د. إسلام جمال الدين شوقي: لماذا خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة؟

كتب: على طه
فى تعليقه على قرار البنك المركزى المصرى بتخفيض أسعار الفائدة بـ225 نقطة أساس قال الخبير الاقتصادي د. إسلام جمال الدين شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن القرار جاء مفاجئا في توقيت كان يري فيه الكثيرون أنه غير مواتٍ لمثل هذا النوع من التيسير النقدي.
وأضاف الخبير الاقتصادى فى تصريحات خاصة لـ “موقع بيان” أن التقديرات السائدة في الأوساط الاقتصادية كانت تميل إلى توقع تثبيت أسعار الفائدة على الأقل في هذه المرحلة التي تشهد فيها مصر موجة متجددة من الضغوط التضخمية الناتجة عن رفع أسعار المحروقات.
تفسير أسباب التخفيض
وواصل د. شوقى قائلا: يُعدُ أحد أهم المعطيات التي رجحت كفة التيسير النقدي في الفترة الأخيرة هو التراجع اللافت في معدلات التضخم السنوي، وخصوصًا في المناطق الحضرية حيث انخفض المعدل من مستوى 24% في يناير إلى 12.6% فقط في مارس وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويُعدُّ هذا التراجع فى معدلات التضخم، نجاحًا نسبيًا يعكس فعالية التدابير النقدية والمالية المتخذة منذ العام الماضي، والتي شملت تشديدًا تدريجيًا للسياسة النقدية إلى جانب إجراءات حكومية للسيطرة على الأسواق.
وعلى النقيض نجد أن هذا التراجع في معدلات التضخم تزامن مع قرار حكومي جريء برفع أسعار المحروقات البنزين والسولار بمقدار 2 جنيه للتر، وهو ما يُنذر بموجة تضخمية جديدة، خصوصًا في ظل ما يمثله الوقود من مكون أساسي في تكلفة الإنتاج والنقل، وبالتالي فإن تسعير معظم السلع والخدمات هذا العامل وحده في وجهة نظر الكثير كان كافيًا لردع أي تحرك نحو خفض الفائدة، بل وربما كان من المنطقي توقع تثبيت مؤقت يمهد لقراءة أوضح للتداعيات قبل اتخاذ خطوات جديدة.
قراءة البنك المركزي للمشهد
ويضيف د. شوقى أنه على ما يبدو أن البنك المركزي، قد قرأ المشهد من زاوية مختلفة، فقد فضل كسر التوقعات وتجاوز الحذر التقليدي من منطلق حاجته لتحفيز النمو الاقتصادي المتباطئ وتخفيف الضغط المالي الهائل على كاهل القطاع الخاص الذي يعاني منذ سنوات من السيولة المكلفة والتمويل المرهق بفعل أسعار فائدة كانت من بين الأعلى عالميًا.
وواصل أن ارتفاع تكلفة التمويل خلال الأشهر الماضية كانت تشكل عائقًا رئيسيًا أمام قدرة الشركات على التوسع أو حتى الحفاظ على نشاطها القائم، لا سيما في القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تعتمد على التمويل المصرفي بشكل أساسي.
وفي ظل هذا الواقع فإن خفض الفائدة يُعد بمنزلة دفعة معنوية ومادية للقطاع الخاص، ورسالة إيجابية من البنك المركزي بأنه مستعد لتعديل بوصلته متى رآها تصبّ في مصلحة الاقتصاد الكلي.
ومما يعزز من وجاهة هذا التوجه أن البنك المركزي المصري ربما قدر بأن أثر رفع أسعار المحروقات سيكون أقل حدة أو أكثر احتواءً مما يتوقع البعض، خصوصًا إذا تم امتصاصه في سلاسل الإنتاج أو عبر الدعم الحكومي لشرائح معينة، وكذلك فإن الاتجاه النزولي للتضخم في الأشهر الأخيرة قد أتاح للمركزي بعض الهامش للمناورة دون أن يُهدد الهدف الأساسي المتعلق باستقرار الأسعار.
التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
وفي المقابل فإن عودة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحزمة جديدة من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، ثم الرد الصيني بالمثل كلها مؤشرات على احتمالية تراجع حركة التجارة العالمية وتهديد سلاسل الإمداد، وبالتالي سيحدث ضغط على الاقتصادات الناشئة ومن ضمنها مصر.
ومن الممكن أن يكون البنك المركزي اعتبر أن الاقتصاد المصري في حاجة إلى دفعة استثنائية للنمو، تتجاوز اعتبارات الحذر التقليدي، وخصوصًا في ظل تراجع جاذبية أدوات الدين الحكومية مع انخفاض شهية المستثمرين الأجانب، وتباطؤ تدفقات الاستثمار المباشر.
السؤال الآن
ويطرح د. شوقى السؤال الآتى: هل يُمثل هذا الخفض الحاد للفائدة بداية لمسار تيسيري طويل الأمد؟.. هذا سؤال مطروح بقوة، ولا شك أن الإجابة على هذا السؤال ستعتمد على تطورات التضخم المحلي، وأداء النشاط الاقتصادي، وسرعة انعكاس هذا القرار على حركة الاستثمار والتمويل داخل السوق.
ولم يُظهر البنك المركزي صراحةً ما إذا كانت هذه الخطوة بداية لسلسلة جديدة من الخفض، إلا أن سياسته في الأشهر القادمة ستكون كاشفة لطبيعة هذا التحول فإذا استمر التضخم في التراجع أو ظل مستقرًا عند مستويات مقبولة، فقد نرى مزيدًا من التيسير، أما إذا عادت الأسعار للارتفاع بوتيرة سريعة، فسيتعين على المركزي أن يُعيد حساباته مجددًا.
ماذا بعد؟
وينتهى د. إسلام جمال الدين شوقي إلى القول: لا يمكن النظر إلى قرار البنك المركزي بخفض سعر الفائدة 2.25% على أنه إجراء بسيط أو روتيني، بل هو خطوة تحمل في طياتها رهانات اقتصادية صريحة وتحديات محلية ودولية جمة، ولا يكمن التحدي الحقيقي الآن في مراقبة المؤشرات الاقتصادية فقط، بل في قدرة السياسات المصاحبة على تعظيم الاستفادة من هذا القرار وتفادي مخاطره المحتملة، وهو ما يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين السياسات النقدية والمالية والاستثمارية لضمان أن يتحول هذا الخفض إلى قوة دفع حقيقية لعجلة الاقتصاد المصري.