بحضور مستشار رئيس الجمهورية وفد قبائل “بني عِطية” بالسعودية والأردن في ضيافة إخوانهم قبيلة “المعازة” بمصر | فيديو وصور
استضافات حافلة’’ من القبائل المصرية’’ لوفد قبائل السعودية والأردن

كتب: عادل أبوطالب المعازي
لطالما كانت الأمة العربية بمثابة جسد واحد ينبض بروح واحدة، تجمعها الشدائد وتوحدها المحن، وتوقظ فيها الظروف الصعبة معاني النخوة والشهامة والتضحية. ففي كل أزمة، تهبّ الشعوب العربية لتجديد العهد بالوحدة ولمّ الشمل، استجابة لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.
الأمة العربية.. جسد واحد وروح واحدة
وفي ظل تحديات إقليمية معقدة، يبرز انسجام الشعوب العربية مع الجهد الرسمي الصادق الذي تقوده الدول المحورية الكبرى في المنطقة: مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، لتجسد روح الأخوة والوحدة الحقيقية بين القادة والشعوب.
وفي هذا الإطار، جاءت زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها، قام بها وفد من شيوخ قبيلة بني عطية من المملكة العربية السعودية، لصلة الرحم مع أشقائهم في قبيلة المعازة بمصر.
وهي زيارة تعكس عمق العلاقات القبلية والمجتمعية الممتدة، وتؤكد حرص القبائل العربية على التواصل وتعزيز الروابط الأخوية، انطلاقاً من تعاليم الإسلام في صلة الأرحام وتعزيز التآلف.
وفور وصول وفد بني عطية إلى مطار القاهرة الدولي، كان في استقبالهم كبار شيوخ قبيلة المعازة وعدد من رموز القبائل العربية في مصر، في مشهد احتفالي يعكس حرارة الاستقبال وصدق الود.
وشملت الزيارة جولات متعددة داخل مصر، بدءًا من محافظة الإسماعيلية، حيث كان اللقاء الأول في ضيافة قبيلة المعازة، ثم انتقل الوفد إلى منطقة وادي الرشراش جنوب القاهرة، حيث استضافهم أبناء المعازة مجددًا.
وفي ثالث محطات الزيارة، حلّ الوفد ضيفًا على الشيخ أمين الشعراوي شيخ قبيلة بلي، ثم كانت الزيارة الرابعة إلى قبيلة العيايدة بضيافة الحاج سويلم بن نصار، قبل أن يتوجه الوفد إلى قبيلة الحويطات، حيث استضافهم كبيرها الحاج سلمان أبو حمدان بن رفيع.
وكان مسك الختام زيارة عشيرة الجبيلات بمركز الصف، في زيارة رسمية إلى المهندس والنائب فيصل إبراهيم أبو عريضة من كبار قبيلة المعازة، حيث اختتمت الزيارة وسط أجواء من الود والتقدير المتبادل.
الشيخ عبد اللطيف الربيلي.. رمز الصفح ونبراس اللقاء العربي
كان القلب النابض، ومحور اللقاء، ونبراس هذه الزيارة التاريخية هو الشيخ عبد اللطيف أحمد الضريسة الربيلي، أحد أبرز رموز قبيلة بني عطية بمنطقة تبوك في المملكة العربية السعودية، والذي تجسدت فيه أسمى معاني العفو والصفح، حتى أصبح يُعرف بـ”شيخ العفو وصاحب الصفح الجميل” – جزاه الله عن الأمة خير الجزاء.
ولمن لا يعرفه من غير أبناء القبائل العربية، فإن الشيخ عبد اللطيف قدم مثالًا نادرًا في التسامي عن الألم، حينما عفا لوجه الله عن قاتل ولده، رافضًا قبول دية تجاوزت عشرين مليون ريال سعودي، في موقف يندر أن يتكرر، جعله قدوة حسنة وأسوة في الصفح والإحسان، كما قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}.
وقد كان حضوره في مصر، برفقة إخوانه من رجالات قبيلة بني عطية، عاملًا بارزًا في توحيد القلوب ولمّ الشمل بين أبناء قبيلة المعازة، وبث روح التآخي بين القبائل، في مشهد يثلج الصدر، ويجدد الأمل بوحدة عربية خالصة.
إن ما تحقق من لقاءات ومصالحات وجمع للشتات، كان ثمرة لهذا الموقف الإنساني والإيماني العظيم، الذي جسّده الشيخ عبد اللطيف، وأصبح رمزًا لما يمكن أن تفعله صلة الأرحام، والعفو، والإصلاح بين الناس، وهي القيم التي أثنى عليها القرآن الكريم في قوله: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.
وقد أكد شيوخ وأبناء القبائل، في كلماتهم خلال اللقاءات، أن وحدة الصف العربي هي مفتاح النصر، مستحضرين مشاهد مضيئة من التاريخ، أبرزها توحد العرب في حرب أكتوبر المجيدة، حين أعلن الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله – قطع البترول عن الغرب دعمًا للمعركة، فكان ذلك أحد أبرز الأسباب في تحقيق ثاني أعظم نصر على اليهود، بعد أن طهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة قبل أكثر من 1400 عام.
واليوم، إذ تمر الأمة الإسلامية والعربية بظروف عصيبة وتحديات مصيرية، فإن الواجب يحتم علينا أن نستلهم من هذه المواقف دروسًا عميقة، وأن نضع أمام أعيننا قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
فلا بد من ترك الفرقة والخصومة، وتقديم مصلحة الدين والوطن على الأهواء الشخصية، لأن المحن لا تفرق بين غني وفقير أو كبير وصغير، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وفي مثل هذه اللحظات الفارقة، تُشحذ الهمم، وتُختبر الأمم، وتُصقل عزائم الرجال.
أمّتنا بين حملات التشويه وواجب نصرة فلسطين.. نداء للوعي والوحدة
أجمع المتحدثون على أن من أعظم ما ابتُليت به أمتنا العربية والإسلامية في العقود الأخيرة، في ظل جهل شعبي متفشٍ، هو تلك الحملات الممنهجة من التشكيك والتشهير، التي تستهدف ديننا، وأمتنا، وقادتنا، وتُدار بذكاء خبيث عبر مؤسسات إعلامية دولية، تقودها قوى كبرى تسعى لتفكيك مجتمعاتنا من الداخل.
تلك الحملات لا تأتي من خارجنا فحسب، بل تجد لها وكلاء مأجورين من أبناء جلدتنا، يرتدون لبوس “الناشطين”، ويُسخّرون لخدمة أجندات خارجية، تُدرّبهم مؤتمرات ومنصات وورشات على كيفية زعزعة أوطانهم، ونشر الفوضى الفكرية والاجتماعية، تمامًا كما خطّط لذلك الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الشهير “نصر بلا حرب”، والذي وإن كان يقصد فيه الاتحاد السوفيتي، فقد تحققت تفاصيله فينا، حيث أصابتنا رياح التفكيك والدمار دون أن يُطلق العدو رصاصة واحدة، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، ومرورًا بسيناريوهات الفوضى في عدد من الدول العربية.
وإن كان المنافقون أشد خطرًا من الأعداء، فإن المرجفين من بني جلدتنا أشد فتكًا من اليهود أنفسهم، لأنهم يطعنون الأمة من الداخل، ويعينون خصومها عليها. وإن كان العدو الصهيوني يعمل على تجميع شتاته وبناء دولته، فهناك بيننا من يستهلك كل طاقته في هدم وطنه وتفكيك مجتمعه، بالتحريض على الفتنة والفوضى، وتغذية النزاعات.
وفي سياق الحديث عن فلسطين، أجمعت الكلمات على أن نصرة الشعب الفلسطيني واجب شرعي وأخلاقي وإنساني، لا يقبل مساومة أو مزايدة. فلا أحد يملك الحق في أن يُشكك في موقف مصر التاريخي، التي خاضت ستة حروب من أجل فلسطين، دون مصلحة ذاتية، بل بدافع الانتماء الإسلامي والعربي الخالص.
لكن من باب الصدق والإنصاف، لا بد أن نقول بوضوح إن الطريق إلى تحرير القدس يمر أولًا عبر المصالحة الفلسطينية الفلسطينية. فكيف يُرجى نصر من الله لقومٍ متخاصمين متشاحنين؟ وكيف يُبنى مشروع تحرر وطني في ظل تمزق داخلي، وتغليب للمصالح الفئوية والولاءات الحزبية على مصلحة الوطن؟
إن وحدة الصف الفلسطيني ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية، والاختلافات الداخلية باتت ـ للأسف ـ في بعض جوانبها أعمق من الخلاف مع الاحتلال نفسه، إذا ما أخذنا في الاعتبار وحدة العقيدة واللغة والمصير.
قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
فليتّقِ الفلسطينيون ربهم، ولينبذوا الفرقة، ولتتوحد جهودهم في وجه الاحتلال، بدلاً من استنزافها في صراعات داخلية. فلن يُكتب النصر إلا لأمة موحدة، متصالحة، تضع قضاياها الكبرى فوق كل اعتبار.
دعوة للتصالح.. وبداية جديدة
في هذا المقام الكريم، نرفع دعوتنا لأنفسنا أولاً، ولأمتنا جمعاء، أن نستحضر قول الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
لقد باتت الفرقة والتشاحن والتباغض تمتد إلى البيوت والعائلات والمجتمعات، مما يجعلنا بحاجة ماسّة إلى وقفة مع النفس، نراجع فيها قلوبنا، ونبدأ منها طريق المصالحة والتسامح.
فلنبدأ بأنفسنا أولاً، ثم نمد أيدينا للصلح مع من حولنا من أهل وأقارب وجيران، ونطرح الأحقاد والضغائن جانبًا، متسائلين:
هل بقي من أعمارنا ما يكافئ ما مضى؟
فبأي وجه نلقى الله ونحن نحمل في صدورنا الحقد والبغضاء؟
نعوذ بالله أن نكون من أهل الشقاق والخصومة، أو أن نكون معهم.
وقد وجّه الحاضرون نداءً مخلصًا إلى كل ذي قلب سليم، وإلى أصحاب الكلمة المسموعة من شيوخ القبائل، والعُمد، وكبار العائلات في مصر، ثم إلى أهل الوفاء والرحم من المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، أن تكون لهم زيارات قادمة، تواصل طريق الإصلاح ولمّ الشمل والوحدة العربية.
ولتكن البداية من أبناء قبيلة المعازة، تمهيدًا للانطلاق إلى إصلاح ذات البين بين جميع القبائل والعائلات في مصر، تحقيقًا لقول الله تعالى:
{لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
فلتكن رسالتنا هذه نداءً للقلوب الصافية، وسعيًا خالصًا لوجه الله، أن نكون من المصلحين، لا من المفسدين، وأن نعيد لأمتنا وشائج القربى، وروح الجماعة، ووشاح الأخوة.
شاهد:
صور الزيارة:
طالع المزيد: