نازح داخليًا.

إضافة إلى ذلك، أدى إعصار دانيال الذي ضرب شرق ليبيا في سبتمبر 2023 إلى نزوح نحو 44,000 شخصا.

 أزمات وتحديات على طريق الهروب

ونعود إلى صاحب الرحلة الشاب مؤيد ونقول إنه: بين محاولات الهروب من جحيم الحرب والبحث عن حياة كريمة، تظل رحلة مؤيد مثالًا حيًا على معاناة آلاف اللاجئين الذين يخوضون مغامرة غير مضمونة العواقب، حيث يصبح البحر أحيانًا الملاذ الأخير، وأحيانًا المصير المحتوم.

وفي طريقه إلى ليبيا، واجه مؤيد معاناة لا تُوصف، إذ تم تهريبه في سيارات صغيرة مكتظة، وتعرض للعنف على يد المهربين. وعند وصوله إلى الحدود، اُحتجز في مكان يُعرف بـ”الزنزانة”، قبل أن يُنقل إلى سجون قاسية وصفها بأنها “لا إنسانية”، حيث تعرض للضرب والجوع، وأُجبر على دفع مزيد من الأموال للخروج، كما يروي.

وبحسب إبراهيم الحسين، مدير عام جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة، فقد تم إسعاف أكثر من 280 شخصًا خلال عام 2024 على الطريق بين الكفرة والعوينات قرب الحدود السودانية، غالبيتهم من النازحين.

كانت معظم الحالات ناتجة عن انقلاب السيارات في الصحراء بسبب السرعة الزائدة أو الكثبان الرملية.

وأوضح الحسين أن فرق الإسعاف تمكنت من إنقاذ عائلات تاهت في الصحراء، بالإضافة إلى تقديم خدمات طبية عاجلة داخل مدينة الكفرة، سواء في المنازل أو المستشفيات.

يقول مؤيد: “عندما وصلنا إلى ليبيا، أدركنا أن الوضع هنا الأشد قسوة، وجدنا أنفسنا في بيئة تعجّ بتجارة البشر والتهريب والمخدرات.. لم يكن أمامنا سوى البحث عن طريق آخر للهرب من هذا الواقع المظلم، حتى عثرنا على شخص يعرف مهربين ينقلون الناس عبر البحر.. ورغم الخوف والتردد، لم يكن لدينا خيار سوى الاستمرار، فالموت كان يلاحقنا في كل مكان. دفعنا 15 ألف دينار ليبي لكل شخص مقابل الرحلة.”

في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية، أعلنت الأمم المتحدة عن تخصيص 5.3 مليون دولار من صندوقها المركزي لمواجهة الطوارئ، بهدف دعم 195 ألف لاجئ يعيشون في ظروف صعبة داخل ليبيا، إضافة إلى تقديم المساعدات للمجتمعات المضيفة لهم.

يروي مؤيد عن الأيام الأخيرة قبل الرحلة: “تم احتجازنا في مكان معزول عن الأنظار لعدة أيام، حيث كنا ننتظر موعد المغادرة. كنا نحصل فقط على خبزتين وقطعتين صغيرتين من الجبن يوميًا، لا شيء أكثر. كانت الحياة قاسية، والمجهول أكثر رعبًا.”

بين الأمواج والصحراء 

تؤكد عسير المضاعين، رئيسة بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، أن “النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث يفرّ اللاجئون من أوضاع لا يمكن تصورها.

وتدعو المضاعين المجتمع الدولي لدعم اللاجئين السودانيين الذين تستضيفهم دول المنطقة، والاستجابة العاجلة لاحتياجاتهم المتزايدة.”

من جانبه، يشير إسماعيل العيضة إلى أن تدهور الأوضاع دفع الكثير من النازحين، وخصوصًا الشباب، إلى البحث عن سُبل لتحسين حياتهم وتأمين مستقبلهم، خاصة مع اقتراب الحرب من دخول عامها الثاني.

وفي ظل تفاقم الأزمة، تتراجع الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمأوى والغذاء، وسط تزايد مستمر في أعداد النازحين يومًا بعد يوم.

بين صحراء قاسية وبحر مجهول، تظل رحلة مؤيد نموذجًا لمعاناة آلاف اللاجئين الذين يقامرون بحياتهم بحثًا عن الأمل، في طريق محفوف بالمخاطر، لا يعلمون إن كان سينتهي بالحياة أو الموت.

الهروب من ليبيا  

دفع تدهور الأوضاع في ليبيا مؤيد إلى اتخاذ قرار بالمضي قدمًا في رحلته نحو أوروبا.

ويروي اللحظات الفاصلة في رحلته قائلاً: “ثم جاء اليوم المنتظر.. دخل رجال مخمورون يحملون أسلحة، اقتادونا بعنف إلى خارج المكان ونحن لا نرتدي سوى ملابسنا الخفيفة.. ضربونا وأجبرونا على التوجه نحو البحر.. صعدنا إلى قارب صغير يقوده شخص مجهول، وانطلقنا في رحلة محفوفة بالمخاطر عند الخامسة فجرًا، برفقة أكثر من عشرين سودانيًا.”

نقص الدعم الإنساني  

في ظل الأوضاع المتفاقمة، أُنشئ مركز إيواء جديد في ليبيا بسعة 40 سريرًا، إلى جانب مركز آخر لاستقبال النازحين، وفقًا لإسماعيل العيضة. كما تم إصدار أكثر من 140 ألف شهادة صحية لمن تجاوزوا سن 18 عامًا، في محاولة لمساعدة اللاجئين.

ورغم هذه الجهود، أكد العيضة أن المنظمات العاملة في الكفرة لم توفر سوى أقل من 10% من الدعم المطلوب، حيث لم يُنفَّذ معظم ما تم التعهد به، وما قُدِّم بالفعل لم يكن كافيًا لتلبية الاحتياجات الضرورية.

وأضاف: “الطقس في الصحراء شديد القسوة، حيث تنخفض درجات الحرارة شتاءً بينما تزداد لدغات العقارب صيفًا.” ورغم هذه التحديات، أكد أن وزارة الصحة، بدعم من الجيش الليبي، ستواصل تقديم المساعدة للنازحين رغم التزايد المستمر في أعدادهم وصعوبة الوضع.

بين الأمواج والمصير المجهول

 ويواصل مؤيد فيحكى تفاصيل رحلته في البحر قائلاً: “في البداية، كانت الأمواج هادئة، لكن سرعان ما بدأت تعلو وتشتد. كنا نمضي قدمًا، لكنها كانت تعيدنا إلى الوراء.

بدأ الخوف يتسلل إلى قلوبنا، فاقترح البعض العودة، بينما أصر آخرون على الاستمرار. لم يكن أمامنا سوى المضي قدمًا.

ظللنا نصارع الأمواج طوال اليوم حتى بدأت تهدأ قليلًا. بعد مسافة طويلة، بدأ القارب يتسرب منه الماء. اتصلنا بالإنقاذ، فجاء الرد بأنهم يستطيعون إعادتنا إلى ليبيا، لكننا رفضنا وقررنا مواصلة الرحلة مهما كان الثمن.”

النجاة والوصول إلى أوروبا

ورغم جهود ليبيا في توفير خدمات صحية ودعم اللاجئين السودانيين، إلا أن نقص الوثائق الرسمية كان عائقًا كبيرًا أمامهم.. إلا أن ذلك لم يمنع مؤيد من الاستمرار في رحلته، حيث يقول: “كنا نسير يومًا بعد يوم، غير متأكدين مما ينتظرنا.

وفي اليوم الثالث، لمحنا باخرة أنقذتنا ونقلتنا إلى جزيرة كريت، حيث خضعنا لفحوصات طبية وتلقينا الرعاية اللازمة. بعد ثلاثة أيام، تم نقلنا إلى أثينا، حيث وُزِّعنا على مراكز سكنية وبدأت إجراءات الإقامة.”

يختتم مؤيد حديثه قائلاً: “الحمد لله على ما منَّ به علينا.”

………………………………………………………………………………………………….

الرابط الأصلى للموضوع:

https://www.infomigrants.net/ar/post/63333/%D9%85%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D8%A7%D8%A8-%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B0%D8%A7%D8%A8?preview=1741974135096&utm_medium=acquisition&utm_source=facebook&utm_campaign=infomigrants_ar&utm_content=clic&fbclid=IwY2xjawJWQxtleHRuA2FlbQEwAGFkaWQAAAYT8KMuwAEdlW4gx-BUCHj9srZk0mHPcrrAi8LAklTtdJHUfrhjuJ0ZpglksH8xLqkK_aem_RGAPf0SbOJ8illnfl4yIrg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى