القوات الأمريكية تبدأ الانسحاب من سوريا.. تركيا وإسرائيل تتصارعان من سيفوز بالتركة؟

تقرير كتبه: عاطف عبد الغنى
يستعد الجيش الأميركي لدمج قواته في سوريا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، في خطوة قد تُقلص عدد عناصره الموجودة على الأرض فى سوريا إلى النصف.
وللجيش الأميركي نحو ألفي جندي في سوريا، موزعين على عدد من القواعد، معظمها في الشمال الشرقي لسوريا
وخلال الساعات القليلة الماضية تم بالفعل مغادرة 200 آلية عسكرية أمريكية من قاعدة كونيكو شرقى سوريا باتجاه أقليم كوردستان شرق سوريا.
دمج أم انسحاب تدريجى؟
ومنذ أن أبلغت جهات أمنية أميركية نظيرتها الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة تعتزم الشروع في تنفيذ انسحاب تدريجي لقواتها من سوريا في غضون الشهرين المقبلين، والقيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب تسعى لمنع هذا الانسحاب، وتقول إنه «في الوقت الحاضر يعدّ خطأ فادحاً يساعد قوى الإرهاب»، وتهدد إسرائيل بأنه في حال الانسحاب الأميركي ستضطر للقيام بما اسمته بـ “حراك ملائم»، وقد فهم الحديث عن «حراك ملائم» كتهديد باتخاذ إجراءات احتلالية في سوريا.
ويربط المراقبون بين هذا التهديد ومنشورات سابقة في تل أبيب تحدثت عن مخطط لاحتلال منطقة التنف، التي تتخذها الولايات المتحدة قاعدة لقواتها.
وادعت إسرائيل أنها تحتاج هذه إلى المنطقة كي تمنع إيران من تجديد ممر تهريب الأسلحة إلى «حزب الله» في لبنان وغيره.
ووفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس الثلاثاء، فإن الحكومة الإسرائيلية حاولت حتى الآن ثني واشنطن عن هذه الخطوة، إلا أنها «تلقت إخطاراً بفشل جهودها»، فيما لا تزال المؤسسة الأمنية في تل أبيب تضغط على الإدارة الأميركية لثنيها عن القرار.
ويأتي هذا الإخطار في ظل التوجه الذي يتبناه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بشأن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، استناداً إلى مقاربة يؤيدها كبار المسؤولين في إدارته، وفي مقدمتهم نائب الرئيس، جي دي فانس.
عامل استقرار
وترى «يديعوت أحرونوت» أن إسرائيل ترى فى الوجود الأميركي عامل استقرار، وأن الانسحاب قد يفتح المجال أمام أنقرة لتعزيز وجودها العسكري، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديدًا مباشرًا، خاصة إذا شمل قواعد مثل T4 وسط سوريا أو مناطق قريبة من تدمر، حيث أبلغت إسرائيل كلًا من واشنطن وأنقرة أن أي تمركز تركي هناك “يتجاوز الخطوط الحمراء”.
وأفاد التقرير أن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعبارات الود تجاه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أثارت قلقًا إضافيًا في الأوساط الأمنية الإسرائيلية، التي رفعت حالة التأهب تحسبًا لتغيرات ميدانية مفاجئة.
وفي هذا السياق، كثّفت إسرائيل هجماتها الاستباقية على قاعدة T4، في ما وصفته الصحيفة بـ”سباق مع الزمن” قبل استكمال الانسحاب الأميركي. كما حمل اجتماع أمني مؤخراً في أذربيجان بين وفدين تركي وإسرائيلي، رسائل تحذيرية واضحة من تل أبيب مفادها أن أي تموضع عسكري غير مصرح به في سوريا “قد يُقابل برد مباشر”، وأن الحكومة السورية الجديدة ستكون مسؤولة عن أي خرق يحدث على أراضيها.

بداية وجود القوات الأمريكية فى سوريا
استولى تنظيم «داعش» في عام 2014 على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، وبدأت القوات الأمريكية عملياتها البرية أواخر العام 2015، حيث وصل عدد من عناصر الوحدات الخاصة إلى مناطق في شرق وشمال البلاد، لتشكيل تحالف مع ميليشيات محلية وفصائل معارضة للنظام، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ازداد عدد القوات الأمريكية بشكل تدريجي في سوريا اعتبارا من 2016 ليصل تعدادها رسميا إلى 2000 جندي يتمركزون في قواعد عسكرية بمناطق شرق وشمال البلاد فى 25 موقعا.
أبرز هذه القواعد كان مطار بمحافظة الحسكة في شمال شرق سوريا قرب الحدود مع تركيا والعراق في منطقة تضم عددا من الآبار النفطية، تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد وهى عبارة عن تجمع قوات عربية وكردية) وكانت تشكل أحد أهم عناصر التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وانتشرت القوات الأمريكية في مواقع رئيسية أخرى في هذه المنطقة الغنية بالنفط، والواقعة في محيط نهري دجلة والفرات، هناك مواقع استيراتيجية بين محافظتي دير الزور عند حقل العمر النفطي ، والرقة التى اتخذها تنظيم داعش عاصمة له فى البداية، والمحافظتين قريبتين من الحدود السورية العراقية، ما يمنحها القدرة على قطع خطوط إمداد التنظيم بين الطرفين، بين سوريا والعراق.
بالإضافة إلى موقع منطقة كوباني (عين العرب) الواقعة على الحدود العراقية التركية، والقريبة من مواقع القوات التركية
القرار ليس جديدا من ترامب
في ديسمبر 2018 خلال فترة ولاية ترامب الأولى أعلن أن السبب الوحيد لوجود القوات الأمريكية في سوريا هو هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأن الهدف قد تحقق ما سيفضي لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا بعد نحو 3 سنوات من تواجدها هناك.
قرار ترامب الأول لاقى معارضة كبيرة من الحلفاء الأوربيون باعتبار أنه سيسمح بعودة تنظيم داعش للظهور وكذلك لاقى معارضة من قوات سوريا الديمقراطية، الحليف السوري الرئيسي للولايات المتحدة، لأنه سيفتح الطريق أمام القوات التركية والفصائل التي تدعمها لشن عمليات ضد قوات سوريا الديموقراطية أو بمعنى أصح ضد الأكراد
فى المقابل رحبت روسيا وتركيا وإيران بالقرار لأنه يصب لصالحهما، وبالطبع لصالح النظام السورى السابق الذى كان يعد نفسه للسيطرة عاجلا أم آجلا على المناطق التي ينسحب منها الأكراد.
ولم يسع الوقت ترامب لتنفيذ القرار وبقت الأمور فى سوريا على حالها فى ظل خليفته جو بايدن، والآن يعيد ترامب أحياء قناعته وكذا التوجه الذي يتبناه ترامب، بشأن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، استناداً إلى مقاربة يؤيدها كبار المسؤولين في إدارته، وفي مقدمتهم نائب الرئيس، جي دي فانس.
وبالفعل أبلغت جهات أمنية أميركية نظيرتها الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة تعتزم الشروع في تنفيذ انسحاب تدريجي لقواتها من سوريا في غضون الشهرين المقبلين.
بعد سقوط نظام بشار الأسد
ومع سقوط نظام بشار الأسد زادت بإطراد الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد سوريا ووسعت المنطقة العازلة على طول مرتفعات الجولان، وعززت وجودها في المنطقة العازلة ووطّدت علاقاتها مع أطراف سورية داخلية، بما في ذلك الدروز والأكراد، وهو ما بدا أنه تضارب مصالح مع تركيا التى تدعم الشرع، والتى تسعى إلى ترسيخ موطئ قدم عسكري لها في سوريا، فيما ترى إسرائيل أن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فى تحذير صارم: “بالتصدي لمثل هذه التحركات. وذهب وزير الدفاع إسرائيل كاتس إلى أبعد من ذلك، مُوجّهًا تهديدًا مباشرًا للشرع مصرحا بأن إسرائيل لن تسمح بترسيخ عدائي في سوريا، وستُحمّل دمشق المسؤولية”.
التوترات تبلغ ذروتها بين اسطنبول وتل أبيب
وخلال الأسبوعين الماضيين، بلغت التوترات ذروتها بين اسطنبول وتل أبيب وأفادت التقارير أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف أربعة مطارات، بما في ذلك قاعدة T4 الجوية قرب تدمر في محافظة حمص. ويُزعم أن القوات التركية كانت تستعد للانتشار في تلك القاعدة، وخاصة الوحدات التي تُشغّل طائرات مسيرة.
وتظل تركيا تعتبر سوريا أولوية استراتيجية لها ولن تترك هذه الساحة لإسرائيل.
هناك أيضا مصالح اقتصادية لتركيا في سوريا، بما في ذلك خط أنابيب غاز مقترح من قطر عبر سوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا وتخشى أنقرة أن تُعرقل الإجراءات الإسرائيلية هذا المشروع.
واشنطن قلقة بشأن الخلاف بين حليفتيها الإقليميين
في غضون ذلك، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تهدئة التوترات، قائلاً خلال ظهور مشترك مع نتنياهو: “لديّ علاقات ممتازة مع تركيا. أردوغان يُحبني، وأنا أُحبه. إذا كانت لديك مشكلة معه، فسأُصلحها”.
وتبدو واشنطن قلقة بشأن الخلاف بين حليفيها الإقليميين، وقد تدفع نحو تقسيم مناطق النفوذ أو آليات أخرى لمنع المزيد من التصعيد.
أفادت التقارير أن إسرائيل وتركيا بدأتا مناقشة آلية تنسيق مماثلة لتلك التي كانت إسرائيل تحافظ عليها مع روسيا قبل انهيار نظام الأسد.
وقد عُقد اجتماع تمهيدي هذا الأسبوع في أذربيجان بين تركيا وإسرائيل لهذا الغرض.
يشتبه البعض في أن هدف إسرائيل الحقيقي هو تفتيت سوريا، بينما تسعى تركيا، على الرغم من كل طموحاتها، إلى الحفاظ على دولة مستقرة تحت سيطرتها.
طالع المزيد: