عاطف عبد الغنى يكتب: البُعد الغيبي في الصراع العربي الإسرائيلي

بيان

الأسبوع الماضي، وصلتني رسالة من صديق تحتوي على عشر كلمات فقط: “المسيح هيظهر السنة دي وملك الكيمتيين كمان.. إيلون ماسك منتظره”.

لم أندهش من مضمون الرسالة، فصديقي هذا، الذي أقدّره كثيرًا لما يتمتع به من طيبة قلب كبيرة ودماثة الأخلاق، يرى في نفسه “المهدي” الذي سيظهر في آخر الزمان.

.. الأسبوع الماضى أيضا، صادفت على صفحة صديقي وزميلي عمرو فاروق على “فيسبوك” مقالًا سبق أن نُشر في مجلة الهلال، أورد فيه نبوءة نقلها له شيخه الصوفي قبل ثورة 25 يناير 2011، جاء فيها: “سيأتي رجل ‘مؤيد’ من داخل الجيش، يقلب الطاولة عليهم (يقصد جماعة الإخوان) وسيكون سببًا في زوالهم من المنطقة العربية بأسرها، وسينهي وجودهم نهائيًا، ويعيد لمصر دورها وقوتها داخليًا وخارجيًا…”.

ويواصل عمرو سرد النبوءات، ناقلًا عن شيخه ما يبدو وكأنه وصف دقيق للأحداث الجارية، حتى لتظن أن الرجل يقرأ الغيب من كتاب مفتوح.

ولولا معرفتي الشخصية بعمرو، وإدراكي لنزعته الروحية، وولعه العميق بحب آل البيت – الذي لا يدانيه إلا عدائه الشديد وفضحه الدائم لجماعة الإخوان – لما وثقت أنه ناقل صادق لما ورد فى مقاله.

غير أن غايتي هنا ليست مناقشة قناعات صديقيّ أو نبوءاتهما، بل الإشارات التى قادتنى من فورها إلى ما سيطر على أذهان وأفئدة شريحة واسعة – من المصريين والعرب السنة، أو الشيعة الفرس، أو الأتراك، بل وحتى اليهود، منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي وحتى يومنا هذا – من استحضار البعد الغيبي المتعلق بمعركة نهاية الأيام أو الزمان في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.

وقريب مما سبق السؤال الذي يطرح عليّ كثيرًا، خلال الشهور الماضية، عن الحرب “الدينية” بين اليهود والمسلمين، وإجابتي، التي أرددها منذ أكثر من ربع قرن، فى كتبى ومقالاتى، وأحاديثى لم تتغير وأتناول فيها طرحا من منظور تحليلي واقعى لا غيبى، ولا رؤيوي، مستندًا فى هذا الطرح على دراسة للأساطير الدينية في تراث الأديان الإبراهيمية – اليهودية، والمسيحية، والإسلام.

ولاحظ أننى قلت فيما سبق “تراث” وليس “عقيدة” وقد خصصت لهذا التحليل فصلاً كاملاً في كتابي “صدام الأصوليات.. نهاية إسرائيل أم نهاية العالم؟”، مؤكدا أن البعد الغيبي والديني يمثل مكونًا جوهريًا في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا يقتصر على الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الجغرافية، بل يمتد عميقًا إلى صميم الثقافة والرموز الدينية خاصة فى اليهودية.

وأثبتّ في الكتاب أن أسطورة “معركة آخر الزمان” تُهيمن على عقول الأصوليين من مختلف الأديان؛ وكل طرف يحاول أن يثبت أنه الطرف المنتصر، والفرقة الناجيية غير أن الأصوليين اليهود، بخلاف المسلمين والمسحيين، لا يتطلعون إلى نهاية روحانية بقدر ما ينتظرون ملكًا ومملكة أرضية، يحكمون بها العالم لألف عام سعيدة (وهو رقم رمزي يشير إلى أمد زمني طويل).

وفي المقابل، يرى المسلمون والمسيحيون أن تلك النهاية تمثل يوم القيامة أو الدينونة.
ومن هنا، يمكن إدراك مدى خطورة الرؤية الأصولية اليهودية، والتي تقودها إلى توجهات وأفعال، وتكشف عن هذه الرؤية العقائدية دراسات طوائف اليهودية الأرثوذكسية، والتي تنطوي عقائد أتباعها على نظرة استعلائية لبقية شعوب الأرض.

وعلى الرغم من عداء هذه الطوائف عقيديا للمسيحية، فقد استطاعوا – بدهاء عقائدي أيضا– التغلغل في بعض الكنائس البروتستانتية الغربية، ونجحوا في خلق ما يُعرف بـ “المسيحية الصهيونية”، وهي تيارات مسيحية تلعب اليوم دورًا كبيرًا في دعم إسرائيل، بدافع الإيمان بنبوءات نهاية الزمان.
وللحديث بقية…

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى