د. إسلام جمال الدين شوقي: هل تؤسس قرارات ترامب لنظام اقتصادي عالمي جديد؟

كتب: على طه

فى تعليقه على قرارات دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، برفع الرسوم الجمركية على العديد من واردت دول العالم للولايات المتحدة الأمريكية، وهى القرارات التى أحدثت ضجة كبيرة، وجدلا سياسيا، واقتصاديا، قال الخبير الاقتصادى د. إسلام جمال الدين شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن قرارات ترامب بفرض رسوم جمركية 125% على الصين، وباقي دول العالم 10%، فاجئت الجميع في حين أنه أجاز تعليقًا لمدة 90 يومًا على الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها على عدد من الدول التي أبدت استعدادًا للتفاوض مع الولايات المتحدة.

وأضاف الخبير الاقتصادى فى تصريحات خاصة لـ “موقع بيان” أنه لا يمكن النظر إلى قرار كهذا بوصفه مجرد تعديل في السياسة التجارية، بل هو رسالة مزدوجة موجهة إلى الداخل الأمريكي من جهة، وإلى الصين وحلفائها من جهة أخرى، وتنذر بمرحلة جديدة من التصعيد التجاري الذي قد تتجاوز آثاره حدود الاقتصاد لتلامس السياسة الدولية وموازين القوى العالمية.

امتداد لمرحلة الولاية الأولى

وواصل د. شوقى: يبدو القرار كامتداد طبيعي لنهج وسياسة ترامب الذي اعتمده خلال ولايته الرئاسية الأولى، حيث رفع راية القومية الاقتصادية، ودخل في حرب تجارية مباشرة مع الصين مبررًا ذلك بضرورة حماية الاقتصاد الأمريكي من “الهيمنة الصينية” والممارسات غير العادلة في التجارة الدولية، كالقرصنة الفكرية، وإغراق الأسواق، ودعم الشركات الحكومية.

لكن ترامب هذه المرة يذهب إلى أبعد من ذلك في فرضه لجمارك غير مسبوقة هدفه منها معاقبة خصمه الاستراتيجي الأول الصين، وفي المقابل يكافئ بقية دول العالم بتخفيف الأعباء الجمركية عنها، وكأنه يعيد رسم خطوط التحالفات الاقتصادية وفق معايير سياسية أكثر منها تجارية.

رسائل موجهة ومعادلة شائكة

ويؤكد د. شوقى أن هذه القرارات رسائل هذه الرسائل، سواء كانت موجهة للصين أو الاتحاد الأوروبي أو حتى للمواطنين الأمريكيين، تحمل في طياتها حسابات دقيقة، حيث يحاول ترامب أن يظهر نفسه بوصفه الزعيم القادر على مواجهة “الخطر الصيني” دون مجاملة، ويسعى في الوقت ذاته لاستقطاب الحلفاء الغربيين من خلال منحهم امتيازات تجارية قد تُترجم إلى دعم سياسي في المعارك الدولية القادمة.

إلا أن هذه الاستراتيجية تضع الولايات المتحدة أمام معادلة شائكة: كيف يمكن الاستمرار في التصعيد مع الصين دون الإضرار بالمستهلك الأمريكي الذي يعتمد بشكل كبير على المنتجات الصينية؟

ارتفاع كبير في الأسعار

ويلفت د. شوقى إلى أن رفع الرسوم الجمركية إلى هذا المستوى غير المسبوق 125% سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في أسعار المنتجات المستوردة من الصين، وهو ما سينعكس مباشرة على المستهلك الأمريكي.

وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية تقليص الاعتماد على الصين، إلا أنها تزال ترتبط بها بسلاسل إمداد عميقة ومعقدة، خاصةً في قطاعات مثل الإلكترونيات، والآلات، والملابس، والمواد الخام، وسيؤدي أي اضطراب في هذه الشبكة إلى تضخم إضافي في السوق الأمريكي الذي يعاني الاقتصاد فيه من آثار تضخم مرتفع نسبيًا منذ جائحة كورونا.

وفيما يخص قرار خفض الرسوم الجمركية إلى 10% على باقي دول العالم، يقول د. شوقى إنه بمثابة خطوة تبدو ذكية سياسيًا، لكن تنفيذها قد يكون أكثر تعقيدًا، فبينما يُتوقع أن تفتح هذه الخطوة شهية الدول المصدّرة إلى السوق الأمريكي، إلا أن استبدال الصين كمصدر أول للبضائع الرخيصة ليس أمرًا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، فلا تزال البنية التحتية الصناعية في العديد من الدول الصديقة للولايات المتحدة غير مهيّأة لمجاراة الصين من حيث الكم والتكلفة، مما يعني أن التحول إلى بدائل سيكون بطيئًا ومكلفًا، وقد يؤدي إلى نقص في بعض السلع، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددًا.

محاولة مبطّنة

ويضيف: يُمكن اعتبار القرار محاولة مبطّنة لبناء جبهة تجارية مناهضة للصين مستفيدةً من تشكك العديد من الدول في نوايا بكين الاقتصادية، فترامب بخفضه الرسوم الجمركية على باقي دول العالم يرسل دعوة غير مباشرة لشركاء الولايات المتحدة لتوسيع العلاقات التجارية معها على حساب الصين، وهذه الخطوة إن كُتب لها النجاح، قد تُضعف القوة التفاوضية للصين، وتدفعها نحو البحث عن أسواق بديلة، أو تعزيز نفوذها في الجنوب العالمي كمضاد استراتيجي للغرب.

التبعات

ويؤكد د. شوقى أن تبعات هذا القرار لا تقف عند حدود الاقتصاد أو الرسوم الجمركية، فهذه الخطوة تحمل أبعادًا جيواقتصادية وجيوسياسية أيضًا، موضحا أن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا التصعيد، خاصةً إذا رأت فيه تهديدًا وجوديًا لطموحاتها في الهيمنة الاقتصادية العالمية.

وقد يأتي الرد الصيني على شكل إجراءات انتقامية تشمل فرض رسوم على الواردات الأمريكية أو التضييق على الشركات الأمريكية العاملة داخل الصين أو تسريع مشاريع الاستقلال الاقتصادي التي تنتهجها منذ سنوات من خلال مبادرة “صنع في الصين 2025” أو التوسّع في شراكاتها التجارية مع روسيا، وإيران، وأمريكا الجنوبية، وأفريقيا.

تعميق الانقسام العالمي

ومن الناحية الاقتصادية فقد يؤدي هذا التصعيد إلى تعميق الانقسام العالمي بين معسكرين اقتصاديين كالتالى:

المعسكر الأول تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ويستند إلى تحالفات تقليدية وتجارة حرّة منضبطة.

والثاني تتزعمه الصين، ويقوم على علاقات تبادلية متنوعة ومبادرات بديلة مثل “الحزام والطريق”.

وقد يُعيد هذا الانقسام رسم معالم النظام الاقتصادي العالمي، ويضع الدول النامية في موقف حرج، حيث ستُجبر على الانحياز إلى أحد القطبين أو محاولة المناورة بينهما للحفاظ على مصالحها.

استعادة الهيمنة الأمريكية

ويواصل د. شوقى: أما الناحية السياسية فإن هذا التحرك يندرج في إطار الرؤية الأوسع لترامب حول “استعادة الهيمنة الأمريكية”، ليس فقط في مجال الدفاع والسياسة الخارجية، بل أيضًا في التجارة والاقتصاد.

ولا يخفي ترامب طموحه لإعادة رسم قواعد النظام الاقتصادي العالمي، بما يعكس قوة الولايات المتحدة وقدرتها على فرض شروطها، وبذلك فإن الرسوم الجمركية تتحول من مجرد أداة اقتصادية إلى ورقة ضغط جيوسياسي في يد رئيس يعتبر أن القوة لا تُمارس فقط عبر الجيوش، بل عبر الاتفاقيات والرسوم والأسواق.

كما يعكس القرار أيضًا محاولة لإعادة ترميم العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين بعد سنوات من التوتر الذي شهدته فترة ترامب الأولى، ويأتي تخفيض الرسوم الجمركية إلى 10% بمثابة olive branch (غصن زيتون) يُقدّم للاتحاد الأوروبي وكندا واليابان الذين اشتكوا سابقًا من نهج ترامب الحمائي، وهو اليوم يقوم بتقديم امتيازات تجارية من شأنها أن تقوّي العلاقات السياسية والاقتصادية في مواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها الصعود الصيني.

.. غصن زيتون

ويبقى السؤال الأهم الآن: هل ستنجح هذه السياسة في تقويض النفوذ التجاري الصيني فعلًا؟ الإجابة ليست سهلة، فالصين بدورها استعدّت منذ سنوات لاحتمال التصعيد، ووسّعت من أسواقها البديلة، واستثمرت في مشاريع البنية التحتية حول العالم، كما زادت من اعتمادها على الابتكار والتكنولوجيا الذاتية، وبالتالي فإن آثار القرار لن تكون فورية، لكنها بالتأكيد ستفتح مرحلة جديدة من المنافسة الشرسة بين القوتين الأكبر في العالم.

وينتهى د. إسلام جمال الدين شوقي إلى القول إن العالم دخل بالفعل مرحلة جديدة من الحرب التجارية المعقدة بقيادة رئيس أمريكي لا يتردد في استخدام الاقتصاد كسلاح سياسي، وإذا لم يتم احتواء هذا التصعيد عبر قنوات دبلوماسية واقتصادية ذكية، فقد نجد أنفسنا أمام إعادة تشكيل حقيقية للنظام الاقتصادي العالمي، حيث تفقد التجارة طابعها الحر، لتتحول إلى أداة للمناورة والنفوذ.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى